رؤية نقدية ـ الفورمات في الدراما الرمضانية..إضافة أم لعنة؟

تسلل مصطلح فورمات مكان المصطلح الأقدم وهو التمصير أو التعريب عموما؛ أي اقتباس دراما أجنبية وإعادة صياغتها لتلائم البيئة المصرية والعربية، والفورمات شراء حق محتوى عمل درامي أجنبي وإعادة صياغته ليتناسب مع البيئة المعروض بها؛ إذاً الفورمات هي في الأساس تمصير أو تعريب بشكل عام، والترويج لمصطلح الفورمات بدلاً من الإقتباس والتمصير تمييع للمصطلحات وصبغها بغموض يفوق غموض المسلسلات الإسبانية والإيطالية التي تشتريها شركات الإنتاج لتصنع منها مسلسلات رمضانية. ربما تكون الميزة الأهم فيما يُسمى بالفورمات هو أنه عملية شراء شرعية لفكرة ودراما عمل أجنبى، وليست عملية سطو على أعمال أجنبية دون إستئذان أصحابها، وهو أرحم نسبياً من فهلوة الإقتباس من عشرات الأعمال وتقديم كوكتيل مشوه ومرتبك، مثل دراما مسلسل "النهاية" الذي حاول تقديم دراما خيال علمي مصرية لكن لم يسعفه خيال مؤلفه وصناعه.

مشاكل الفورمات

لم يكن مسلسل "جراند أوتيل"، إنتاج عام 2016 هو أول عمل درامي تليفزيوني مصري قائم على محتوى أجنبي، وسبقته عدة تجارب منها سيت كوم "الباب في الباب"، إنتاج عام 2010، وكان محاولة لتمصير مسلسل كوميدي أمريكي شهير هو "الجميع يحب ريموند"  Everybody Loves Raymond، وهو عن علاقة زوجين بأهل الزوج الذين يقطنون في الشقة المقابلة، ومن هنا جاء عنوان "الباب في الباب"، وتم الاستعانة بنفس أفكار العمل الأجنبي، ونفس ديكوراته وأبوابه، ولكن حظه من النجاح لم يكن مثل حظ نجاح مسلسل "جراند أوتيل"، والأسباب عديدة وأبرزها أن كوميديا "الباب في الباب" كانت متأمركة إلى حد ما، ولم يكن أداء بطلها "شريف سلامة" في مستوى أداء بطل العمل الأصلي "راى رومانو"، في حين نجح تمصير "جراند أوتيل" بسبب جاذبية حبكة الجريمة، وأماكن التصوير الجميلة في أسوان، وتميز أداء مُعظم فريق التمثيل، ولكن المُتعمق في الحبكتين قد يكتشف الكثير من الثغرات نتيجة ضغط وتبسيط الحبكة في النسخة المصرية لتناسب قاعدة الـ30 حلقة "المقدسة"، ولهذا تم ضغط المسلسل الإسباني الأصلي من 39 حلقة، وزمن الحلقة الواحدة يتراوح من 70 إلى 80 دقيقة إلى 30 حلقة، ومتوسط زمن الحلقة المصرية حوالي 40 دقيقة، والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل تُلاقي مسلسلات الفورمات الرمضانية الحالية مثل "سكر زيادة" و"لعبة النسيان" نفس مشاكل الأعمال السابقة؟

