
المعمارية شهد السديس مؤسس Quartz Architects لـ "هي": هوية المكان هي أساس خلق تصميم مميز ومختلف
تؤمن المعمارية السعودية شهد السديس مؤسس Quartz Architects المكتب السعودي الإيطالي للهندسة المعمارية والتصميم، بأن التصميم يتجاوز كونه مجموعة من التفاصيل أو العناصر البصرية، فهو أداة لصناعة التجارب وخلق البيئات التي تخدم الإنسان وتثري تجربته مع المكان.. والتي أكدت في حوارنا معها على أهمية أن يحمل كل مشروع بصمته الخاصة، المُستلهمة من طبيعته أو ثقافته أو خصوصيته الجغرافية، مشيرة إلى أن هوية المكان هي الأساس في خلق تصميم مميز ومختلف.. لنتعرف أكثر على هذه الرؤية العميقة وفلسفتها التصميمية المتميزة من خلال هذا الحوار الخاص معها:
لنتحدث عن البدايات.. متى شعرتِ بأن لديك شغفًا بالإبداع والتصميم؟

أعتقد أن شغفي بالتصميم بدأ يتشكل من وقت مبكر جدًا، كبرت في بيئة عائلية محاطة بالاهتمام بالتفاصيل والجماليات، حتى البيت الذي تربيت فيه كان تصميمه مختلف ومميز عن محيطه، وهذا كان له تأثير كبير عليّ.. السفر كذلك كان عنصر مهم في طفولتي، والتجارب المتنوعة التي خضتها في سن صغير فتحت لي آفاق أوسع وشجعتني أكتشف ثقافات وأشكال تصميم مختلفة.. العائلة كانت دائما داعمة، وأحد أفرادها أيضًا يعمل في نفس هذا المجال، وهذا عزز فضولي أكثر.. من وقت صغير كنت أستمتع بابتكار أفكار وتجربتها في مساحتي الخاصة، وهنا عرفت أن التصميم بالنسبة لي ليس مجرد اهتمام، بل هو شغف واختيار واعٍ لمساري المهني.
كيف تصفين رؤيتكِ وفلسفتكِ التصميمية؟
أرى التصميم كأداة لصناعة التجارب أكثر من كونه تفاصيل أو عناصر بصرية، هو بالنسبة لي وسيلة نخلق فيها بيئات تخدم الناس وتثري تجربتهم مع المكان.. في التصميم نحاول دائمًا أن يكون المشروع منسجم مع محيطه، سواء من خلال ربط المساحات الداخلية مع الخارجية أو إدخال الضوء والعناصر الطبيعية بطريقة تخدم الفكرة وتناسب المكان.. فهذا الشي يضيف حياة أكثر للتصميم ويجعله أقرب للبيئة التي حوله.. من المهم لكل مشروع أن يحمل بصمته الخاصة، سواء استلهمناها من طبيعته أو ثقافته أو خصوصيته الجغرافية، لأن هوية المكان هي الأساس في خلق تصميم مميز ومختلف.
وفي نفس الوقت، من المهم أيضا فهم احتياجات العميل الحقيقية، وليس فقط تلبية طلباته، لكن نساعده ليكتشف أولوياته الفعلية.. أؤمن أن التصميم الناجح هو الذي يوازن بين طموح العميل وما يخدمه فعلًا.
وأخيرا.. التصميم الناجح بالنسبة لي هو إيجاد توازن بين الجمال والوظيفة، وبين هوية المكان واحتياجات الناس، ليقدّم مشاريع مميزة تحمل معنى وقيمة.
إلى جانب دراستكِ في العمارة، تابعتِ دورات في تصميم الأثاث، الجرافيك، والتصوير المعماري... كيف ساهم هذا التنوع في تطوير أسلوبكِ؟

