
خاص "هي": جان بيار خوري مصمم عربي على خريطة نجوم العالم
لم يكن في الأمر خطة، ولا خارطة طريق.كل ما كان يملكه جان بيار خوري هو إحساس داخلي لا يهدأ، ورغبة بريئة في التعبير. فتح حسابه على "إنستغرام" من دون تخطيط أو استراتيجية مسبقة، فقط لأن شيئًا بداخله كان يقول له: ابدأ.ولد في منزلٍ يفيض بالفنّ. والده رسّام وعازف بيانو، ووالدته مصمّمة فساتين زفاف في لبنان.
تربّى بين القماش والموسيقى، بين خيط الإبرة ونغمة البيانو. لم يحتَج إلى قرار كبير ليدخل عالم الموضة حيث كان ذلك امتدادًا طبيعيًا لذاكرته وبيئته.ورغم أن مسيرته لا تزال في بدايتها، إلا أن تأثيرها كان صادقًا وعميقًا.

في 31 يوليو 2025 رتّبت لقاءً هاتفيًا مع المصمّم اللبناني جان بيار خوري من الأتيليه الخاص به في منطقة البترون في لبنان. ومع أن الاتصال انقطع أكثر من مرة بسبب ضعف الشبكة، كنت مصرّة على استكمال الحديث. كان هناك فضول حقيقي داخلي يدفعني لأعرف: من هو هذا المصمّم الصغير الذي استطاع الوصول إلى بيونسيه؟ ومن هو الشاب الذي لم يكتفِ بتصميم فستان العرض، بل أبدع حتى البوت الذي ارتدته بيونسيه على المسرح؟
ما إن بدأ الحديث حتى بان الجانب الآخر من جان بيار خوري: هدوء في الصوت، ووضوح في الرؤية. لا يتحدث كثيرًا عن الشهرة، ولا يتباهى بالأسماء. لكنه يسرد الحكاية بخيطٍ من صدق، وتفاصيل تعبّر عن فنان شاب لا يرى في الأزياء مجرد أقمشة، بل مشهدًا كاملًا، فيه إحساس وهوية وصوت من نوعٍ آخر

من فستان أسود ارتدته سيرين عبدالنور، إلى إطلالة ساحرة لياسمين صبري، وفساتين ميريام فارس على خشبة المسرح، وصولاً إلى غلاف TIME 100 مع ماري جي بلايج، وانضمام بيونسيه إلى قائمة النجمات اللواتي اخترن تصاميمه.لكن خلف كلّ تلك اللحظات اللامعة، شاب سُمِع في المدرسة يُسأل: "وين مفكّر حالك راح توصل؟" ليجيب اليوم، لا بكلمات، بل بلحظات نجوميه صنعها بالأزياء، وإحساس يصعب نسيانه.
البدايات.. بين فن الأب وفساتين الأم

يقول جان بيار خوري: "كنت دائماً أشاهد Fashion TV، كنت مهووساً بالمانيكانات، وبكل شيء يخص العرض. في فترة من حياتي، كنت أريد أن أصبح جرّاح تجميل… والدي كان رسام وعازف بيانو، وبيتنا كان فنيًا جدًا، مساحاته مصبوبة بالفن. بالنسبة لي، دخول عالم الأزياء لم يكن خيار، كانت المسألة تحصيل حاصل." والدته كانت مصمّمة محلية لفساتين الزفاف… يقول : "أنا ووالدتي مختلفان تمامًا في الأسلوب. هي تحب الرومانسية، الألوان الهادئة والباستيل. أما أنا، فتصاميمي أكثر جرأة، فيها حدة وأناقة مختلفة. اليوم، والدتي تدير الجانب الفني للعلامة، وبفضلها أصبحنا نُعرف بالخياطة الدقيقة والنظيفةالتي لاتنافس".
لحظة البداية، حساب تعبيري على إنستغرام

في عام 2019، أطلق جان بيار خوري حسابه على إنستغرام… "بصراحة، أطلقت الحساب دون تخطيط أو تفكير مسبق. لم أكن أعرف بالضبط ما أريده، فقط أردت أن أبدأ". ومن أولى إطلالاته التي جذبت الأنظار كانت فستانأسود ارتدته سيرين عبدالنور، تلاه تعاون مع ياسمين صبري. يقول تعليقا على ذلك: "بدأ الناس ينجذبون لتصاميمي من عالم مظلم، فيه دراما ورقي. منسقي أزياء ومؤثرين أحبّوا هذا الجانب المختلف، ومع الوقت بدأت الأبواب تُفتح أمامي". جانبيار خوري لا ينكر أن جزءًا من دوافعه كان عاطفيًا: "كنت معجبًا ببعض النجمات من وأنا صغير. كان عندي هذا الحلم أن ألبّسهم ليس لدوافع الشهرة، لكن لأن في شيء حقيقي داخلي يتمنّى هذا الشيء. كنت معجب بميريام فارس من عمر 10 سنوات، وسيرين كانت دايمًا في بالي.".
ويضيف: "حتى مع النجمات العالميات، كان الإحساس إنهم بعيدين… لكن لم استبعد ان يلبسوا من تصاميمي . اليوم، كثير من المشاهير هم الذين يتواصلون معنا مباشرة". وعن تصاميم العروض والحفلات والحركة الهندسية التي يتقنها يقول: "الفستانيجب أن يكون خفيف، وياخذ بعين الاعتبار جسم المؤدية والكوريغرافيا. التصميم الناجح هو الذي يخدم الأداء، ليس العكس". و يضيف: "لكن ياسمين صبري غير. لا تمانع أن يكون الفستان ثقيل. تعرف كيف تحمل القطعة وتمنحها حضور ملكي".
تصاميم صادقة مستوحاة من الموسيقى

