دراما "نتفليكس" المرعبة عن السوشيال ميديا..هل نتخلص من الهواتف الذكية ونُقاطع الإنترنت؟!

صنعت السوشيال ميديا مُجتمعاً افتراضياً على شبكة الإنترنت، وانتقل ملايين البشر للسكن في هذا الواقع الرقمي المصنوع، وحاولت الدراما مُواكبة هذا التطور والتعبير عنه في الأفلام والمسلسلات، ولكن الأمر كان صعباً، فكيف يُمكن التعبير عن الدراما من خلال رسائل الشات وصور الانستجرام؟ كان الحل الشكلي هو إضافة سكرينات الشات على كادرات الفيلم؛ كجزء من التعبير عن الثقافة الجديدة، ولكن بعض كُتاب الدراما رأى أن البشر أصبحوا أسرى البرامج الذكية وهجروا العلاقات البشرية الطبيعية، وكانت شبكة "نتفليكس" من أكثر وسائل الترفيه التي بثت أعمالاً مُلفتة ترصد الجانب المظلم للتكنولوجيا وبرامج التواصل الافتراضي بين البشر، وصورت أعمال فنية التقنيات الحديثة للتواصل على هيئة وحش يقتحم خصوصيات المُستخدمين، ويُدمر العلاقات الاجتماعية الطبيعية، ويأسر البشر خلف شاشات الهواتف وأجهزة الكمبيوتر.

المرآة السوداء للمجتمع!

صوّر مسلسل Black Mirror "المرآة السوداء" التأثير السلبي للسوشيال ميديا والتطور التكنولوجي، والمسلسل إنتاج بريطاني مكون من قصص مُنفصلة يجمع بينها وحدة الفكرة العامة، وهو من نوعية الميلودراما التي تتنبأ بمستقبل قاتم للمجتمع في المستقبل القريب، ونراه يصور في حلقة بعنوان Nosedive مجتمع تحكمه عدد مرات الإعجاب التى يحصل عليها الشخص؛ فهى التى تُحدد قيمته وأهميته، وزيادتها تمنحه صلاحيات ونفوذ على أرض الواقع، ونُقصانها يحرمه من الحصول على أشياء، وتضعه موضع شك واشتباه الأجهزة الأمنية، ويدفع هذا الجميع إلى الافراط في التملق والنفاق، وتقع البطلة في مشاكل وأزمات تهبط بتقييمها على برنامج تواصل إجتماعي؛ مما يُهدد حياتها؛ فهى غير مرغوب بها وبالتالي ينتهى بها الحال إلى حالة من التشرد والتمرد على قوانين التواصل الإجتماعي، وفي حلقة أخرى بعنوان White Bear يمارس البعض لعبة مطاردة تشبه بعض ألعاب الإنترنت الحالية، ولكن اللعبة في المستقبل القريب، وفيها يطارد اللاعبون سيدة حقيقية حُكم عليها بالتعذيب النفسي كعقوبة على جريمة ارتكبتها. ربما يبدو المسلسل خيالياً ومُفرطاً في التشاؤم، وقد يكون هذا مقصوداً؛ لتنبيه من يهمه الأمر، والتحذير من الاستسلام التام لسطوة وإدمان التكنولوجيا.

 Black Mirror

تشوية سمعة الأبرياء!