اختياري لدراسة العمارة جاء بعد تجربتي في دراسة التصميم الداخلي، وفهمي أنه مهما كان التصميم الداخلي جميلا، من الصعب أن يحقق أثره الحقيقي إذا ما كان التصميم المعماري مدروس بشكل صحيح ويدعمه من الأساس.. بالنسبة لي، العمارة هي الأساس في تشكيل أي فراغ داخلي مختلف ومميز، لأنها تحدد الإطار العام وتعطي المساحة.
وبجانب دراسة العمارة، أحببت أن أوسع معرفتي في جوانب التصميم المختلفة مثل تصميم الأثاث والجرافيك والتصوير المعماري، وهذه التجارب وسّعت نظرتي للتصميم بشكل عام.. وجعلتني أرى المشروع كقصة متكاملة وليس كفراغات فقط.
زاد تركيزي على تفاصيل مثل المواد، الألوان، النسب، وكيف كل عنصر يتكامل مع غيره.. هذا التنوع ساعدني بأن أبني لغة بصرية أوضح وأقوى تعكس روح المشروع وتدعمه.
بالنسبة لي، التصميم عناصر متكاملة تبدأ من الأساس؛ فنجاح التصميم المعماري يعطي المساحات الداخلية روحها الأساسية، ومتى ما كان التصميم المعماري ناجح، يكون أسهل بكثير لنخلق مساحات داخلية مميزة ومختلفة تعكس هوية المكان وروحه.
كيف بدأتِ مسيرتكِ مع "كوارتز"؟ وما الذي يميز العمل في فريق متعدد الجنسيات؟
بدأت قصة "كوارتز" من شراكة بين فريق سعودي وإيطالي، والاختلاف بين خلفياتنا ساعدنا لنخلق بيئة غنية بالأفكار والتجارب.. التنوع الثقافي فتح لنا مجال أكبر للابتكار وأعطانا فرصة نطوّر حلول تصميمية تربط بين هويتنا المحلية وفكر عالمي معاصر.
أعتقد أن وجود شريك من هوية مختلفة يضيف عمق أكبر للتصميم؛ لأن كل طرف يقدّم رؤيته بناءً على البيئة والخلفية التي عاشها.. هذا الاختلاف يجعل عملية التصميم أغنى وأجمل، ويجعلنا نعيد التفكير في أشياء كنا نعتبرها بديهية، وبالنهاية نستطيع نحقق نتيجة مميزة برؤية مختلفة.

حققتم انجازا متميزا مؤخرا باختيار مشروعكم "ملاذ الصحراء" ضمن القائمة المختصرة لمهرجان العمارة العالمي.. حدثينا عن ذلك.
ترشيح "ملاذ الصحراء" في مهرجان العمارة العالمي كان لحظة فخر كبيرة لنا كفريق، ويعكس قيمة العمل الجماعي وجهود كل شخص شارك فيه، أعتقد أن من أهم أسباب تميّز المشروع واختياره هو أنه من أكثر المشاريع التي استطعنا من خلالها أن نُعبّر عن رؤيتنا كمكتب تصميم.. الهوية الجغرافية للمكان كانت دافع أساسي لإلهام الفكرة؛ طبيعة الموقع ساعدتنا نستلهم عناصر تصميمية متوافقة مع بيئته وظروفه لتقديم تجربة معمارية متكاملة.. هذه التجربة منحتنا دافع أكبر لنكون أكثر جرأة في أفكارنا، ونقدّم مشاريع مختلفة تترك أثر واضح في الناس والمكان.
ما أبرز المشاريع التي تفتخرين بها حتى الآن؟
بالنسبة لي، صعب أختار مشروع واحد أفتخر فيه تحديدا، لأن كل مشروع مرّينا فيه ترك أثر وتجربة مختلفة.. بعضها علمني كيف أوازن بين الجمال والوظيفة، وبعضها فتح لي آفاق جديدة في طرق التفكير والعمل، وبعضها كان تحديًا في خلق هوية معمارية تعكس روح المكان وترتبط به.
الأهم بالنسبة لنا هو الدروس والتجارب التي نكتسبها من كل مشروع، لأنها تثري خبراتنا وتطوّر أسلوبنا في العمل، وتساعدنا لمشاهدة التصميم من زوايا أوسع وأعمق.

