
لقاح السرطان الجديد: قفزة علمية واعدة نحو علاجٍ ثوري
ليس من السهل أن نسمع عن شخصٍ مصابٍ بالسرطان؛ فهذا المرض مزمن وخطير، ويحتاج إلى متابعة طبية حثيثة، فضلًا عن الصبر والروح المعنوية العالية.
إلا أن كثيرًا من مرضى السرطان، نجحوا في كشف إصابتهم بالمرض في مرحلةٍ مبكرة، وتعافوا منه بفضل الرعاية الطبية المناسبة. وحتى مع اكتشاف بعض حالات السرطان في مراحل متقدمة، فإن العلاجات المتطورة والمنتظمة، سمحت للعديد منهم بالتمتع بسنواتٍ إضافية من العمر.

يعمل الجسم الطبي حول العالم، وبشكلٍ مكثف، على تطوير علاجاتٍ جديدة لمكافحة أمراض السرطان التي شهدت خلال العام 2022، تسجيل نحو 20 مليون حالة سرطان جديدة و9,7 مليون وفاة. كما بلغ العدد التقديري للأشخاص الباقين على قيد الحياة في غضون 5 سنوات تلت تشخيص إصابتهم بالسرطان 53,5 مليون شخص، بحسب موقع منظمة الصحة العالمية. ويُصاب شخصٌ واحد تقريبًا من كل 5 أشخاص بالسرطان خلال حياته، كما يُودي هذا المرض بحياة رجلٍ واحد تقريباً من كل 9 رجال وامرأة واحدة من أصل 12 امرأة.
يُشكَل السرطان عبئًا كبيرًا ليس فقط على المريض وعائلته فحسب، بل على الدول خصوصًا المتوسطة والفقيرة منها. فيما تُكافح الدول المتطورة والأكثر رخاءً، لتقديم كافة الإجراءات العلاجية الممكنة والأحدث، حتى بعد التعافي من مرض السرطان، وهو ما يُعرف ب "الرعاية التلطيفية". ومنها دولة الإمارات العربية المتحدة، وتحديدًا إمارة أبوظبي؛ حيث أعلنت مدينة الشيخ شخبوط الطبية، إحدى أكبر المستشفيات في دولة الإمارات للرعاية المعقّدة والحرجة، عن إطلاق عيادة “التعافي والرعاية الشاملة بعد المرض” بهدف دعم وتمكين الناجين من مرض السرطان من مواجهة تحديات الحياة بعد رحلتهم العلاجية، معتمدةً نهجًا متعدد التخصصات، يشمل كادراً طبياً مؤهلاً من أطباء الأورام، والطب الباطني، وأخصائيي التغذية، والعلاج الطبيعي، والصحة النفسية.
بالتأكيد هذه الخطوة مهمة، ويقابلها ضرورة الخروج بعلاجاتٍ تحمي من أمراض السرطان المميتة؛ وهو ما تمَ الإعلان عنه مؤخرًا، من خلال لقاحٍ ثوري يُمهَد الطريق نحو علاجاتٍ أفضل وأكثر تطورًا للسرطان.

للوقوف أكثر على حيثيات هذا اللقاح، تحدثنا في "هي" مع الدكتور مصطفى الدالي؛ أستاذ واستشاري علاج الأورام في المستشفى الدولي الحديث – دبي، والذي وافانا مشكورًا بالمعلومات التالية..
لقاح السرطان الجديد يشكل قفزة علمية نحو علاج ثوري
في تطورٍ طبي غير مسبوق، يشهد العالم اليوم قفزةً نوعية في مكافحة السرطان، مع دخول لقاحات السرطان مرحلة أكثر نضجًا ودقة؛ حيث لم تعد فكرة اللقاح تقتصر على الوقاية كما في الأمراض المُعدية، بل أصبحت تُطرح كعلاجٍ مناعي مُوجه ضد الأورام الخبيثة. فما حقيقة هذه اللقاحات؟ وهل تم تجربتها على البشر؟ وهل تصلح لجميع مراحل السرطان؟
لقاح السرطان الجديد هو علاجٌ مناعي مُبتكر، صُمم خصيصًا لتحفيز الجهاز المناعي على التعرف إلى الخلايا السرطانية ومهاجمتها بفعالية. وبخلاف اللقاحات التقليدية التي تُستخدم للوقاية من الأمراض، هذا اللقاح يُصنع خصيصًا لكل مريض بناءً على الطفرات الجينية الخاصة بورمه، مما يجعله علاجًا شخصيًا ودقيقًا.

