هؤلاء صنعن مجد السينما المصرية

إعداد: أريج عراق
 
السينما المصرية من أقدم صناعات السينما في العالم، لم تتخلف عن السينما الفرنسية –الأولى-  إلا بأيام معدودة، بعدها حمل المسؤولية رجال عظام أسسوا لهذا الفن الكبير والصناعة العظيمة في مصر، إلا أن هؤلاء الرجال لم يكونوا وحدهم، شاركهم في حمل هذه المسؤولية نساء لا تقل عظمتهن وإرادتهن في جعل مصر إحدى الدول الكبرى في هذه الصناعة الجديدة، هؤلاء النساء صنعن مجداً حقيقياً للسينما المصرية في عصرها الذهبي، من دون أن يحصدن من وراء ذلك مكاسب شخصية إلا ذكر أسمائهن في التاريخ، وفي يوم المرأة لا يسعنا إلا أن نقدم لهن التحية على ما قدمنه لهذا الفن وللوطن ككل.
 
عزيزة أمير
اسمها الحقيقي مفيدة محمد غانم، من مواليد مدينة طنطا في دلتا مصر في 17 ديسمبر 1901، تعتبر أول سيدة تقتحم مجال السينما كممثلة ومنتجة ومخرجة ومؤلفة أيضاً، بدأت مسيرتها بفيلم "ليلى" عام 1927، بعد أن تركت فرقة رمسيس المسرحية مع يوسف وهبي الذي اختار لها اسمها الفني، وكان لها نمطاً خاصاً في الأداء التمثيلي يميل للأداء المسرحي بحكم النشأة.
 
قامت عزيزة أمير بالتمثيل في ما يقرب من 19 فيلماً، منها "بياعة التفاح 1939"، وادي النجوم 1943"، "الفلوس 1945"، "فتاة من فلسطين 1948"، ةغيرها، كما قامت بإخراج فيلمين هما "ليلى 1927"، و"كفري عن خطيئتك 1933"، وقامت بعمل مونتاج فيلم "ليلى" أيضاً، وشاركت في تأليف ما يقرب من 16 فيلم من أفلامها، إلى جانب الإنتاج.
 
تزوجت عزيزة أمير من أحمد الشريعي الذي ساندها في تمويل إنتاج أفلامها الأولى، ثم تزوجت من الفنان محمود ذو الفقار، حيث أسسا معاً شركة للإنتاج السينمائي، وتشاركا في أغلب أعمالهما بعد ذلك.
 
توفيت عزيزة أمير في 28 فبراير 1952.
 
فاطمة رشدي
اسمها الحقيقي فاطمة قدري، من مواليد مدينة الإسكندرية في 15 نوفمبر 1908، بدأت علاقتها بالفن مبكراً عن طريق شقيقتيها المطربتين رتيبة وإنصاف رشدي، ثم التحقت بفرقة أمين عطا الله المسرحية، ثم عملت مع سيد درويش وروز اليوسف وغيرها، بعد ذلك انتقلت إلى فرقة عزيز عيد الذي كان أستاذها الأول، وعلمها القراءة والكتابة إلى جانب التمثيل، واشتهرت فاطمة رشدي بلقب "سارة برنار الشرق" نسبة إلى الممثلة الفرنسية العظيمة في القرن التاسع عشر.
 
كان لفاطمة رشدي تأثيراً كبيراً على المسرح العربي بشكل عام، والمسرح العراقي بشكل خاص، حيث التحق عميد المسرح العراقي حقي الشبلي بفرقتها المسرحية، للاستفادة من التجربة المصرية ونقلها إلى العراق، أما السينما فكان لها دوراً كبيراً فيها أيضاً، حيث قدمت 24 فيلماً كممثلة كان أولها "فاجعة فوق الهرم 1928" كما قامت بتأليف وإخراج فيلم "الزواج 1933"، وأنتجت فيلم "الطائشة 1946"، وكان لزواجها من المخرج كمال سليم أثرٌ كبير على مسيرتها الفنية، حيث منحها دور البطولة في فيلمه العظيم "العزيمة 1939"، الذي صُنف كأهم أفلام السينما المصرية، وشاركها البطولة حسين صدقي وأنور وجدي.
 
اعتزلت فاطمة رشدي التمثيل في نهاية الستينات مع تقدمها في السن، وعانت من الفقر والمرض، حتى تدخل الفنان فريد شوقي لدى المسؤولين لعلاجها على نفقة الدولة، ومنحها مسكناً لائقاً.
 
توفيت فاطمة رشدي في 23 يناير 1996.
 
بهيجة حافظ
بهيجة اسماعيل محمد حافظ، من موالبد 4 أغسطس 1908 بمدينة الإسكندرية أيضاً، وعلى عكس بنات جيلها، انتمت بهيجة لأسرة أرستقراطية كبيرة، والدها كان ناظراً للخاصة السلطانية في عهد السلطان حسين كامل 1914 – 1917، كما كان حاصلاً على لقب باشا، أما ابن خالتها فكان اسماعيل صدقي باشا رئيس وزراء مصر في الثلاثينيات والأربعينيات، في عام 1930 حصلت بهيجة على دبلومة التأليف الموسيقي من باريس، وبدأت مشوارها الفني بالتمثيل في فيلم "زينب" الصامت عام 1930، وكانت حصيلة مشوارها الفني 7 أفلام كممثلة، 3 أفلام ككاتبة قصة وسيناريو، كما أخرجت فيلمين هما "ليلى البدوية 1937"، "ليلى بنت الصحراء 1937"، كما قامت بتصميم الملابس لفيلم "ليلى البدوية" أيضاً، ومونتاج فيلم "زهرة 1947"، وقدمت الموسيقى التصويرية لثمانية أفلام.
 