جان بيار خوري لا يتبع صيحات الموضة ولا يفرض رسائل على تصاميمه: " أنا أؤمن أن القطعة يجب أن تُقدَّم وكأنها مشهد على خشبة مسرح. لا أحب الفستان العادي، أحبّ أن يكون للفستان موقف، طاقة، ودراما محسوبة. أستوحي كثيرًا من المسرح، والموسيقى، والنحت، وأصمم بطريقة تشبه الإخراج أكثر من الخياطة. ويضيف: " لا أتكلم كثير عنطبيعة الفستان ومصدر إلهامه بقدر ما أتكلم عن الإحساس، أن حالة ذهنية، أو حتى أغنية سمعتها. أسمي مجموعاتي نسبة إلى أسماء الأغاني لأن تصاميمي غالبا ما تكون مستوحاة من الموسيقى. كل شيء عندي يبدأ من الشعور". ويتابع:"الموضة بالنسبة لي وسيلة تعبير قوية. لكنها أيضًا نوع من العلاج الشخصي. مساحةاستطيعأن أفرغ فيها كل ما بداخلي."
عن الحرفة… والتطريز الذي لا يبدأ ولا ينتهي

لا يخفي جان بيارخوري نفوره من التطريز العشوائي. حيث يقول: "أكره التطريز العشوائي. لا أحب الترتر لمجرد التزيين. أحب أن يكون التطريز جزء من الرسم، جزءمن التصميم نفسه، تطريزًا على الرسمات، كأنه يتدفّق على القماش، بلا بداية واضحة أو نهاية
عن الجمال… وكسر النمط النحيف وموقفه من الجيل الجديد

حين سألته عن معايير الجمال، يتحدّث جان بيير خوري بصراحة نادرة: "كنت أعاني من الوزن الزائد، وعرفت معنى الخجل من الجسد. Body Dysmorphia شيء حقيقي. حتى عميلاتي، مهما بدين واثقات، يعانين من ضغوط مجتمعية كبيرة." ويضيف: "الناس لا يعرفون أن تصميم فستان لجسم نحيف سهل نسبيًا. لكن التصميم لجسم ممتلئ يتطلب مهارة أعلى، وانتباهًا أكبر، وحرفية دقيقة. كثيرون يسيئون فهم هذا، ويخلطونه بمعايير الجمال، بينما هو في الحقيقة اختبار حقيقي للمصمم".

لا يتردّد جان بيارخوري في الاعتراف بأنه لا يفهمهم دائمًا: "أنا من مواليد 1997، وأشعر أنني بين جيلين. لا أنتمي تمامًا لأحدهما. جيل Z لا يخاف. لا ينتظر الموافقة، ولا يهتم كثيرًا لرأي الآخرين. فيهم جرأة حقيقية… وأعترف أنني أفتقدتُها حين كنتُ في بداياتي".
من الأحلام إلى التصميم لـ بيونسيه

تركت هذا السؤال للأخير لأني اعتبرت انها لحظة مصيرية في حياة المصمم ولعليّ وجدت نفسي في لحظة ادراك ان جان بيار خوري ما زال يحلم وسوف يستمر في إبهارنا في صناعة لحظات مهمة كمصمم عربي في عالم الأزياء حول العالم. وعن الأحلام يقول: "كنت طفلًا عندي أحلام كبيرة. وفي المدرسة كنت أتعرض للتنمّر. كثيرًا ما سمعت: "وين مفكّر حالك راح توصل" كان في داخلي رغبة إني أثبت لهم كلهم عكس ما كانوا يظنون، ليس بدافع التحدي فقط، بل لأنه هذا الشيء الذي أريده فعلًا.".

وعن اللحظة تحديدا يقول: "تواصل معنا فريق بيونسيه. زاروا المعرض الخاص بي في لوس أنجلوس، وطلبوا تصاميم خاصة للجولة. لميعطونا تعليمات واضحة، شاركونا فقط ثيم الجولة هو ‘American Cowboy’، ومنحوني حرية كاملة للتصميم حسيت بتقدير واحترام كبير". ويضيف: "تمت الموافقة على عدة تصاميم، واشتغلنا على مجموعة قطع. لكن القطعة التي اختاروها كانت الحمراء.حينما كنت أشتغل عليها قلت لنفسي: هذه هي القطعة الرابحة. كانت أصعب مرحلة هي الانتظار. بيونسيه كانت تلبس فقط لمصمم عربي واحد في هذه الجولة وهو إيلي صعب، ونادرًا ما تختار غيره. لكن هذه المرة، اختارتنا".
“لا الشهرة، ولا النجمات… تصنع مصممًا”

جان بيار خوري يعرف جيدًا الفرق بين الشهرة والمكانة: "هذه الصناعة سطحية أحيانًا. لبّست بيونسيه؟ جميل. لكن هذا لا يجعلك مصممًا بحجم شخص يعرض منذ 40 سنة. أنا أحترم الحرفة، وأثق بالوقت. لا أحب اللمعة المؤقتة.ويضيف: أنا فخور بما وصلت إليه، لكنني واقعي. لدي عمل، لدي مسؤولية، وفريق أريد أن أكبره، وبنية تحتية أعمل على تأسيسها. أسبوع الموضة ليس قرارًا عاطفيًا، بل مسؤولية تتطلب توقيتًا واستعدادًا طويل الأمد".-