لعبة النسيان وMentre ero via

لعبة النسيان والمط والتمصير

في العام الماضي تم الاستعانة بفورمات إيطالي بعنوان "الشقيقة"  Sorelle ونقلته الدراما المصرية في مسلسل بعنوان "زى الشمس"، بطولة "دينا الشربيني"، وإخراج "سامح عبد العزيز"، ومعالجة درامية "نجلاء الحديني"، وتعتمد حبكة العمل على جريمة قتل غامضة، ومُحاولة شقيقة القتيلة كشف مُرتكبها، وهذا العام شاهدنا مسلسل "لعبة النسيان"، وهو مأخوذ عن المسلسل الإيطالي "حينما كنت غائبة" Mentre ero via، وهو عن امرأة تفيق من غيبوبة لتكتشف أنها لا تتذكر ما حدث خلال السنوات الست السابقة لغيبوبتها، ويتضمن العمل جريمتى قتل زوجها وعشيقها، ورحلة بحثها عن حقيقة ما حدث فعلاً، والنسخة المصرية بطولة "دينا الشربيني"، وإخراج "أحمد شفيق"، ومعالجة درامية وسيناريو "تامر حبيب" وورشة كتابة، وما يعنينا هنا أن مسلسل "لعبة النسيان" ليس مجرد فورمات إيطالي آخر، بل هو ومسلسل "زى الشمس" من تأليف نفس الثنائى الإيطالي، وهما "إيفان كوترينيو" و"مونيكا راميتا"، والمتابع لحلقات "لعبة النسيان" سيجد أحداثها تدور فى كومباوند ومطعم وعيادة طبيبة نفسية، ولا توجد لقطة واحدة تقريباً يمكن أن نشعر معها أن المسلسل تدور أحداثه في شوارع وميادين مصر، والحالة البصرية للعمل مُخلصة للعمل الأصلى، ولم يتوقف الأمر على الشكل فقط؛ فربما تكون حجة صُناع العمل أن الحبكة تدور فى أوساط مجتمع الطبقة الراقية، ولكن حتى مشاهد الفلاش باك الخاصة بسنوات شباب البطلة التى جاءت من أصول متواضعة وكانت تعيش فى حى شعبي لم تكن صادقة، وكانت الحارة مُنقحة وأنيقة إلى حد ما، ماذا عن الحبكة نفسها؟ إنها مليئة بالتفاصيل التى تلائم عمل أوروبي استوحى تفاصيله من ثقافة أوربية، وشخصية الطبيبة النفسية التى ترعى البطلة مبالغ فيها ويصعب تصديقها؛ فهى طبيبة تلتقي بمريضتها فى العيادة والكازينو والمنزل، ولأن الأمر يزيد عن حده، خاصة أن المسلسل الإيطالي كان ست حلقات وتحول بقدرة قادر إلى 30 حلقة فالعمل يفقد التكثيف والغموض، ويعيبه البطىء والتلكؤ لحشو 30 حلقة، ويمكن أن يكتشف المشاهد التويستات الدرامية قبل وقوعها؛ لهذا لم يكن غريباً توقع دور الطبيبة النفسية في التلاعب بعقل المريضة، وأن شخصية "نادر-على قاسم" شقيق القتيل ومدير المؤسسة الغامضة يقف خلف كل شىء، ثم ماذا يعجب صناع الدراما فى مسلسل يبني حبكته على فكرة فقدان الذاكرة التى هرستها الدراما مئات المرات؟

لعبة النسيان

لقاء نجمة الجماهير ونجمة مصر الأولى

 تفائلت كثيراً بعودة "نادية الجندي" و"نبيلة عبيد" للتمثيل، حتى لو كان من خلال مسلسل كوميدي مأخوذ عن أصل أمريكي هو المسلسل الثمانيناتي "الفتيات الذهبيات" The Golden Girls، وهو عن مجموعة عجائز يضررن للعيش في منزل واحد بعد أن نصب عليهن بائع المنزل وباعه لكل منهن منفردة، وبالإضافة لطرافة الفكرة فاجتماع "نبيلة عبيد" و"نادية الجندي" و"سميحة أيوب" و"هالة فاخر" في عمل واحد أمر استثنائى وجذاب، خاصة أنه يأتي بعد سنوات غيابهن عن الشاشة الكبيرة والصغيرة، وتم الاحتفاء بهذا التجمع بمُقدمة جميلة تضم لقطات من أعمالهن القديمة التى أصبحت من العلامات الكلاسيكية، ومنح صوت "نانسى عجرم" المقدمة حالة من الخفة واللطف، وتظل تلك الحالة إلى أن تبدأ الحلقات فلا نجدها مُختلفة كثيراً عن الهراء الكوميدي الذي تقدمه مسلسلات من نوعية "رجالة البيت" و"عمر ودياب"، وبتستثناء الحبكة الرئيسية للعمل الأمريكي لن نجد أى إضافة كوميدية أو درامية متميزة داخل العمل.

سكر زيادة وThe Golden Girls

فكرة الفورمات أو التمصير أو سمها ماشئت ليست في صالح الدراما المصرية والعربية، وهى دراما تشكو ضعف الأفكار وقلة السيناريوهات الجيدة، ولن يكون الحل نقل فورمات غربي؛ ولأننا نعاني ضعف فى الخيال فلا نستطيع كتابة سيناريوهات جيدة، ولا حتى تمصير الفورمات الأجنبي بشكل مُقنع وجذاب.