الآثار السلبية لضغوط الحياة على المرأة

إشراف: عدنان الكاتب إعداد: جمال عبد الخالق في جلسة حوار مع أخصائيين وأطباء في السعودية "هي" تناقش الآثار السلبية لضغوط الحياة على المرأة المشاركون في الجلسة -الدكتورة منى الصواف، استشارية الطب النفسي. -الدكتور مجدي محسن، مدير الشؤون العامة والمتحدث الرسمي لشركة فايزر العالمية للأدوية في السعودية. -الدكتورة النمساوية أنيتا رجلر استشارية الطب النفسي. -بسمة محمد قزاز محاضرة واختصاصية نفسية بـ "كلية دار الحكمة". -رولا عاشور، محاضرة واختصاصية نفسية. -سحر علوي. مع تزايد ضغوط الحياة على المرأة العربية وخصوصا الخليجية بسبب تهميشها أحيانا، وبسبب تزايد مسؤولياتها في أحيان أخرى، تتعرض لمشاكل وعقبات تؤثر سلبا على صحتها ونفسيتها، وبالتالي ثؤثر سلبا على من حولها، ولعل ما دفعنا لمناقشة هذا الموضوع الهام، التقارير التي تصدرها منظمة الصحة العالمية، والتي كان أحدثها تقرير يؤكد أن تزايد ضغوط الحياة على المرأة يزيد من فرص إصابتها بمرض الاكتئاب، وتشير أحدث الدراسات العلمية إلى أن مقابل كل ثلاث نساء مكتئبات يوجد رجل يعاني من هذا المرض الذي بات وفقا لتقديرات منظمة الصحة العالمية يحتل المرتبة الأولى في قائمة الأمراض التي تصيب البشر. ويشير استشاريو الطب النفسي إلى أن من أبرز أسباب إصابة المرأة الخليجية بالاكتئاب راجع إلى العادات والتقاليد وطريقة التعامل معها والتهميش الذي تتعرض له أحيانا، وهو ما يجعلها أكثر عرضة للإصابة بهذا المرض، الذي قد تكون له أحيانا آثاره المدمرة في الفرد والمجتمع. ومما يؤكد ذلك أن اليوم العالمي للصحة النفسية حمل عنوان "الاكتئاب: أزمة عالمية". وأكدت آخر التقارير الصادرة عن المنظمة العالمية أن الاكتئاب يصيب أكثر من 350 مليون شخص من مختلف الأعمار، منهم 233 مليون امرأة و117 مليون رجل، وهو ما جعل مرض الاكتئاب مرضا نسائيا بامتياز. "هي" وانطلاقا من مسؤوليتها تجاه المرأة العربية عموما والخليجية خصوصا، نظمت في جدة ندوة جلسة حوار شارك فيها مجموعة من الأطباء والمعالجين النفسيين والخبراء، للوقوف على أسباب تزايد إصابة النساء بالاكتئاب، ومدى قناعة المرأة بأهمية الطبيب والمعالج النفسي، وأحدث العلاجات. الدكتورة منى الصواف استشارية الطب النفسي بدأت الجلسة بقولها: تصاب المرأة بالاكتئاب لأنها بشر، وهي أكثر عرضة له من الرجل، بسبب ثلاثة عوامل: العامل الأول: بيولوجي بحت، فهرمونات المرأة التي تجعلها جميلة ورقيقة ومنجبة لها أيضا تأثير سلبي في النساء اللواتي لديهن قابلية واستعداد للاكتئاب، وهنا نسأل هل هو مرض وراثي؟ وهو سؤال محير للعلماء، فالدراسات الحديثة تؤكد أن هناك استعدادا جينيا لظهور أمراض معينة في عائلات معينة في أشخاص معينين في الأسرة نفسها وتحت ظروف معينة مثل مرض السكر. العامل الثاني: وهو الجزء المتعلق بالحمل والولادة، لذلك هناك تخصص بكامله، وهو اضطرابات النفاس النفسية، بداية من حالة لا أسميها مرضية يمر بها من 60 إلى 70 في المئة من النساء، وهي (كآبة النفاس)، ونهاية بأصعب شيء، بالنسبة لعدد قليل جدا وهو إلحاق الأذية بالوليد نتيجة الاضطرابات الذهانية التي تصيب المرأة بعد الولادة. العامل الثالث: والذي يتحدث عنه البنك الدولي، ويحذر منه وهو الناحية الاقتصادية والاجتماعية والبطالة التي تعاني منها النساء، وما تتعرض له من تهميش وعنف وقهر، كل هذه العوامل تجعل المرأة عرضة لهذا المرض المدمر. وتضيف الكتورة منى: نحن في هذه الجلسة نناقش مرضا نسائيا بامتياز، والمشكلة التي يجب العمل عليها هي أن من يبحثن عن العلاج من النساء نسبة ضئيلة جدا لا تتجاوز 1 إلى 3 في المئة. وهناك معتقد خاطئ سائد في المجتمع العربي يقول: "إذا استعملت الدواء سوف أتعود عليه"، وفي هذا خلط كبير بين فئتين مختلفتين من العقاقير، وهما المهدئات الصغرى وهي التي يلجأ إليها العديد من النساء من أجل علاج اضطرابات النوم، وهذه المهدئات الصغرى هي ما يجب الحذر منه، أما الأدوية الحديثة المعتمدة والمصرح بها كعلاجات للاكتئاب، فلا تشكل خطورة إذا ما تم تعاطيها تحت إشراف الطبيب المعالج مع ضرورة عدم التوقف عن تناول العلاج حسب المدة التي يراها الطبيب، وإن تحسنت الحالة، فلا بد من استكمال البرنامج العلاجي بالكامل لتجنب حدوث انتكاسه ومعاودة الأعراض للظهور بعد فترة مرة أخرى. وتعقب بسمة محمد قزاز، استشارية الطالبات ومساعدة المحاضر بكلية دار الحكمة بجدة والمعالجة النفسية قائلة: هناك أسبابا مشتركة بين نساء العالم لكن للمرأة الخليجية والسعودية (خصوصية) فالعادات والتقاليد والتهميش الذي تتعرض له المرأة أحيانا والضغوط النفسية، إضافة إلى ذكورية المجتمع، جميعها عوامل تسهم في إصابة المرأة بالاكتئاب، وهنا تجدر الإشارة إلى أن نسبة قليلة جدا من مريضات الاكتئاب يلجأن للاختصاصيات النفسيات، وحتى من يلجأن يبحثن دائما عن العلاج الدوائي، والكثير منهن لا يتابعن العلاج، بل يتوقفن عن تناول الدواء بمجرد الشعور بالتحسن، وهو ما يؤدي للانتكاسة مرة أخرى. المعالجة النفسية رولا عاشور تشير في حديثها إلى محور في غاية الأهمية، وتقول: هناك اعتقاد خاطئ لدى الكثير من السيدات، وهو أن مجرد الذهاب إلى عيادة الطبيب أو المعالج النفسي يعني الجنون، وهذا الاعتقاد يؤدي إلى عزوف الكثيرين عن البحث عن العلاج، واللجوء إلى البدائل (العلاجات الروحانية) ومن ثم تحدث الانتكاسة وتسوء الحالة قبل الوصول إلى العيادات المتخصصة، وأنا هنا أشدد على أهمية توعية المجتمع، واهتمام الجهات المعنية في وزارة الصحة بالأمراض النفسية والمراكز المتخصصة في هذا المجال، ولا بد أن تعلم المرأة أن هناك مراحل لعلاج الاكتئاب تبدأ بالعيادات النفسية، مرورا بالطبيبة النفسية وانتهاء باستخدام علاجات الاكتئاب بشكل منتظم وفقا لتعليمات الطبيبة المعالجة، وعدم التوقف عن تناول الدواء بمجرد الشعور بالتحسن، لأن ذلك يؤدي للانتكاسة، علما أن الاكتئاب قد يصيب المرأة