
علاجٌ متقدم للسكتة الدماغية في المنطقة.. يُكسب السباق مع الزمن ويُحيَي الأمل
قد تكون الإنجازات الطبية والعلمية التي نشهدها في عصرنا الحالي، أكثر ما يُفرح قلوب الناس ويُريحها؛ إذ ما زلنا في معركةٍ دائمة مع العديد من الأمراض والمشاكل الصحية التي تُودي بحياة الملايين حول العالم، متمنين إيجاد حلولٍ ناجعة لها.
وقد بدأت أسس التعاون بين المؤسسات الحكومية والخاصة، مع المعاهد العلمية والبحثية والمستشفيات، في جني ثمارها مع المزيد من العلاجات والابتكارات التي يهدف الطب منها إلى نتيجة رئيسية ومهمة: إنقاذ الأرواح. منها علاجٌ متقدم للسكتة الدماغية، يُعد الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
فقد نجح كليفلاند كلينك أبوظبي فضل مستشفى في أبوظبي، الإمارات | كليفلاند كلينك أبوظبي، في ابتكار معيارٍ جديد لعلاج تمدُّد الأوعية الدموية الدماغية على مستوى المنطقتين، من خلال استخدام جهاز "أرتيس" Artisse لتنظيم تدفُّق الدم داخل الكيس الوعائي، وهو غرسةٌ طبية مبتكرة لعلاج أمّ الدم الدماغية عريضة العنق.
ويحدث تمدُّد الأوعية الدموية الدماغية، أو السكتة الدماغية، بسبب ضعف جدران الأوعية داخل الدماغ؛ ما يتسبَّب بظهور انتفاخٍ أو توسُّعٍ يُعرِّض المرضى لمخاطر جمّة، إن تُرِكَ بلا علاج. وإذا تمزّق قد يؤدي إلى نزفٍ تحت العنكبوتية، وهو أحد أنواع السكتة الدماغية الناجمة عن نزيفٍ دماغي. وكان علاج التمدُّد سابقًا يستدعي إجراء جراحةٍ مفتوحة، إلا أنَّ التطورات في تقنيات الإجراءات الجراحية بأقل قدرٍ من التدخل، أحدثت تحولاً نوعياً في علاج هذه الحالة والتحكم فيها، ما وفَّر خياراتٍ أكثر أماناً وكفاءة للمرضى.

كيف يتم استخدام هذا العلاج؟
يبدأ الإجراء بأدنى حدود التدخُّل الجراحي، حيث تُدخل قسطرةٌ من أحد أوعية المريض الدموية في الفخذ أو الذراع، للوصول إلى منطقة تمدُّد الأوعية في الدماغ. وباستخدام تقنية التصوير ثلاثي الأبعاد وتصوير الأوعية الدموية، يتمكن الأطباء من معرفة مكان التمدُّد بدقة لتقييمه؛ وعند الوصول إلى مكان التمدّد، يُنشر جهاز الشبكة داخل كيس أمّ الدم لإغلاقه ومنع دخول الدم إليه، ما يُقلَل خطر التمزُّق وحدوث النزيف تحت العنكبوتية وأيّ مضاعفات أخرى. ويُعَدُّ هذا العلاج المبتكر مفيداً لتمدُّد الأوعية الدموية عريض العنق الذي يصعب علاجه بالطرق التقليدية. ويبقى الجهاز في مكانه دائماً، ما يقلِّل الحاجة إلى جراحاتٍ أخرى مع تقديم الحماية على المدى الطويل من التمزُّق.
يستغرق الإجراء بين ساعتين وثماني ساعات، حسب درجة تعقيد التمدُّد. وبعد العلاج، يخضع المرضى للتصوير لمتابعة الحالة، لتُستكمل المتابعة عادةً بعد ثلاثة أو ستة أشهر، لضمان كفاءة الجهاز في علاج التمدُّد. وفي الحالة الأولى التي عالجها مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي بهذه الطريقة، أظهر تصوير المريض بعد ثلاثة أشهر من العلاج نجاح التعامل مع تمدُّد الأوعية الدموية، ما يؤكِّد الآفاق الواعدة لهذا العلاج المبتكَر.
تشكِّل هذه التقنية المبتكرة نقلةً نوعية في علاج تمدُّد الأوعية الدموية الدماغية؛ فخلافاً للعلاجات التقليدية التي تعتمد على لفائف أو خيوط معدنية متعددة لإغلاق تمدُّد الأوعية الدموية، يستخدم الجهاز بنيةً شبكية واحدة مُعقَّدة التصميم لإغلاق تمدُّد الأوعية الدموية بأسلوبٍ فعّال، ما يحمي من النزيف ويُخفّض كثيراً خطر التمزُّق. كذلك يُعزِّز تبنّي هذه التقنية في كليفلاند كلينك أبوظبي خياراته العلاجية، ويُمهِّد الطريق لتبنّي ابتكاراتٍ طبية أخرى في رعاية الأمراض العصبية مستقبلاً.
وقال الدكتور خليل وصفي زهرا، استشاري جراحة الأعصاب في معهد الأعصاب في مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي: "يُمثِّل تقديم تقنية جهاز أرتيس المبتكرة لتعديل تدفق الدم داخل الكيس الوعائي إنجازاً لافتاً في منطقتنا، إذ يُحسِّن من قدرتنا على علاج حالة تمدُّد الأوعية الدموية الدماغية المعقَّدة، ويؤكِّد التزامنا المتواصل بتبنّي أحدث التقنيات الطبية ووضعها في متناول المرضى. وتضمن هذه التقنية، بدعم من منهجيتنا متعددة التخصصات في رعاية المرضى، استمرارنا في تقديم الخيارات العلاجية العالمية لمختلف الحالات العصبية مهما بلغت درجة تعقيدها. ولا شكَّ أنَّ استخدام هذه التقنية لتنفيذ أول إجراءٍ من نوعه يُبشِّر بمرحلةٍ جديدة في علاج تمدُّد الأوعية الدموية الدماغية، ويمنح المرضى خياراً علاجياً أكثر أماناً وفاعلية وبأدنى حدود التدخُّل الجراحي."
وأضاف: "تُجسِّد هذه التقنية نقطة انطلاق نحو ابتكاراتٍ ثورية أخرى في مجال عملنا. وستساهم خبراتنا المجتمعة في استخدام تقنية أرتيس الجديدة بتحفيز مبادرات الأبحاث مستقبلاً، ما يمنحنا مزيداً من الوسائل العلاجية المتطورة للحالات الدماغية الوعائية المعقَّدة. وحين نجمع بيانات علاج المرضى باستخدام هذه التقنية على المدى الطويل، نتوقَّع أن يُسهم ذلك في الحصول على معلوماتٍ حيوية يستفيد منها جراحو الأعصاب في العالم، ما يُرسِّخ مكانة كليفلاند كلينك أبوظبي الرائدة في رعاية أمراض الأعصاب والبحوث المتعلقة بها على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا."

