رؤية نقدية ـ "الديزل"..نسخة مقلدة وباهتة من أفلام هوليوود

بعد فيلم "دائرة الإنتقام" عام 1976 تغير شكل أفلام الحركة فى مصر، سمير سيف قدم حالة جديدة تواكب التطور الحادث فى المجتمع والذى تطور معه شكل الجريمة والمجرمين ولم تعد النماذج التى قدمها فريد شوقى ومحمود المليجى وزكى رستم صالحة، حيث أصبح هناك فجوة كبيرة بين ما ينتج فى مصر وما ينتجه العالم تحت مسمى أفلام الحركة، فرسان الواقعية الجديدة قدموا التجديد المطلوب ومنحوا الثمانينيات وما بعدها مجموعة من أفضل أفلام السينما المصرية، أما سيف فصنع معادلة اخرى منح أفلام الحركة الحيوية الموجودة فى أفلام هوليوود بالمطاردات والإثارة والاشتباكات بالأيدي والأسلحة مع الحفاظ على الهوية والتفاصيل الخاصة بالمجتمع، ليخرج فيلم حديث يعتمد كليًا تيمة الإنتقام القادمة من رواية "كونت دى مونت كريستو" واقتبسها "أميرى الإنتقام والدهاء".

لكن الانفتاح الذى تعامل به واحد من رواد التجديد فى أفلام الحركة المصرية سمير سيف يحدث عكسه الآن، الصناع فى الوقت الحالى يختارون نقل النموذج الهوليوودى فى أفلام الحركة بكافة تفاصيله الصالحة وغير الصالحة خاصة الأخيرة دون معالجتها حتى لتكون متوافقة مع الطبيعة المصرية وتصبح أسهل فى التفاعل معها.. فيلم "الديزل" ليس الأول الذى يتبنى هذا الخط ولن يكون الأخير، النصف الأول من الفيلم يبدو مقبولا مبشرًا على عكس النصف الثانى الذى يبدو خياليًا كوميديًا على الرغم من الجهد الواضح والمبذول فى تنفيذ وإخراج مشاهد الحركة فى الفيلم.

ففيما يظهر محمد رمضان كـبدر الديزل ورمضان نفسه فى شخصيتى الدوبلير والممثل الشهير وبعد مشهد افتتاحي جيد يضم الكثير من الحركة وخفة الظل أيضًا وحتى سخرية رمضان من نفسه كما يكتب الجمهور عبر وسائل التواصل الإجتماعى يتحول الفيلم للأسوء ومع تقدم المشاهد يعتمد السيناريو الذى كتبه الثلاثى أمين جمال ومحمود حمدان ومحمد محرز على الصدف بشكل متكرر للحد الذى يفقدها معناها، حيث وقعوا فى فخ التشويق لحد المبالغة ورفع سقف الجمهور لما يمكن أن يتخيلوه ثم تأتى الحقيقة مخيبة للآمال والسبب هو عدم منطقيتها والشكل الإجرامى غير المألوف للمشاهد المصرى وهو بالفعل تيمة وشكل ناجح فى أفلام هوليوود من الفئة " ب" ولكن ليس فى مصر.

الصدفة الأولى هى عماد (محمد على رزق) سائق الممثلة دنيا الصياد (ياسمين صبرى) والذى يعترف على نفسه بأنه قاتل الممثلة ماجدة (كارولين عزمى) ليؤمن مبلغ مالى لأولاده يدفعهم راغب (فتحى عبد الوهاب) الصدفة تضع الديزل فى طريقه ليبدأ فى السعى وراء تفاصيل الموضوع بشكل أكبر ويتعاون مع ضابط شرطة ليوقع بهذه الشبكة المكونة من راغب وفايز (تامر هجرس) ويستغل دنيا لهذا الهدف وليعرف مدى تورطها فى الشبكة وطبيعة سلوكها الإجرامى.

الصدف تتوالى لنكتشف أن الديزيل مسجل خطر وعلى علاقة بالضابط الذى يعمل فى نفس القضية ويجند عفاف (هنا شيحة) للعمل معه من أجل كشف العصابة، حتى هذه اللحظة يمكن اعتبار الفيلم مناسب ويمكن متابعته والتغاضى عن الكثير من مشاكل السيناريو فيه على اعتبار انه فيلم حركة مخصص للعرض فى موسم سينمائى له صبغة تجارية ولكن ما تكشفه عفاف عن طبيعة الشبكة الإجرامية ينقل الفيلم لمستوى آخر يتحول معه كل شئ فى الفيلم من ديكور وطبيعة عامة إلى فيلم هوليوودى فقط أبطاله يحملون اسماء مصرية دون ذلك هو فيلم أمريكى قلبًا وقالبًا بلا اى معالجات أو جهد مبذول فى تمصيره الأمر الذى يضع الفيلم فى مصاف المقارنة مع أفلام الحركة الأمريكية من نفس الفئة ليفشل فى تصميم إنتاج مناسب لطبيعة العمل " فقط مشاهد الحركة جيدة".

ما دون ذلك سئ خاصة الجرافيك فى جزئية الكلبان المهجنان كمثال واللذان يظهران مرتين فى الفيلم، وبعيدًا عن سذاجة الحوار وضعف الحبكات الفيلم فى النصف الثانى يصبح غير مقبول وينتقص من البناء والتمهيد الذى تم فى الجزء الأول.

التمثيل عادة يكون هو العنصر الأهم فى هذه النوعية من الأفلام، اسم البطل واسم غريمه مهمان جدًا فى حالة "الديزل" محمد رمضان وفتحى عبد الوهاب كلاهما نجمان كبيران وموهوبان لكن فى هذا الفيلم رمضان يفقد لمسته فى النصف الثانى وفتحى عبد الوهاب لم يظهر أي من قدراته طوال الفيلم وعليه فجزئية مشاهد المواجهة والصراع الثنائى الذى يميز هذه النوعية وعنصر أساسي فيها غير موجود، حتى استغلال ياسمين صبرى كوجه جميل وممثلة ذات قدرات محددة لم يجرى على شكل جيد كما الحال فى فيلمها السابق (ليلة هنا وسرور) هنا شيحه هى الأفضل من الناحية التمثيلية، والظهور الخاص لعارفة عبد الرسول وبدرية طلبة أفضل من وجود ياسمين فى الشريط ككل وبالطبع هى مسؤولية ومشكلة عند مخرج الفيلم كريم السبكى.

يعانى كريم السبكي من مشاكل فى إنهاء فيلمه بشكل جيد، عادة ما تحمل أفلامه بداية جيدة وتحكم وبناء وتمهيد ممتع وجاذب لكنه لا يستطيع الاستمرار على نفس الخط، يتعثر كل شئ بعد النصف الأول من الفيلم على اقصى تقدير ومعظمها مشاكل يستطيع حلها بالمونتاج، كما أن هوايته فى التقاط المشاهد من أكثر من زواية وعرض كل الزوايا على المشاهد بشكل متكرر يفقد الفيلم حيويته ويسقطه فى فخ الملل بعد أن يفقد الفيلم الإيقاع السريع الذى يميز أفلام الحركة عادة والتى يتخصص فيها كريم، فنفس المشاكل سنجدها فى فيلمى "قلب الأسد" و"من ضهر راجل".