في مختلف مراحلها العمرية، حتى بالنسبة للمرفهات وعدم وجود القدوة، والضغط الذي تتعرض له الفتيات مع عدم وجود هوايات مفيدة لشغل وقت الفراغ، كل هذه العوامل تجعل المرأة فريسة للاكتئاب. وتعود الدكتورة منى الصواف لتؤكد أن السن الذي يظهر فيه الاكتئاب الكلاسيكي وحيد القطب هو من 30 إلى 40 سنة فما فوق ما عدا اكتئاب الفتيات في سن المراهقة، ويسمى اضطراب ثنائي القطبين، وهو اكتئاب إيجابي، ولكن إذا لم يتم تشخيصه بالشكل الصحيح، فقد يتحول إلى اكتئاب سلبي، ومن أهم علاماته زيادة الحركة وعدم الاحتشام، والدخول في علاقات جنسية خطرة مع عدم المبالاة بعواقبها، وغالبا ما تتعرض تلك الفئة من الفتيات إلى العقاب الشديد دون أن يعلم أحد أنها تمر بهذا النوع من الاكتئاب، وهناك نوع جديد من الاكتئاب، وهو اكتئاب الأطفال ومعظم المنظمات العالمية تحذر من الإساءة المباشرة والمتعمدة للأطفال، لأن ذلك يؤدي إلى الإصابة بالاكتئاب، وأيضا إلى الانتحار. أما الدكتورة النمساوية أنيتا رجلر استشارية الطب النفسي فقالت: المرأة النمساوية كغيرها من نساء العالم تعاني من هذا المرض، وهناك واحدة من بين كل أربع نساء معرضة للاكتئاب، وأعتقد أننا في الغرب لدينا أسباب تختلف عن تلك الأسباب الموجودة في الشرق، فحياة المرأة النمساوية أصعب بكثير من حياة المرأة في الشرق، ولكن لدينا قناعة بأهمية الطبيب النفسي، وخاصة في المدن، حيث تبحث المرأة النمساوية عن المساعدة، وكلما اكتشف المرض مبكرا كانت هناك فرصة أكبر في العلاج، وشددت على أهمية التوعية في هذا الإطار. وتتطرق الشابة سحر علوي إلى عوامل هامة تؤدي أحيانا إلى إصابة الفتيات في مرحلة المرهقة بالاكتئاب، منها الفشل في العلاقات العاطفية، وخصوصا في ظل تجاهل الأسرة، كما أن فشل بعض الفتيات بالحصول على مظهر الفنانات اللواتي يتصدرن الشاشات وأغلفة المجلات النسائية يصيبهن أحينا بالكآبة، خصوصا بسبب الهوس بالنحافة وبالريجيم. الدكتور مجدي محسن: تطور كبير في علاجات الاكتئاب والتوعية النفسية مطلب مهم الدكتور مجدي محسن مدير الشؤون العامة والمتحدث الرسمي لشركة فايزر يقول: مرض الاكتئاب مشكلة تؤرق جميع المجتمعات الإنسانية، لما يترتب عليه من آثار سلبية على الفرد والمجتمع، وهذه المشكلة لها ثلاثة أضلاع أساسية وهي المريض والطبيب والعلاج: في السابق وحتى ما قبل القرن العشرين كان علاج هذا المرض يعتمد على موروثات الشعوب كالعلاج الروحي، إلا أن بداية القرن العشرين شهدت ثورة في المفاهيم، حيث بدأ الاعتماد بشكل أكبر على العلاج بالأدوية، فالأمراض النفسية من المشكلات شديدة الصعوبة والتعقيد، حيث تتحكم فيها مجموعة من العوامل، من أهمها البعد المجتمعي، والظروف المحيطة بالمريض، وقد اكتشف مؤخرا أن الأمر لا يتوقف فقط على عوامل اجتماعية أو بيئية أو جينية أو حتى وراثية، بل هناك عوامل كيميائية نتيجة حدوث خلل في الخلايا العصبية (ناقلات التيار العصبي)، فكما اكتشف العلماء بعض المكونات