عروض مهرجان البحر الأحمر ـ فيلم "أميرة": أزمة الهوية أم أزمة السيناريو؟

في إطار قسم اختيارات عالمية في الدورة الأولى من مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، يعرض فيلم "أميرة" للمخرج محمد دياب. الفيلم الذي شهد عرضه العالمي الأول في مسابقة آفاق (Orizzonte) في مهرجان فينسيا في دورته الماضية، قبل أن يختاره الأردن لتمثيله في الأوسكار، جدلًا كبيرًا مؤخرًا بسبب فكرته.

كيف عالج المخرج والمؤلفين محمد وخالد وشيرين دياب فكرتهم؟ وهل كانت المعالجة موفقة حتى لو اختلفنا مع المضمون؟

أميرة

تتابع أحداث الفيلم أسرة فلسطينية، الأب نوار (علي سليمان) أسير في سجون الاحتلال، بينما الأم وردة (صبا مبارك) ترعى الابنة المراهقة أميرة (تارا عبود). تتطور الأحداث عندما يقرر نوار إنجاب طفل جديد عن طريق تهريب النطف من السجن، إذ تكتشف الأسرة أن نوار عقيم، مما يشكك في نسب أميرة.

عملية تهريب النُطَف من أجل الحصول على أبناء، معروفة منذ عدة سنوات داخل فلسطين، وجاء نتيجتها قرابة 100 من الأبناء للأسرى.

في عام 2017 قدم المخرج ركان مياسي فيلم "بونبونة"، والذي يدور حول نفس الفكرة، بينما عَرَض الفيلم القصير الفكرة بشكل عام، وركز على كيفية تحايل الأسرى على السجن والسجانين من أجل إتمام عملية التهريب، ومن ثم الحصول على نسل حتى وهم داخل السجون، تطرق "أميرة" إلى جانب آخر وهو الهوية، باستخدام لعبة "ماذا لو؟" الشهيرة: ماذا لو كانت إحدى بنات الأسرى، المولودة عن طريق تهريب النطف، ليست ابنة الأسير حقًا؟

ربما أحدث هذا الطرح صدمة كبيرة لدى من شاهدوا الفيلم، لما يحتويه من تشكيك في نسب العشرات الذين ولدوا بهذه الطريقة، لكن في الحقيقة لا يمكننا فصل هذه الفكرة من السياق والطرح العام للفيلم، فهل نجح الفيلم في توصيل ما أراده؟

أزمة الفيلم الأكبر هي السيناريو الذي يحاول جاهدًا أن يقود المشاهد إلى الاقتناع بالطريق الذي تأخذه الأحداث لكننا طوال الوقت نشعر بأن هناك علامات استفهام تُطرح دون أن نجد إجابات.

البداية مع اكتشاف أن أسرة أميرة أن الأب عقيم، تتجه الأنظار فورًا إلى أن الأم خائنة، وتبدأ أصابع الاتهام في الارتفاع في وجه جميع الرجال المحيطين بها. تحتل مرحلة فرز الاتهامات هذه حوالي ثلث الفيلم، لكننا نشعر طوال الوقت أن الأمر باهت، فأغلب الشخصيات التي تدخل في دائرة الاتهام، لا نشعر بالتفاعل الحقيقي معها، ولا نظن كمشاهدين ولو للحظة واحدة بأن الأمر يمكن أن يكون حقيقيًا وأن هذا أو ذاك هو الشخص الخائن، وهذا يحدث بالأساس نتيجة عدم تأسيس بقية الشخصيات الثانوية بشكل قوي وفاعل داخل الأحداث حتى نشعر بتأثيرها، ربما الاستثناء الوحيد كان العلاقة بين أميرة والمدرس زميل والدتها في المدرسة.

 

لكن لاحقًا يقرر الجميع أن العينة تبدلت من خلال الضابط الذي استلمها، وهو أمر يمكن قبوله، لكن الاستنتاج التالي يبدو أكثر صعوبة، إذ تتفق أميرة وجميع من في محيطها أنها ابنة هذا الضابط الإسرائيلي الذي بدل العينة! لا نعلم لماذا جاء الاستنتاج كحل متفق عليه فجأة، فلماذا لا تكون العينة تبدلت مع أي أسير آخر على سبيل المثال؟ هذا السؤال لا نجد له إجابة داخل الأحداث.

