
24 ساعة في جازان: دليلك لرحلة استثنائية في قلب الطبيعة والتراث
حين تزورين جازان، لن تشعري أنكِ في مجرد وجهة سياحية عابرة، بل ستجدين نفسكِ أمام لوحة فسيفسائية تجمع بين البحر والجبل والجزيرة والسوق الشعبي والمهرجانات. هنا، تتجاور رائحة البنّ الجازاني مع نسيم البحر الأحمر، وتتناغم أهازيج الفلكلور مع دفء الجلسات على الشاطئ. جازان تمنحكِ تجربة غنية تُشبع شغفكِ بالمغامرة، وفضولكِ للمعرفة، ورغبتكِ في الاسترخاء—all في يوم واحد فقط.
الصباح: إطلالة بحرية مع أول خيوط الشمس
ابدئي يومكِ مع إشراقة الصباح على كورنيش جازان، حيث يمتد الممشى المزدان بأشجار النخيل والكراسي المطلة على البحر. هنا يمكنكِ ممارسة رياضة المشي أو الجري، بينما تتابعين صيادي البحر وهم يفرغون شباكهم من أسماك التونة والروبيان الطازج. هذه اللحظة تمنحكِ شعوراً بأنكِ جزء من نبض المدينة.

بعد نزهة الصباح، اجلسي في أحد المقاهي المطلة على البحر لتتناولي قهوة عربية مع تمر أو معجنات محلية. ومن هناك، استقلي قارباً نحو جزيرة فرسان. الرحلة البحرية نفسها مغامرة لا تُنسى؛ ستشاهدين أسراب الدلافين أحياناً وهي تقفز حول القارب، وطيور البحر ترفرف فوقكِ وكأنها ترشدكِ إلى الجنة المخفية.
في فرسان، استكشفي شاطئ «قماح» برماله البيضاء ومياهه النقية، ثم توجهي إلى غابة القندل، حيث تنمو أشجار المانغروف الكثيفة، فتشعرين وكأنكِ في ممر طبيعي سحري، يملؤه صوت العصافير وظلال الأغصان المتشابكة.
منتصف النهار: بين الأسواق الشعبية ونكهات المطبخ الجازاني
عند عودتكِ إلى المدينة، ستجدين نفسكِ في عالم مختلف كلياً. توجهي نحو أحد الأسواق الشعبية في قلب جازان مثل سوق محافظة بيش الذي يقام يوم السبت أو سوق محافظة صبيا الذي يقام يوم الثلاثاء أو حتى سوق الخوبة الذي يقام يوم الخميس من كل أسبوع، حيث يزدحم المكان بالزوار وتفوح روائح التوابل والبخور. ستقابلين نساءً يعرضن عقود الفلّ والياسمين، ويضعنها على شعركِ بابتسامة ترحيب أصيلة.

في السوق، ستبهركِ الألوان: سجاد مطرز يدوياً، أواني نحاسية لامعة، وحرفيات يبعن الأساور والحقائب المصنوعة من سعف النخيل. هنا، تستطيعين شراء هدايا تذكارية تحمل روح المكان.
أما الطعام، فجربي طبق «المرسة» الغني بمزيج الموز والدقيق والسمن، أو «المفالت» الذي يقدم ساخناً مع العسل الطبيعي. وإذا كنتِ من عاشقات المأكولات البحرية، فاطلبي «الميفا» وهو سمك يُطهى في التنور مع البهارات، أو جربي الروبيان الجازاني الطازج. كل وجبة هنا تحكي قصة ارتباط أهل جازان ببحرهم وأرضهم.

بعد الظهر: رحلة إلى الجبال والوديان
بعد الغداء، توجهي نحو جبال فيفاء الملتفة حول نفسها كالعقد الأخضر. الطريق إليها ممتع بحد ذاته، إذ تمرين عبر وديان وسهول تتزين بمزارع الذرة والموز والبابايا. كل منعطف يكشف لكِ مشهداً جديداً أكثر جمالاً من الذي سبقه.
في القرى الجبلية، ستقابلين نساءً يرتدين أزياء تقليدية مطرزة بخيوط ملونة، يعملن في حصاد البنّ. يمكنكِ الدخول إلى مزرعة صغيرة وتجربة قطف ثمار البنّ الحمراء بيديكِ، ثم مشاهدة عملية تحميصها وسماع قصص المزارعين عن علاقتهم بهذه المهنة التي توارثوها جيلاً بعد جيل.
لا تفوتي تذوق فنجان من القهوة الجازانية الغنية بالنكهة، التي غالباً ما تُخلط بالزنجبيل أو الهيل. ومع كل رشفة، ستشعرين أن دفء الأرض والجبل ينساب داخلكِ.

المساء: عناق الغروب بين الفلكلور والتراث
مع اقتراب الغروب، عودي إلى المدينة لتشهدي المشهد من الكورنيش الجنوبي. ستجدين العائلات متجمعة على الرمال، الأطفال يلعبون، والنساء ينثرن روائح البخور في الأجواء. لحظة غروب الشمس في جازان لوحة سحرية لا يمكن نسيانها: قرص الشمس يغوص ببطء في البحر الأحمر، تاركاً السماء مخضبة بالبرتقالي والذهبي.
بعدها، توجهي إلى القرية التراثية، حيث تنتظركِ تجربة ثقافية متكاملة. ستشاهدين عروض الفلكلور الجازاني مثل «العرضة» و«الخطوة»، حيث تصطف النساء والرجال على إيقاعات الطبول ويرددون الأهازيج القديمة. كما ستتاح لكِ فرصة تذوق مأكولات تقليدية معدّة في مطابخ مفتوحة، وتجربة لبس الأزياء الشعبية والتقاط صور تذكارية تعكس روح الماضي.

الليل: دفء الجلسات على البحر
حين يحل الليل، يكون الوقت مثالياً لاختيار جلسة هادئة على أحد شواطئ جازان أو في منتجع مطل على البحر. تخيلي نفسكِ جالسة على سجادة عربية، تحيط بكِ مصابيح مضاءة خافتة، وعلى رأسكِ عقد من الفلّ يفوح بعطره المميز. ستستمعين إلى صوت الموج وهو يلامس الصخور، وكأنه موسيقى هادئة تغلق يومكِ بسلام.
يمكنكِ أيضاً اختيار أمسية موسيقية ضمن الفعاليات التي تقام باستمرار في المدينة، حيث تقدم الفرق المحلية عروضاً تجمع بين التراث والأغاني الحديثة. بذلك تختتمين يومكِ بشحنة من الفرح والإلهام.

لمسة خاصة وتجربة ساحرة
في كل محطة من يومكِ، ستلمسين دور المرأة الجازانية. فهي الحرفية التي تبيع مشغولاتها في الأسواق، وهي المزارعة التي تعتني بأشجار البنّ، وهي المضيفة التي تقدم لكِ طعاماً تقليدياً بابتسامة، وهي الفنانة التي تشارك في عروض الفلكلور. تمكين المرأة هنا ليس شعاراً، بل واقع ملموس ينعكس على تفاصيل التجربة السياحية.