للوقوف أكثر على السكتة الدماغية، أنواعها، وكيفية علاجها والوقاية منها؛ كان لنا هذا اللقاء السريع مع الدكتور خليل وصفي زهرا.
ما هي أنواع السكتات الدماغية المختلفة؟
هناك 3 أنواع رئيسية للسكتة الدماغية، تتوزع كما يلي:
1. السكتة الدماغية التخثرية (نقص التروية): الأكثر شيوعاً، وتحدث نتيجة انسداد أحد الأوعية الدموية بجلطة دموية، ما يُعيق تدفق الدم إلى الدماغ.
2. السكتة الدماغية النزفية: تنتج عن تمزق أحد الأوعية الدموية داخل الدماغ، ما يؤدي إلى نزيفٍ داخلي. وترتبط بعض الحالات بوجود تمددات شريانية أو تشوهات شريانية وريدية.
3. النوبة الإقفارية العابرة: تُعرف أيضاً باسم "السكتة الصغرى"، وتحدث نتيجة انسدادٍ مؤقت في تدفق الدم إلى الدماغ، وغالباً ما تختفي أعراضها بسرعة لكنها تُشكَل إنذاراً مبكراً لسكتة دماغية أكثر خطورة.
ما أبرز عوامل الخطر، وكيف يمكن اكتشاف أعراض السكتة الدماغية بسرعة؟
يمكن لارتفاع ضغط الدم، التدخين، داء السكري، ارتفاع الكوليسترول، السُمنة، وأمراض القلب أن تزيد من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية. ولتحديد أعراض السكتة بسرعة، يُنصح باتباع قاعدة BE FAST:
• (Balance - التوازن) فقدان التوازن أو الشعور بالدوخة.
• (Eyes - العيون) مشاكل مفاجئة في الرؤية.
• (Face - الوجه) تدلَي جانب واحد من الوجه.
• (Arms - الذراعين) ضعف أو خدر في أحد الذراعين.
• (Speech - النطق) صعوبة أو تلعثم في النطق.
• (Time - الوقت) يجب الاتصال بخدمات الطوارئ فوراً.
يساعد استخدام قاعدة BE FAST وإجراء فحوصات الأشعة المقطعية أو الرنين المغناطيسي بشكلٍ عاجل، في الاكتشاف السريع للسكتة الدماغية والتعامل معها كما ينبغي.
ما هو أفضل علاج للسكتة الدماغية، وكيف يمكن الوقاية منها؟
بالنسبة للعلاج؛ يقوم المختصون عادةً بإعطاء المرضى أدوية مُذيبة للجلطات أو إجراءات استئصال الجلطة في حالات السكتة الدماغية الإقفارية؛ بالإضافة إلى الجراحة أو إجراءات السيطرة على النزيف وضغط الدم في حالات السكتة الدماغية النزفية؛ وإعادة التأهيل من أجل التعافي.

أما فيما يخص الوقاية، فهي نصائح نقدمها دومًا ليس فقط للوقاية من السكتة الدماغية، وإنما من مشكلاتٍ صحية أخرى. وتتضمن:
1. الحفاظ على ضغط دمٍ صحي.
2. اتباع نظامٍ غذائي متوازن.
3. ممارسة التمارين الرياضية.
4. الإقلاع عن التدخين وتجنَبه قدر الإمكان.
5. إدارة داء السكري وأمراض القلب.
6. إجراء الفحوصات الطبية بانتظام.
كما أن مراجعة الطبيب بشأن وجود تاريخٍ عائلي للسكتات الدماغية، قد تكون ضروريةً أيضًا، للوقاية المبكرة.
في الخلاصة؛ فإن السكتة الدماغية خطيرة للغاية ومُهددة للحياة، لأنها تُعيق تدفق الدم والأكسجين إلى الدماغ، مما يؤدي إلى موت خلايا الدماغ خلال دقائق. وهي حالةٌ طبية طارئة تستدعي التدخل الفوري لتقليل الضرر والمضاعفات المحتملة؛ وتساعد الابتكارات الطبية الجديدة مثل جهاز "أرتيس" Artisse لتنظيم تدفُّق الدم داخل الكيس الوعائي المستخدم في مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي لأول مرة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في إنقاذ أرواح المصابين بهذه المشكلة.