
استخراج الذهب من النفايات الإلكترونية... رؤية جديدة للاستدامة
من المخلفات الإلكترونية إلى منصات عروض الأزياء العالمية، تصوغ مجوهرات اليوم معايير جديدة للفخامة، حيث تلتقي الحرفية الراقية مع الابتكار المسؤول.

في عرض "ستيللا مكارتني" لربيع وصيف 2025 في باريس، تجاوزت الرسالة حدود الموضة، فقد احتلت المجوهرات المصنوعة من معادن مستخرجة من نفايات إلكترونية المشهد، معلنة عن ولادة فخامة مستدامة. بالتعاون مع علامة 886 by The Royal Mint، تخايلت العارضات بقطع مجوهرات بتصاميم طيور حمام مجردة، صيغت من ذهب معاد تدويره وفضة مستخلصة من أفلام الأشعة السينية في تجسيد فني لفكرة "أنقذ ما تحبه".

هذه المجوهرات، التي صيغت في جنوب ويلز على يد فريق من الحرفيين الذين انتقلوا من صناعة العملات إلى تصميم المجوهرات، جاءت لتقدم تجسيدا لمفهوم جديد للفخامة، يقوم على الابتكار والمسؤولية البيئية. تقول "آن جيسوب"، المديرة التنفيذية للدار: "أنا فخورة للغاية برؤية ذهبنا وفضتنا المعاد تدويرهما يبرقان على منصة عرض عالمية".

يشهد العالم تزايدا غير مسبوق في إنتاج المخلفات الإلكترونية، حيث بلغ حجمها 62 مليون طن في عام 2022، وفقا لتقرير الرصد العالمي للنفايات الإلكترونية 2024. ومع هذا التزايد تُهدر سنويا معادن ثمينة تُقدر قيمتها بنحو 91 مليار دولار، من بينها ذهب بقيمة 15 مليار دولار. وفي مواجهة هذا الواقع، تبرز علامات مبتكرة تنظر إلى هذه النفايات كفرصة لاستعادة المعادن من قلب البيئة العمرانية، وتحولها إلى مجوهرات تحاكي روح العصر.
حين تلتقي الحرفية بالحلول الذكية
تعد علامة 886 by The Royal Mint نموذجا بارزا من بين هذه العلامات. تحت إشراف "دومينيك جونز"، المدير الإبداعي، تحول الدار الذهب من النفايات الإلكترونية والفضة من أفلام الأشعة إلى قطع مجوهرات تحمل توقيعا بيئيا نادرا. وتسعى العلامة إلى توسيع هذا النهج ليشمل الحرفيين المستقلين من خلال تطوير قدراتهم الإنتاجية لتوفير معادن ثمينة معادة التدوير بجودة عالية، ودعم انتقالهم إلى استخدام خامات مستدامة.

أما علامة oushaba في لندن، فتعيد تعريف الجمال عبر المزج بين النفايات التكنولوجية والحرفية الفنية. نجد في مجموعتها connection salvaged دوائر إلكترونية وأسلاكا قديمة تحولت إلى مجوهرات مصنوعة باليد في صقلية، باستخدام تقنيات تقليدية مثل صب الشمع المفقود. تقول الشريكة المؤسسة، "جيليان كار": خلال فترات الإغلاق العام أثناء جائحة كوفيد، كنا نعتمد على التكنولوجيا للبقاء على الاتصال بمن نحب. أردنا أن نمنح هذه المواد، التي كانت جزءا من حياتنا اليومية، فرصة جديدة للحياة، وأن نحولها إلى قطع فنية يمكن التزين بها". وتضيف: "شكّل التعامل مع النفايات الإلكترونية تحديات تصميمية مثيرة، لكنه فتح أيضا أبوابا واسعة للإبداع". صممت القطع لتبدو كأنها قطع فنية من المستقبل، تعكس التباين بين المكونات الإلكترونية والمجوهرات المصنوعة باليد. كل إصدار من الدار يأتي فريدا ومصنوعا من الذهب عيار 18 أو22 قيراطا، ومرصعا بالأحجار الكريمة المستمدة من مصادر مسؤولة.
أما دار Courbet الباريسية، فتقدم حلا آخر عبر اعتمادها على الماس المصنع في المختبر والذهب المستخرج بالكامل من أجهزة إلكترونية قديمة. موقف العلامة واضح: إذا كان بالإمكان إعادة تدوير الذهب بلا حدود، فلماذا نستمر في استخراجه من الأرض؟ تأخذ العلامة المنظور البيئي والإنساني في عين الاعتبار، وترى أن استخدام المخلفات الإلكترونية هو المسار المنطقي الوحيد للمضي قدما.

بين التحديات والبدائل
محاولات إنتاج مجوهرات من المخلفات الإلكترونية لا تخلو من التحديات، فقد واجهت بعض العلامات صعوبات مرتبطة بتعقيد الحصول على المواد، وارتفاع تكلفة التكرير، وتشديد التشريعات البيئية. دفعت هذه التحديات بعض الدور إلى اعتماد حلول أخرى، مثل استخدام معادن معاد تدويرها من مصادر مختلفة، أو اللجوء إلى الذهب حامل شهادة fairmined بوصفه بديلا مسؤولا ومستداما.

بدأت Au Terra رحلتها عام 2015 باعتبارها أول علامة تصنع خاتما من ذهب معاد تدويره من نفايات إلكترونية فقط. لكن ومع مرور الوقت، واجهت تحديات متزايدة في هذا المجال، تصفها المؤسسة "آشلي هيذر" بقولها: "صناعة إعادة تدوير النفايات الإلكترونية هي مجال مزدحم، لكننا رفضنا أن نفرّط في مبادئنا الأخلاقية من أجل البقاء". دفع هذا التوجه العلامة مؤخرا إلى التحول نحو استخدام ذهب fairmined كخيار بديل يجمع بين الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية.

من جهة أخرى، تعتمد علامة lylie jewellery على نهج دائري مبتكر، حيث يمكن للزبائن استبدال ذهبهم القديم برصيد شرائي من خلال برنامج gold exchange. كما تشجع العلامة جمهورها على إعادة تدوير أجهزتهم الإلكترونية، وتؤكد مؤسستها "إليزا والتر" قائلة: "إن تحويل النفايات الإلكترونية إلى قطع مرغوبة هو جوهر التصميم في إنتاجنا".

قدمت في أولمبياد طوكيو 2020، الميداليات الذهبية والفضية والبرونزية من معادن مستخرجة من 79 ألف طن من الأجهزة الإلكترونية المتبرع بها، في مبادرة تجسد فكرة الاقتصاد الدائري. ويؤكد تقرير المخلفات الإلكترونية لعام 2024 أن هذه المخلفات تحوي تركيزات من الذهب تفوق تلك الموجودة في مناجم الذهب الطبيعية، بما يصل إلى 50 ضعفا. لم تعد المعادن الثمينة مدفونة في أعماق الأرض، وإنما هي في الأجهزة المهملة. ولذلك فإن هذه المجوهرات تحمل رسالة عصرية تصرح بأن الفخامة تكمن في المسؤولية والاستدامة بقدر ما هي في الندرة. فهي رؤية لمستقبل تتقاطع فيه الحرفية والوعي البيئي، وتعاد فيه صياغة معنى الفخامة من جديد.
ومع تصاعد الحاجة إلى حلول بيئية خلاقة، تواصل هذه العلامات المضي قدما في إعادة تشكيل معايير الفخامة، من خلال ابتكاراتها الثمينة، وبما تحمله من رسائل أكبر عن الوعي والمسؤولية والجمال المتجدد.