بعد ابتعادها عن السينما فترة طويلة من نهايات الأربعينيات، أعادها المخرج الكبير صلاح أبو سيف إليها في فيلمه "القاهرة 30" عام 1966، لتقدم دوراً صغيراً وتعود للابتعاد بعدها، حتى توفيت في 13 سبتمبر 1983.
 
أمينة محمد
من مواليد مدينة طنطا في 25 مارس 1908، تنوعت أعمالها في البداية بعيداُ عن الفن، ثم التحقت بالعمل في الصحافة في مجلات روز اليوسف ومجلتي والصباح، بعدها التحقت بالفرقة القومية، ثم فرقة رمسيس مع ابنة شقيقتها أمينة رزق، ومنها إلى فرقة عكاشة وفاطمة رشدي وأمين عطا الله ثم بديعة مصابني، قدمت للسينما 13 فيلماً كممثلة، كما قامت بتأليف وإخراج وإنتاج وتمثيل فيلم "تيتا وونج" عام 1937، كما عملت كمخرج مساعد في فيلم "سيجارة وكاس" عام 1955.
 
كالعادة ابتعدت أمينة محمد عن السينما، أو أن السينما أدارت لها ظهرها، حتى توفيت في 16 مارس 1985.
 
آسيا داغر وماري كويني
رغم كونهما غير مصريات، إلا أن الدور الذي لعبته السيدة آسيا داغر وابنة شقيقتها ماري كويني في تطوير صناعة السينما المصرية، لا يمكن إغفاله أو تجاهله، فقد كانت السيدتان العظيمتان، من أهم أعمدة هذه الصناعة، وصاحبهما الحظ الحسن والإدارة الجيدة لينجحا في الاستمرار لفترات طويلة على عكس غيرهما، وهو ما شكل الفارق الأكبر، وجعل اسميهما يكتبان بحروف من نور في تاريخ هذا الفن الساحر.
 
ولدت آسيا في قرية تنورين بلبنان في 18 أبريل 1901، وبدأت حياتها كممثلة في فيلم "تحت ظلال الأرز 1922"،  وهو فيلم قصير، ثم رحلت إلى مصر وشاركت بالتمثيل في فيلم "ليلى" الصامت مع عزيزة أمير عام 1927، وشاركت بالتمثيل في ما يقرب من 19 عملاً، ثم أسست بعد ذلك شركتها الإنتاجية الشهيرة "لوتس فيلم" التي استمر عملها حتى نهاية الستينيات، فكانت أطول شركات الإنتاج عمراً، ما جعلها تستحق عن جدارة لقب "عميدة المنتجين".
 
ساندت آسيا الكثير من المخرجين في بداية حياتهم حتى تحولوا إلى أسماء كبيرة مثل هنري بركات، حسن الإمام، عز الدين ذو الفقار، حلمي رفلة، كمال الشيخ وغيرهم، وتبنت الكثير من الوجوه الجديدة مثل فاتن حمامة، صباح، صلاح نظمي وآخرين.
 
اشتهرت آسيا بتقديم الأفلام ذات الإنتاج الضخم، مثل "الناصر صلاج الدين 1963" الذي تكلف إنتاجه 200 ألف جنيه وهو أعلى تكلفة إنتاجية لفيلم في ذلك الوقت، "رد قلبي 1957"، "أمير الانتقام 1950" وغيرها الكثير.
 
توفيت السيدة آسيا في 12 يناير 1986.
 
أما السيدة ماري كويني فتبعت خطوات خالتها آسيا في المجيء لمصر في نفس العام، كانت ماري بطرس يونس قد ولدت في قرية تنورين أيضاً في 16 نوفمبر 1913، بدأت حياتها الفنية كممثلة في فيلم "غادة الصحراء 1929" من إنتاج خالتها آسيا، بعدها التقت بالمخرج أحمد جلال في فيلم "وخز الضمير 1933"، وربط الحب بينهما سريعاً حتى تزوجا وأنجبت منه ابنها المخرج نادر جلال، كما أسسا معاً ستوديو جلال في حدائق القبة عام 1947، ورغم رحيل أحمد جلال في نفس العام، إلا أنها استمرت في العمل وأكملت بناء الاستوديو، وعملت كممثلة ومنتجة ومنتيرة في فترة الأربعينيات، ولم تتوقف حتى بداية الثمانينات، شاركت بالتمثيل في 21 فيلما، ومونتاج 6 أفلام، وإنتاج 16 فيلمت، وكتبت السيناريو والحوار لفيلم "وخز الضمير 1931"، وكان آخر أفلامها إنتاجياً فيلم "أرزاق يا دنيا 1982" ليس هناك وصفاً للسيدة ماري كويني أفضل مما قاله عنها ابنها نادر، حيث قال "إذا كانت الأم مدرسة، فإن والدتي كانت جامعة متكاملة".
 
توفيت ماري كويني في 25 نوفمبر 2003.