لكن ما يحيط بهذا الاستنتاج داخل أحداث الفيلم يحتاج أيضًا إلى إعادة النظر في طرحه مرة أخرى. يمكن أن نرى من خلال شخصية أميرة أن إيمانها بكونها فلسطينية ابنة أحد الأسرى الأبطال هو المحرك الرئيسي لشخصيتها، وهو ما يحركها في قرارها في الفصل الأخير من الفيلم، لا يعنيها حتى لو كان والدها البيولوجي مناقضًا لما كانت تعتقده، فهي فلسطينية الهوية، لكن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة لكل المحيطين بها، إذ عندما يظهر الشك في نسبها، تنقلب الدنيا ضدها وأمها، إذن مفهوم الهوية غير متحقق في الفيلم إلا عند شخصية أميرة وقلائل آخرين، بينما لا يؤمن بهذا المفهوم بقية الفلسطينيين في الفيلم، بل يبدو ما يحدث في الفصل الأخير في الفيلم، وكأنهم قبيلة تطلب ذبيحة حتى ترضى على أحد من يرغبون في الانتساب إليها!

وردة

رغم هذه المآخذ على السيناريو، سنجد أننا نتوقف عند شخصية الأم وردة. تبدو هذه الشخصية غنية بالتفاصيل، بداية من كونها تزوجت نوار بعد أن أُسر بالفعل، وبالتالي فهي لم تمارس حياتها الزوجية بشكل حقيقي على الإطلاق، طوال الوقت هي زوجة وحيدة مع أهلها وابنتها التي ولدت دون علاقة طبيعية.

أزمة هذه الشخصية في الفيلم هو أنها في أكثر من موضع كانت أكثر ثراء وإثارة للانتباه من بقية شخصيات الفيلم. هذه الشخصية التي قررت أن تكرس حياتها لزوج غير موجود وابنة وُلدت بطريقة استثنائية، تبدو مثل الراهبات، الفارق هنا أنها ليست بمعزل عن الناس بل في قلب المجتمع، امرأة لديها الكثير من الاحتياجات، وهو ما يظهر في رفضها في البداية لفكرة إنجاب طفل جديد عن طريق تهريب النطف، ثم في مشهد مكالمتها مع نوار حتى تجعله ينجذب إليها، في الوقت الذي تحتاج فيه هي الأخرى لعلاقة حقيقية.

علاقتها بنوار في حد ذاتها كانت تحتاج إلى تسليط المزيد من الضوء. فكيف تحيا بهذا الوفاء مع زوج لم تقضِ معه يومًا واحدًا بعيدًا عن قضبان السجن؟ وكيف نجحت في تربية ابنتها وحدها بهذه الصورة؟ إذ غرست فيها حب الأب، حتى أن الابنة تنحاز لهذا الأخير أكثر مما تنحاز إلى أمها!

بجانب هذه التفاصيل المحيطة بالشخصية، كان أداء صبا مبارك هو الأقوى في الفيلم، بجانب علي سليمان الذي لم تكن مشاهده كثيرة، مما عزز شعورنا في أكثر من موضع بأنها هي البطلة الحقيقية. لكن ثِقَل شخصية وردة أثر بالسلب لاحقًا على بقية شخصيات الفيلم، إذ لا يمكن تلافي الشعور بأننا نود معرفة المزيد عنها في بعض المواضع، أكثر مما نهتم بمعرفة مصير أميرة ذاتها.

وهذا يعد مأخذًا آخر على السيناريو، إذ أن رسم الشخصيات كان يحتاج إلى المزيد من التأني والمزيد من الاتزان حتى لا تطغى شخصية من المفترض أن تكون ثانوية على الشخصية الرئيسية في الفيلم.

فيلم "أميرة" تجربة طموحة لصناعه، يمكن أن نشاهد فيه نضجًا ملحوظًا على مستوى الإخراج لدى محمد دياب مقارنة بفيلميه السابقين، لكن يبدو أن فكرة الفيلم ضلت الطريق بعض الشيء في السيناريو، ليأتي الناتج النهائي أقل من المطلوب.