خاص لـ “هي": المصممة السعودية شذى علوان تروي حكاية "كُترة" وإلهامها القادم من أبها
التراث الثقافي ذاكرة حية تحمل تفاصيل المكان والزمان، ومرآة تعكس الروح الإنسانية في أبهى صورها. ومن هذا المنطلق، رأت شذى محمد علوان أن تجعل من الأزياء نافذة تحكي القصص الكامنة خلف الأقمشة والألوان والرموز.
ومن هنا وُلدت علامة “كُترة”، التي لم تُخلق كمشروع تجاري محض، بل كحلم شخصي انبثق من تجربة عميقة عاشتها شذى في أبها صيف 2022. هناك، أسرتها الأزياء العسيرية بألوانها الزاهية، فبدأت بخياطة قطع بسيطة لصديقاتها، لتنسج رؤية مختلفة لعالم الموضة السعودي؛ رؤية تنطلق من الأصالة وتمتد لتطل على المستقبل وتفتح آفاقًا للابتكار.
وفي حوار خاص مع “هي”، تتحدث شذى عن بدايات “كُترة”، وكيف وُلدت من قصة شخصية لتصبح علامة تسعى للمزج بين التراث والابتكار، وعن دور الحرفيين السعوديين في صياغة هويتها، ورؤيتها في جعلها جسرًا يصل الماضي بالمستقبل في عالم الموضة السعودي.
ما اللحظة التي ألهمتك لابتكار علامة "كُترة"، وكيف بدأت حكايتها؟
أبهرتني الأزياء العسيرية بألوانها الزاهية، فبدأت بخياطة قطع بسيطة لصديقاتي. وحين سألت والدي – رحمه الله – لو كان لي متجر، ماذا أسميه؟ أجابني بكلمة "كُترة"، وتعني النافذة في لهجتنا الجنوبية. ومن هنا بدأت الحكاية.
ومن زيّ تقليدي ألهمني جماله، ومن اسم اقترحه والدي ليصبح هوية، ولدت "كُترة" لتكون نافذة للاحتمالات اللامتناهية، تطل على عالم من الابتكار، وتفتح بابًا لمستقبل واعد بتحقيق الأحلام.
ما الذي يميز هوية "كُترة" عن غيرها من العلامات السعودية الصاعدة؟
ما يميز “كُترة” هو صدقها؛ فهي لم تنشأ كمشروع تجاري أو كمحاولة لمجاراة الموضة، بل انطلقت من شغف حقيقي ورؤية أصيلة. بدأت الحكاية ببحث ميداني وزيارات للمجتمعات المحلية للتعرف على أزيائها القديمة وحكاياتها، ثم تحوّلت هذه التجارب إلى رؤية عصرية. “كُترة” ليست مجرد إعادة إنتاج للتراث، بل جسر يربط بين الأصالة وأحلام المستقبل
من أين تستمد "كُترة" إلهامها في تصاميمها، وكيف يتحول هذا الإلهام التراثي إلى قطع عصرية؟
الإلهام في "كُترة" لا يقتصر على التراث السعودي وحده، بل يمتد إلى عمق الجزيرة العربية، حيث كان اللباس عبر مئات السنين علامة فارقة تميّز النساء وتدلّ على قبائلهن وهوياتهن. فكل زي تقليدي لم يكن مجرد ثوب يُرتدى، بل بطاقة تعريف اجتماعية وثقافية تحمل في طياتها قصة المكان والزمان.
على سبيل المثال، الزي الخولاني الذي ترتديه نساء جازان تعود جذوره إلى مملكة سبأ، وكان يُلبس على هيئة إزار، واستمر عبر القرون رمزًا متوارثًا يعكس أصالة أهله وعمق تاريخهم.
ما الدور الذي يلعبه الحرفيون السعوديون في رحلة التصميم والإنتاج لديكم؟
الحرفيون السعوديون هم شركاء الحلم في "كُترة"، فهم الأيدي التي تمنح الأفكار روحًا، وتحوّل الخيوط البسيطة إلى حكايات نابضة بالحياة. على سبيل المثال، تبدع أختي في حياكة دمى من الكروشيه ترتدي الأزياء التقليدية، لتغزل بخيوطها الصغيرة صورة كبيرة لهويتنا؛ من "الطفشة"، قبعة الخوص التي تحتمي بها نساء الجنوب تحت شمس الحقول، إلى “المنديل الأصفر” الذي يزيّن رؤوس فتيات عسير. ومع تزايد الطلب، ينضم إلينا حرفيون آخرون، يواصلون العمل بالروح ذاتها والإيمان نفسه.