هل لقاح السرطان الجديد عام أم أنه مُخصص لحالاتٍ معينة؟
كما أسلفنا؛ اللقاح ليس عامًا، بل هو مُصمم لكل مريض بشكلٍ فردي. حيث يتم أخذ عيناتٍ من الورم الخبيث نفسه، وتحليل الطفرات الجينية الخاصة به، ثم إعداد لقاحٍ مُخصَص يُحفّز الجهاز المناعي لمهاجمة تلك الطفرات تحديدًا.
بمعنى آخر، لا يوجد "لقاح سرطان مُوحد" لكل المرضى، بل يتم تصنيع لقاحٍ خاص لكل حالة بناءً على خصائص الورم الجيني.
هل تمت تجربة اللقاح الجديد على البشر؟
نعم، أُجريت عدة تجارب سريرية واعدة، خصوصًا على مرضى سرطان الجلد من نوع الميلانوما.
ووفقًا لنتائج نشرتها مجلة Science Translational Medicine، أظهر لقاح mRNA أنه قلَل من احتمالية عودة المرض بنسبة 44% لدى المرضى الذين خضعوا للعلاج الجراحي والمناعي المشترك في علاج الاورام الصبغيه للجلد Melanoma.
وهذه نتائج مشجعة للغاية، وإن كانت التجارب لا تزال مستمرةً لتشمل أنواعًا أخرى من السرطانات مثل الرئة والقولون.
ما معنى أن لقاح السرطان الجديد يعمل كعلاجٍ مناعي؟
يعني أن اللقاح يقوم بتدريب جهاز المناعة على التعرف إلى الخلايا السرطانية باعتبارها "أجسامًا غريبة"، ومن ثم يهاجمها بشكلٍ طبيعي دون الحاجة إلى علاجاتٍ مُدمرة كالعلاج الكيميائي أو الإشعاعي.
هذه الطريقة تُمكّن الجسم من بناء دفاعٍ ذاتي طويل الأمد ضد الورم، وتُقلَل من احتمال تكرار المرض أو انتشاره.
هل يمكن استخدامه مع جميع مراحل السرطان، بما فيها المتقدمة؟
حتى الآن، أظهرت الدراسات أن اللقاح يقدم نتائج مُبشرة في المراحل المبكرة والمتوسطة من المرض، خصوصًا بعد إزالة الورم جراحيًا كخطوةٍ داعمة لمنع الانتكاسة كعلاجٍ وقائي.
أما في الحالات المتقدمة أو المنتشرة بشكلٍ واسع، فإن فعالية اللقاح وحده تكون محدودة؛ وغالبًا يستلزم دمجه مع علاجاتٍ أخرى مثل العلاج المناعي التقليدي أو العلاج المُوجه لتحقيق أفضل النتائج.
العائق الأكبر هنا، هو أن الأورام المتقدمة تكون غالبًا مُعقدة جينيًا، مما يجعل تصميم لقاحٍ فعال أمرًا غاية في الصعوبة.

لقاح السرطان الجديد: التحديات والآفاق المستقبلية
رغم أن الطريق لا يزال طويلًا، إلا أن دخول الذكاء الاصطناعي في تحليل الطفرات الجينية، وتصميم لقاحاتٍ مُخصصة بسرعةٍ وكفاءة، ساهم في تسريع الأبحاث بشكلٍ كبير. ويتوقع العلماء أن تتوسع استخدامات لقاحات السرطان خلال السنوات القادمة، لتشمل أنواعًا إضافية من الأورام الصلبة وأورام الدم .
ولكن لا بد أن نؤكد أن هذه اللقاحات لا زالت في مراحل البحث و التجارب السريرية؛ وهي ليست بديلًا عن العلاجات التقليدية في الوقت الحالي، بل هي إضافةٌ قوية ومُبشرة نحو مستقبلٍ تكون فيه العلاجات أكثر دقةً وأقل سمّية.
الآثار الجانبية المتوقعة للقاح السرطان الجديد
تُعتبر الآثار الجانبية للقاح بسيطةً مقارنةً بالعلاج الكيميائي، وتتراوح بين الحمى، والتعب، والالتهاب الموضعي، مثلها مثل أغلب أعراض اللقاحات. وهي أعراضٌ يمكن التعامل معها بسهولة اذا ما قارناها بالعلاجات الكيميائية الحادة والشديدة الوقع على المرضى.
في الختام؛ فإن لقاح السرطان الجديد يشكل قفزةً علمية نحو علاجٍ ثوري، وهو بمثابة بوابة أملٍ جديدة لمرضى الأورام السرطانية. إنما ينبغي التعامل معه بعين العلم والتريث، حيث لا يزال بحاجةٍ إلى المزيد من التجارب السريرية والموافقات الطبية قبل أن يصبح جزءًا من البروتوكولات العلاجية الروتينية.
وإلى أن يتحقق ذلك، ما عليكِ عزيزتي سوى إتباع قواعد السلامة والوقاية من أمراض السرطان التي ينصح بها الخبراء؛ وتتمثل في تناول الأكل الصحي، عدم التدخين وشرب الكحول، ممارسة الرياضة بانتظام، تحسين جودة النوم وتقليل التوتر، تقليل الالتهابات في الجسم قدر الإمكان، وإجراء الفحوصات الطبية اللازمة بشكلٍ دوري.