حدثينا عن أبرز مشاركاتكِ في الفعاليات والمعارض الثقافية.
المشاركات الثقافية بالنسبة لي ليست مجرد حضور، هي مساحة لتبادل الأفكار والخبرات مع أشخاص من خلفيات مختلفة.. منذ فترة، تلقّينا دعوة من وزارة الثقافة وهيئة العمارة والتصميم للمشاركة في جلسة نقاش بعنوان تصميم المستقبل: منظور سعودي وإيطالي في التصميم الداخلي، والتي أقيمت في فينيسيا بإيطاليا، كانت المشاركة فرصة مهمة نناقش فيها مستقبل التصميم الداخلي من خلال رؤية سعودية وإيطالية، ونتبادل خبراتنا على مستوى عالمي حول الحرفية، الابتكار، ودمج الهوية بين الأصالة والحداثة.. والأهم أنها منحتنا مساحة لطرح رؤيتنا كمكتب لديه خبرة في التصميم المحلي والعالمي.
ومن التجارب القريبة لقلبي مشاركتنا في أسبوع التصميم في دبي 2022 بعمل فني خاص بالمكتب، والذي أتاح لنا فرصة لأن نعرضه لأول مرة في السعودية في جاكس 2025، الفكرة من العمل كانت تسليط الضوء على قضية بيئية مرتبطة بالعمارة وهي مخلفات البناء والهدم، وحوّلنا هذه الفكرة لعمل فني يهدف إلى رفع الوعي حولها، وتزامن عرضه مع يوم البيئة العالمي.
وكذلك نهتم بالمشاركة في الفعاليات الأكاديمية والجامعات لأنها تعطينا فرصة لنشارك خبراتنا مع الجيل الجديد، فلقد شاركنا في حوارات مفتوحة مع الطلاب لمناقشة التحديات والفرص في مجال العمارة والتصميم، وأعتبر هذا الجانب مهم جدًا لأن المرحلة الدراسية مرحلة أساسية لتشكيل هوية المصمم ورؤيته.
ما نصيحتكِ للشابات السعوديات الراغبات في التخصص في هذا المجال؟
نعيش اليوم فترة مزدهرة ومميزة في مجال العمارة بالسعودية، وأعتبر نفسي محظوظة كمعمارية أمارس هذا المجال في هذا الوقت بالذات. شخصيًا، نلقى دعم كبير من الهيئات المسؤولة عن قطاع العمارة ورغبتهم الواضحة في إبراز تميز العمارة السعودية والمعمارية السعودية، وهذا يجعلنا محظوظين أكثر بوجود هذا الدعم الحكومي القوي.

أنصح أي شخص يرغب بأن يدخل هذا التخصص أن لا يتوقف عن التعلم؛ كل تجربة وكل مهارة جديدة سوف تضيف له وتفتح له آفاقا أوسع، خصوصًا في مجالات التصميم، التجارب المختلفة هي التي تميّز المصمم وتساعده يلقى أسلوبه الخاص ويطوره مع الوقت.. من المهم جدا الاستمرار في تطوير النفس؛ لأنه مهما وصلنا من علم وخبرة، يجب أن نظل نبحث ونستكشف ونطوّر أنفسنا أكثر.
ماهي طموحاتكِ المستقبلية؟
طموحي أن يكون "كوارتز" علامة سعودية معمارية مؤثرة عالميًا، ونعمل على مشاريع تترك أثر حقيقي وتربط بين الطبيعة والعمارة لخلق هوية معمارية مستلهمة من محيطها وتعكس روح المكان.

وأطمح لأن يكون "كوارتز" مساحة تجمع مصممين من خلفيات وهويات مختلفة، مع الحفاظ على إبراز الهوية المحلية ودور المصممين السعوديين.. الهدف هو بناء بيئة للتعاون بين التجربة المعمارية السعودية والرؤى العالمية المتنوعة، لنبتكر معًا أفكارًا جديدة تعكس روح المكان وتفتح آفاقًا أوسع للتصميم.