كثير من العلامات اليوم تبحث عن التوازن بين الحرفة اليدوية والتقنيات الحديثة. كيف تحقق "كُترة"هذا التوازن؟
نستخدم برامج التصميم لتجسيد الفكرة وتصورها قبل أن تتحول إلى قطعة تُحاك بخيوط الكروشيه أو تُطرَّز على القماش. كما نستعين بآلات قص حديثة لضمان إتقان التفاصيل، بينما تبقى اللمسات الأخيرة بيد الحرفيين الذين يسكبون روحهم في كل عمل
هل تحتل الاستدامة دورًا في فلسفة "كُترة"، وكيف يظهر ذلك في مجموعاتكم؟
تتجلى الاستدامة في مجموعاتنا من خلال احترام الموارد، والوفاء للحرفة اليدوية التي تقوم على البطء والتأمل لا على الاستهلاك السريع، إلى جانب سعينا لأن تكون كل قطعة صديقة للبيئة، وصديقة للروح أيضًا.
ما أكثر قطعة تعتزّون بها في مجموعاتكم ولماذا؟
أكثر قطعة أعتز بها هي أول عباءة صممتها بخيوط ذهبية وفضية، مستوحاة من الثوب العسيري. صنعتها أثناء موسم أبها، وارتديتها في يوم خُصص فيه الدخول مجانًا لمن يرتدي الزي العسيري، وكان يومًا يحمل رمزية البداية وبشارة الحلم.
لكن قيمتها الحقيقية لم تكمن في المناسبة وحدها، بل في أنني أهديتها لوالدتي العزيزة؛ هي التي منحتني المساحة لأحلم وأتخيّل، وكانت أول حكاية تُروى قبل أن تولد "كُترة".
كيف تطمح "كُترة" أن تسهم في صياغة هوية الموضة السعودية عالميًا، وما الدور الثقافي الذي تسعون لتجسيده من خلال تصاميمكم؟
المرأة العربية منذ القدم لم تكن مجرد متلقية للموضة، بل مبدعة بالفطرة. تشير بعض الدراسات إلى أن النساء كنّ يصممن البراقع بما يتناسب مع ما يرغبن في إخفائه أو إبرازه من ملامح، وكأنها أشبه بما نستخدمه اليوم من “فلاتر”. بعضهنّ أظهرن الفم، وأخريات أخفينه، وتفاوتت فتحات العيون بحسب رسمتها واختلاف ملامح الوجه، مما ترك للرجل مساحة للخيال والدهشة.
ولم يتوقف الإبداع عند الأزياء، بل امتد إلى البيوت التي زُينت بفن القط العسيري، بألوانه البهيجة وخطوطه العفوية التي لم تكن تقاس بالدقة بقدر ما كانت تقاس بالروح؛ إذ كان المقياس بسيطًا: تُوضع كف اليد وحولها يُرسم المثلث، فتولد لوحة تحمل دفء العفوية وروح الأصالة.
ومن هنا يأتي الدور الثقافي لـ كُترة: أن نعيد إحياء تلك الروح ونذكّر بأن لكل إنسان قصة فريدة لا يمكن لأحد أن يرويها سواه. فالهوية هي زاده الحقيقي، والموضة ليست إلا وسيلة ليعبر بها عن ذاته بفرادة لا تتكرر واعتزاز لا ينطفئ.
ما بين لمسات الحرفيين السعوديين وإلهام التراث الذي يحمل أصالته من الجذور ليواكب روح العصر، تمضي “كُترة” برؤية تؤكد أن الموضة ليست مجرد صناعة، بل لغة تنبض بالهوية وتعكس روح الثقافة. إنها نافذة تفتحها شذى علوان ليطل منها العالم على جمال التراث السعودي بروح عصرية، تحمل في طياتها عبق المكان وذاكرة الزمان.