
من ريو دي جانيرو .. معرض"فن المملكة" يصل الرياض محملاً رؤى فنية تستدعي روح الصحراء
في قلب العاصمة، وتحديداً في حي جاكس النابض بالحياة الإبداعية، يستضيف المتحف السعودي للفن المعاصر محطة جديدة من معرض "فنّ المملكة"؛ محطة تعيد صياغة العلاقة بين الفن والهوية، بين ما كُنّا وما نصبو إليه أن نكون.
بعد النجاح اللافت الذي حققته نسخته الأولى في البرازيل، والتي أُقيمت في القصر الإمبراطوري بمدينة ريو دي جانيرو تزامنًا مع قمة مجموعة العشرين، يعود المعرض إلى موطنه حاملاً تجارب جديدة ورؤى مبتكرة. يستمر "فنّ المملكة" في استقبال الزوار حتى 24 مايو 2025، عبر تذاكر متاحة على منصة WeBook، قبل أن يشدّ الرحال إلى بكين في محطته المقبلة، ضمن احتفالية ثقافية خاصة بالذكرى الـ25 للعلاقات الدبلوماسية بين السعودية والصين.

ما يميز هذه النسخة عن سابقتها ليس فقط الانتقال الجغرافي، بل الروحي أيضاً؛ إذ تضم أعمالاً فنية جديدة لم تُعرض في البرازيل، خُلقت خصيصاً لتنبض في المساحة السعودية، وتلتحم مع جمهورها المحلي. هذا التجدّد الدائم في بنية المعرض يجعله تجربة متحولة بحد ذاتها، قابلة للتكيّف مع السياق والمكان والذاكرة.
تحت مظلة هيئة المتاحف، وضمن رؤيتها في تعزيز التعبير الإبداعي السعودي، يأتي "فنّ المملكة" كتجربة فنية تتجاوز العرض البصري، لتطرح تساؤلات جوهرية عن دور الفن في عصر التكنولوجيا الحديثة. حيث تتدفق الصور والمعلومات من كل حدب وصوب، في مشهد بصري متسارع يفتقر أحياناً إلى التماسك والدقة.
ومن هذه الخلفية، يحاول "فنّ المملكة" الإجابة عن سؤالين جوهريين: هل يمكن للفن المعاصر أن يُعبّر عن الثقافة؟ وكيف تساهم الفنون البصرية في إعادة بناء السرديات حول المجتمع والذاكرة، وتفكيك الماضي وإعادة تشكيل الحاضر؟

في محاولة للإجابة عن هذه التساؤلات، يقدّم المعرض 17 تجربة فنية سعودية متنوعة تمثّل أجيالاً ومشارب فكرية وتقنية مختلفة: من مهند شونو، وأحمد ماطر، ومنال الضويان، إلى عهد العمودي، وناصر السالم، وفاطمة عبد الهادي، والعديد من الأسماء الرائدة وأخرى صاعدة، وكلها تسير على خيط رفيع بين التراث والابتكار.
تتعدد الوسائط المعروضة بين الرسم، والفيديو، والتركيب، والنحت، والخامات المختلطة، وتنسج هذه الأعمال معاً سردية وطنية معاصرة، تستلهم رموز الصحراء واتساعها كرمز للامتداد والانفتاح، وفي الوقت ذاته، تحتفي بالتقاليد والثقافة البصرية التي تشكّلت على مر العقود، وتُعاد قراءتها اليوم من خلال عدسات جديدة.
المعرض لا يقدّم رؤية موحّدة، بل يختار أن يُظهر الاختلاف، التنوّع، والتعدّد في وجهات النظر. تمّ تصميم المسار الفني بطريقة تسمح للزائر أن يتنقّل بين عوالم الفنانين دون أن يفقد الخيط الرابط بين الأعمال، ذلك الخيط الذي يتمثل في الذاكرة الجمعية والهوية السعودية المتجددة.

أما المواضيع التي يلامسها المعرض، فتدور حول ثنائية الصحراء والتقاليد، لكنه لا يكتفي بذلك؛ بل يتقاطع مع مفاهيم أوسع مثل البيئة، الأصول، الهوية، وتحوّلات الوعي الجمعي. إنها تجربة تسير على حواف الأسئلة الكبرى، وتدعونا لقراءة الفن بوصفه مرآة للتاريخ وعدسة للمستقبل.
بهذا الامتداد الجغرافي والمعرفي، يُرسّخ "فن المملكة" مكانة الفن السعودي في المشهد الدولي، ويؤكد دور المتحف السعودي للفن المعاصر كمركز للحوار الفني ورعاية الإبداع، حيث تتحوّل الفكرة إلى مادة، والموروث إلى رؤية، والهوية إلى عمل فني حي.