الأساسية الموجودة في مخ الإنسان التي تساعده على أن يحيا حياة طبيعية، ويتصرف بشكل طبيعي، كذلك اكتشف العلماء أن حدوث أي خلل في هذه المكونات يؤدي للإصابة بالاكتئاب وأحيانا انفصام الشخصية، ومن ثم فلا يمكن أن نغفل دور العلاجات النفسية، والجديد في مجال العلاج الدوائي أن الجمعية الأمريكية للصحة النفسية (APA) والشبكة الكندية لعلاج الاضطرابات المزاجية والقلق (CANMAT) توصيان باستخدام أدوية تعمل على المحافظة على هرمون السيراتونين (SSRI)، وهرمون النورابينفرين الاختيارية (SNRI) كخط أول لعلاج الاكتئ اب، وهو ما يساعد على الاتزان النفسي فالأدوية الجديدة لا تعالج الاكتئاب فقط، بل تجعل المريض يشعر بالاتزان النفسي والإيجابية في المجتمع. ووفقا للجمعية الأمريكية للصحة النفسية، فإن الاختيار المبدئي لمضادات الاكتئاب يعتمد في المقام الأول على الآثار الجانبية المتوقعة وعنصر الأمان الذي يتمتع به الدواء، ومدى تحمل المرضى لمثل هذه الأعراض الجانبية، إضافة إلى التأثير العلاجي لهذه الأدوية وعدم تعارضها مع أي أدوية أخرى يتناولها المريض، لذا فإن شركات الدواء العاملة في مجال تطوير علاجات الاكتئاب تحرص في أبحاثها على تجنب المضاعفات الجانبية للأدوية قدر الإمكان. وتوفر فئة جديدة من الأدوية التي تم طرحها مؤخرا في أسواق الخليج والسعودية المزيد من الخيارات الآمنة كخط أول لعلاج مرض الاكتئاب، كما أظهرت فاعلية أكبر في الاستخدام مع تحقيق مستويات أعلى من الأمان. وتشير الأبحاث السريرية إلى أن هذه الأدوية الحديثة توفر قدرا أكبر من التحمل لدى المرضى مثلما هو الحال في الجرعات المخففة، الأمر الذي يساعد المريض على ممارسة حياته اليومية بشكل طبيعي، وهو لا يقل أهمية بأي حال عن فاعلية العلاج. واختتم الدكتور مجدي محسن حديثه بالتأكيد على أهمية التوعية المجتمعية بمرض الاكتئاب، وازالة اللبس العالق في أذهان العامة بخصوص هذا المرض، وهذا يتطلب تضافر جهود المريض والطبيب ومن يبتكر الدواء وحتى وسائل الإعلام. نصائح مهمة في ختام الندوة أكد المشاركون على أهمية النصائح والتوصيات التالية: 1-على المرأة ضرورة مراجعة الطبيب والمعالج المختص فور الشعور بأي اختلاف في حياتها الطبيعية. 2-تغيير نظرة المرأة والمجتمع للطبيب والمعالج النفسي، فمراجعة العيادة النفسية لا تعني الجنون مطلقا. 3-على المرأة أن تدرك أن ما يصيبها من اكتئاب يصيب حوالي 15 في المئة من نساء العالم، وبالتالي عليها مراجعة طبيب الرعاية الصحية الأولية قبل أن تتفاقم الحالة. 4-عدم الخجل من طلب المساعدة النفسية، فالاكتئاب مرض مثل باقي الأمراض الأخرى. 5-الاهتمام بالثقافة المجتمعية ودعم المثقفين الصحيين في مجال الصحة النفسية. 6-على ولي أمر المرأة التي تعاني من الاكتئاب عدم التسرع في الحكم عليها قبل أن يتفهم معاناتها. 7-ضرورة الالتزام بإرشادات الطبيب المعالج، وخاصة عدم التوقف عن تناول العلاج عند الشعور بالتحسن حتى لا تحدث انتكاسة.