هدنة رقمية: عزيزة الصالح تروي لـ"هي" كواليس البقاء في واجهة العالم الرقمي

هدنة رقمية: عزيزة الصالح تروي لـ"هي" كواليس البقاء في واجهة العالم الرقمي

رهف القنيبط
5 أغسطس 2025

في عالم تُقاس فيه القيمة بالظهور، وتُستهلك فيه الذات باسم الشغف، تبرز أصوات تعبّر بصدق عمّا يجري خلف الكواليس. من بين هذه الأصوات، تبرز عزيزة الصالح، صانعة محتوى سعودية ومؤسسة وكالة CBZ المتخصصة في إنتاج المحتوى وإدارته. 

بدأت رحلتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي بدافع شخصي وشغف حقيقي، وسرعان ما تحوّل حضورها الرقمي إلى مسار مهني متكامل. لكنها، شأن كثير من أبناء جيلها، وجدت نفسها في نقطة تقاطع بين التعبير الذاتي وضغط الاستمرارية، بين الشغف والإنهاك.

وامتدادًا للمادة للمقالة في عدد يونيو/أغسطس عن الاحتراق الوظيفي بين أفراد الجيل الجديد، تأتي هذه المقالة لتتوقّف عند تجربة شخصية لا تتجمّل. تجربة تقول الكثير عمّا نعيشه ولا نصرّح به، وتكشف ما لا يظهر في واجهات الحسابات اللامعة.

عزيزة الصالح
توضح عزيزة: "بدأت رحلتي مع المحتوى من شغف حقيقي، ليتحول هذا الشغف إلى عمل حر، ثم أسست وكالتي الخاصة"

الشغف نقطة الانطلاق

بدايات عزيزة مع المحتوى كانت مدفوعة بالشغف قبل كل شيء. تقول: "بدأت رحلتي مع المحتوى من شغف حقيقي، كنت أنشر باستمرار على تيك توك ويوتيوب وإنستغرام منذ 2021. شيئًا فشيئًا، تحوّل هذا الشغف إلى عمل حر، ثم أسّست وكالتي الخاصة لأتمكن من إنتاج محتوى لعلامات تجارية أخرى. كان هدفي أن أوسع أثر المحتوى الذي أؤمن به."

لحظة التحوّل: من التعبير إلى العبء

في مرحلة ما، لم تعد الكاميرا أداة للتعبير بل مصدر ضغط، توضح قائلة: "وصلت إلى مرحلة شعرت فيها أن التواجد على الإنترنت لم يعد مساحة للتعبير، بل عبء لا يعكس حقيقتي. بدأت أُنتج محتوى ‘ممتعًا’ فقط لأن السوق يتطلب ذلك فيديوهات مطاعم، ميك أب، أزياء، بينما حياتي العملية أصبحت تستهلك يومي. لم يعد ما أقدمه يشبهني. قررت أن أغيّر المعادلة، وعدت إلى مشاركة يومياتي كما هي، حتى لو كنت في المكتب طوال الوقت. المحتوى عاد ليكون ما أريده، لا ما يُنتظر مني."

الإرهاق لا يستثني أحدًا

الاحتراق كان حتميًا مع الضغوط والتكرار، لكنها واجهته بوعي، تقول: "نعم، أصبت بالاحتراق أكثر من مرة، خاصة في البداية. الاستمرارية تتطلب جهدًا كبيرًا. لكن كل مهنة كذلك. حين أشعر بالتعب، أتوقف وأسأل نفسي: هل ما أُنتجه يعكسني؟ هل طريقتي فعّالة؟ هل هناك شيء أهم عليّ التركيز عليه؟ بعدها، أقرر: إما أعيد تنظيم العملية، أو أُقلل النشر مؤقتًا، أو أغيّر نوع المحتوى."

عزيزة الصالح
توضح عزيزة: "وصلت إلى مرحلة شعرت فيها أن التواجد على الإنترنت لم يعد مساحة للتعبير، بل عبء لا يعكس حقيقتي."

 كيف تؤخذ استراحة في زمن لا يعترف بالغياب؟

عزيزة تتعامل مع الخوارزميات كأمر واقع لكنها لا تُذعن لها، توضح لـ"هي": "الخوارزميات لا ترحم، والغياب يكلّفك. لذلك أحرص دائمًا على تحضير محتوى احتياطي. أُصوّر أسبوعًا كاملًا من الفلوقات وأحررها دفعة واحدة. بهذه الطريقة، أضمن أن حساباتي تستمر دون أن أشعر بالذنب. لكن، لو شعرت أنني بحاجة حقيقية لراحة نفسية، آخذها. لن أرهق نفسي من أجل حضور مصطنع."

معايير النجاح ليست واحدة للجميع

عزيزة لا ترى نفسها نموذجًا يُقاس عليه حجم الإنتاج، تقول: "لا أعتقد أنني أضع معايير غير واقعية. كل شخص يحدد أهدافه وجدوله حسب وقته وطبيعة محتواه. البعض ينشر يوميًا، والبعض أسبوعيًا، والنتائج متقاربة. أخصص وقت لأن هذه مهنتي، ولا أطلب من غيري فعل الشيء ذاته."

عزيزة الصالح
 اليوم، ترى عزيزة النجاح الحقيقي بتحويل الحضور الرقمي إلى مشروع يثمر ويستمر

الاستدامة الرقمية بين الواقع والطموح

تؤمن بإمكانية الاستمرارية، بشرط أن تكون بحدودك الشخصية، توضح قائلة: "الاستدامة الرقمية ممكنة، لكنها تبدأ من وضوحك مع نفسك. شخصيًا، لدي أفكار كثيرة لا أستطيع تنفيذها كلها، وهذا لا يزعجني. أريد أن أنشر ثلاث مرات في اليوم، لكن مع إدارة وكالة، هذا غير ممكن الآن. والمهم أن أجد وتيرة تناسبني وتناسب حياتي."

تعريف النجاح يعاد تشكيله

النجاح بالنسبة لها ليس أرقامًا بل بناء مشروع حقيقي. توضح: "في البداية، كنت أظن أن النجاح يعني عدد المتابعين أو الصفقات. لكن مع الوقت، فهمت أن النجاح الحقيقي هو تحويل هذا الوجود الرقمي إلى مشروع ناجح. اليوم، وجودي على مواقع التواصل ساعدني في بناء وكالتي، وتوظيف فريق رائع، والعمل مع علامات مميزة. وهذا، بالنسبة لي، هو النجاح."

لو كان بإمكانها إعادة ضبط الإيقاع

تفتقد لعصر الفيديوهات الطويلة، وتؤمن بقيمتها العميقة. توضح عزيزة: "أحب المحتوى القصير، لكنه لا يُغني عن الطويل. الفيديوهات الطويلة، خاصة على يوتيوب، تقدم تجربة أعمق، وتمنحنا كصنّاع محتوى مساحة لنكون أكثر صدقًا وتأملًا. أود أن أراها تعود بقوة، لأنها تُعيد لنا الإحساس البشري داخل هذا العالم السريع."