حين عاد النبض إلى “بالنسياغا”: مجموعة ربيع و صيف 2026 للملابس الجاهزة
التقرير
حين عاد النبض إلى “بالنسياغا”: مجموعة ربيع و صيف 2026 للملابس الجاهزة
في لحظةٍ بدت وكأنها تنفّس أول بعد صمت طويل، أعاد “بيارباولو بيتشولي” الحياة إلى قلب “بالنسياغا”. بالنسبة لي لم تكن مجرد مجموعة افتتاحية، كانت عودة الإحساس، انبعاث الأناقة من صرامة الدقّة، وبداية فصل جديد لدارٍ عرفت دائمًا كيف تصنع من تَفرد كُل امرأة وكلِ عميلة بيانًا.
افتتح العرض بفستان أسود واسع على هيئة الكيس، تلاه بنطال بخطوط حادّة مُبهرة. من النظرة الأولى، كان واضحًا أن "بيتشولي" لم يأتِ ليكرّر "كريستوبال"، إنما ليُكمل حديثه معه. أعاد نسج رموز العمارة التي أسّسها المصمّم الإسباني كالهيكل، الانضباط، والهواء..ذلك الفضاء الخفي بين الجسد والقماش حيث تسكن الحرية التي ميّزت “بالنسياغا” الأصلية.

في هذه المجموعة، لم يكن "بيتشولي" يحيي الماضي، كان يستحضره. لم يبحث عن الأثر، بحث عن الإحساس. استعاد جوهر تحوير القوام الهادئ الذي حرّر النساء من ثقل الزخرفة وفكرة الأنوثة المحصورة في الزينة. كل قطعة بدت كذكرى متجدّدة، تصاميم تتنفس واقعية وجمال لا يعلو صوته، بل يُفهم.


بدأ العرض بدرجات الحياد و الكلاسيكية كالأسود والأبيض، خياطة نظيفة، ظلال صامتة تحمل هيبة النظام. ثم تسلّل اللون كذاكرة تُستعاد بعد غياب، من الأزرق الياقوتي، الأحمر العميق، البرتقالي المحترق، والأخضر الداكن. دفء إيطالي يذوب داخل هندسة إسبانية صارمة.




القصّات بدت كأنها تتأرجح بين روحين: المُهندس الأسباني والشاعر الإيطالي، خطوط مربّعة تنكسر بانسياب محسوب، أكمام تتمايل مع الحركة، وتنانير منفوخة تخفّف من حدّة التكوين. كل تفصيل موزون كإيقاع نبض، وكل قطعة وُلدت لتُعاش لا لتُعرَض. كانت الحِرفة هنا أقصى درجات الإتقان حين تُخفي صعوبتها.


العرض لم يكن صاخبًا، ولم يحتج إلى الدراما أو المسرح. كان بمثابة بيان احترام لهندسة المؤسس وتقدير للإنسان. “بالنسياغا” تكلّمت هذه المرّة بلغتها الأولى، لغة الصفاء والدقّة والذكاء العاطفي.



ذكّرنا "بيتشولي" أن الأناقة ليست صدى الجماهير، إنها نبض الداخل. الرقي لا يُقاس بالضجيج، بل بالهدوء الذي يترك أثره العميق. في زمن تخلط فيه الموضة بين الانتباه والجدارة، أعاد "بيتشولي" للأناقة معناها الأصيل: أن تكون صامتًا بما يكفي لتُسمع.
تلك الليلة، عاد النبض إلى “بالنسياغا”..نبض هادئ، نقي، إنساني.