السوشيال ميديا قد تبدو وسيلة لفضح فساد، أو توثيق لسلوك شجاع ونبيل، ولكن الأمر محفوف بالمخاطر؛ لأن البعض قد يُفسد حياة إنسان برىء بنشر معلومة خاطئة أو مُضللة عنه، والبعض يُطارد الفساد على الإنترنت كأنه مُحقق شُرطة وصل لأدلة اتهام قاطعة، ويُطلق الأحكام كأنه قاضي اطلع على تفاصيل القضية وأصدر حُكمه بعد الاستماع للمحامين والشهود ومراجعة القوانين، ويفضح على الملأ كأنه وسيلة إعلام تُدقق قبل النشر، وفي أحدث حلقات الموسم الثاني من مسلسل التحقيقات Criminal: UK الذي بدأت حلقاته على "نتفليكس" يوم 16 سبتمبر الجاري نتابع التحقيق مع سيدة من هذا النوع الذي يستخدم السوشيال ميديا وسيلة لمُحاربة الجريمة، وقد أنشأت موقعاً لفضح المتحرشين بالأطفال، وهى تقوم باستدراج هؤلاء من خلال حسابات وهمية تدعي فيها أنها فتاة قاصر، ورغم أنها تتباهى بمجهودها أمام فريق التحقيقات، لكنها تُفاجىء أنها مُتهمة بالتشهير والإضرار بسمعة وحياة الأخرين، بعد أن تكشف تحريات الشرطة أن الشخص الذين استدرجته كان يستخدم حساب شريكه في العمل للتواصل معها، وكانت نتيجة فضحه على موقعها فصل الشخص البريء من عمله، وتضرر حياته الزوجية، واعتداء عنيف على ابنته من بعض زميلاتها بالمدرسة، وهذا التحول الدرامي الذي يصنعه سيناريو الحلقة ينقل البطلة الرئيسية من مقعد الشخصية التي تفضح الجريمة إلى مقعد المتهمة، ويحدث هذا بتصاعد درامي يصور تدرج انفعالات الممثلة من الثقة المُفرطة إلى الشك والشعور بالذنب.

 

كُلنا مُراقبون!

ماذا يريد إخبارنا فيلم الدراما الوثائقي The Social Dilemma "المُعضلة الاجتماعية"؟ أننا مُراقبون، وإنه لا يستثني مننا أحداً؟ هذه الحقيقة المؤسفة فضحها قبل سنوات "ادوارد سنودن" ولم يكترث العامة والجمهور الذي يتعامل يوميا مع وسائل التواصل الإجتماعي. "المُعضلة الاجتماعية" أخرجه الأمريكي "جيف أورلوفسكي" وبدأت "نتفليكس" عرضه مؤخراً، وهو يعتمد على شهادات من مجموعة من كبار مُصممي برامج التواصل الإجتماعي، ممن خرجوا عن صمتهم وقرروا فضح توحش تلك البرامج، برعاية من يقف ورائها من شركات ومؤسسات رأسمالية كُبرى تسعى للربح. المعضلة التي يتناولها الفيلم تتعدى فكرة جمع بيانات المُستخدمين، وبيعها لشركات الدعاية والإعلان؛ فبرامج "فيسبوك" و"وتويتر" و"انستجرام" و"جوجل" وغيرها تجمع بيانات المُستخدمين، وتستخدمها في السيطرة على سلوك المُستخدم وتوجيهه، وتغذيته بالمعلومات المُختارة بعناية للتلاعب النفسي به.

الحكاية كما يرويها الفيلم مُخيفة ومُرعبة بشكل كبير؛ خاصة حينما يُقدم مُحاكاة تخيلية للتحكم بأشخاص يستخدمون مواقع التواصل بأمان، ويستخدم الفيلم مشاهد درامية لتحويل كلام الخُبراء النظري إلى شكل مفهوم للمشاهد، ويبدو ما تفعله هذه البرامج أشبه بعملية تلاعب نفسي بسُجناء للمُجتمع الإفتراضي، وهذا التلاعب يمكن توظيفه في أى اتجاه؛ بداية من الترويج لمنتجات بعينها، ووصولاً إلى الترويج السياسي والتضليل. الفيلم يتعرض أيضاً إلى ارتفاع نسب الانتحار بين الأطفال والمراهقين بعد ظهور السوشيال الميديا، وانتشار الأخبار الكاذبة.

 

ربما يكون الواقع الاجتماعي الافتراضي شديد السوء، وبرامج التواصل الإجتماعي لا تحكمها بوصلة أخلاقية، وفيلم مثل "المُعضلة الاجتماعية" سيثير الجدل، وربما يحصل على الأوسكار، ولكن ما هو المطلوب؟ حذف برامج السوشيال ميديا، والتخلص من الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر وإلغاء اشتراك الإنترنت؟ لا أحد يستطيع ذلك، حتى "نتفليكس" لا تستطيع ذلك؛ فهى تستخدم الإنترنت لبث أعمالها، وتتعامل مع برامج السوشيال ميديا للترويج لهذه الأعمال.