ثلاث ساعات من المتعة مع "حياة أديل"
عمرو رضا
لا تذهب السعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي الا لمن يصنع شريط سينما قادرا على ابهار الجميع، وهذا بالضبط ما فعله المخرج التونسي عبد اللطيف كشيش الذي ضمن الفوز بالجائزة بمجرد انتهاء العرض الأول لفيلمه متعدد الأسماء فهو بالفرنسية La Vie d'Adèle أو حياة أديل، وبالإنكليزية "Blue is the Warmest Color"، وبلغة السينما هو ثلاث ساعات من المتعة مع قصص غرام المراهقات.
الفيلم الذي حبس أنفاس النقاد ومحبي السينما ولجنة التحكيم برئاسة المخرج الكبير ستيفن سبيلبرغ، لم يكتف بخطف السعفة الذهبية كأفضل فيلم ولكنه حصد أيضا جائزة أفضل ممثلة مناصفة بين البطلتين، وتم تصنيفه واحدا من أفضل خمسة أفلام رومنسية في تاريخ السينما العالمية وأجمل قصص الحب التي عرفها الفن السابع.
يروي الفيلم قصة غرام فتاة في الخامسة عشرة من عمرها، تودع مرحلة الطفولة وتكتشف بلهفة عالم المراهقة على يد فتاة أخرى تصبغ شعرها باللون الأزرق، وتظلل حياة رفيقتها بكل غيوم المراهقة وقضاياها الإنسانية المعقدة، ليتخطى بسلاسة الوقوع في تفاصيل الغرام المكررة ويصل الى جوهر القضية الموجود في إهداء كشيش للشباب الفرنسي ولشباب الثورة التونسية "التعبير الحر والحب الحر".
واللون الأزرق الذي يهيمن على الفيلم بدءا من البوستر الدعائي ومرورا بشعر البطلة ليس لون قصص الحب الطفولية، لكن لون شعر "إيما" – الممثلة الفرنسية ليا سيدو- وهي فتاة مراهقة تدرس الفنون الجميلة، اختارت هذا اللون لشعرها كي تظهر أكثر اختلافها، أما أديل -الممثلة أديل إيخركوبولوس - فتكتشف بعد مغامرة فاشلة مع أحد أصدقائها في المعهد حقيقة مشاعرها مع الفتاة الغامضة ذات الشعر الأزرق.
كل لحظات العشق ستجدها هنا مصورة بعناية ورقة ورومنسية وصدمة أيضا، بدءا من الحديث الخجول والمتلعثم بينهما في أحد المقاهي مرورا بالأسئلة التقليدية التي تفتح الباب أمام صدمة الإجابة على الأسئلة الخاصة، وانتهاء بلحظات العلاقة الحميمة في الأماكن العامة المصورة بجرأة جلبت للمخرج الكثير من انتقادات النقاد العرب، وهددت عرض تحفته السينمائية في دور العرض العربية.
هذا كله مجرد إطار ليقدم كشيش رؤية ثاقبة لمجتمع المراهقات، وكيف تتفاوت أفكارهن تبعا للمستوى الاجتماعي فبنات الطبقات الثرية لديهن هموم تختلف عن المنتميات للطبقة الوسطى، وكل فتاة لديها وسائلها للتعبير عن أحاسيسها التي هي بالأساس متباينة وغير مستقرة وتتغير من لحظة لأخرى، وهذا الصدام بين عالمي المراهقتين هو صورة مصغرة للصدام بين أجيال من الشباب قد يجمعهم الحب ولكن تفرقهم القدرة على انتزاع حقهم في "التعبير الحر والحب الحر".