
اكتشف المملكة كما لم ترها من قبل.. عشر وجهات تأسر الحواس والقلوب في السعودية
من منحدرات وادي الديسة ذات الصخور الرملية، إلى الآثار النبطية الساحرة في مدائن صالح، والمياه الفيروزية لأملج، إلى مناظر حافة العالم الدراماتيكية... كل وجهة في المملكة تروي قصة من الجمال الطبيعي والإرث التاريخي والثقافة المتجذّرة. في هذا المقال، نأخذكم في جولة ملهمة بين أبرز الوجهات السياحية التي تستحق أن تكون على قائمة كل مسافر شغوف بالاكتشاف.
وادي الديسة.. عبق الطبيعة في تبوك
في شمال غرب المملكة، وعلى بُعد حوالي 250 كيلومترًا جنوب مدينة تبوك، ينبسط وادي الديسة كواحد من أكثر المواقع الطبيعية سحرًا في السعودية. يتميز الوادي بتكويناته الصخرية الفريدة التي تتخذ أشكالاً شاهقة وعجيبة، تحيط بها مزارع النخيل والجداول الصغيرة المتدفقة بين الصخور.
يمتاز الوادي بمناخه المعتدل نسبيًا مقارنة بالمناطق المجاورة، ما يجعله وجهة مثالية لهواة التخييم والمشي الطويل واستكشاف الحياة البرية. وغالبًا ما تبدأ الرحلة إلى وادي الديسة عبر طريق متعرج يمر بسلسلة من الأودية والشعاب، قبل الوصول إلى المشهد البانورامي الذي يخطف الأنفاس. عند الغروب، تتحول الجبال الرملية إلى لوحات بلون برتقالي مائل للذهبي، في مشهد لا يُنسى.

الحِجْر.. تجربة تاريخية ساحرة في أرض الحضارة والتراث
مدائن صالح أو "الحِجْر" ليست فقط أول موقع سعودي يُدرج ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي، بل هي أيضًا بوابة تاريخية إلى حضارة الأنباط التي ازدهرت في شمال الجزيرة العربية قبل أكثر من 2000 عام.
تقع هذه المدينة النبطية القديمة جنوب محافظة العلا، وتضم أكثر من 110 مقابر ضخمة منحوتة بعناية في جبال رملية حمراء، وتُعد شاهدة على تقدم النبطيين في فنون العمارة والهندسة. النقوش والزخارف التي تزين واجهات القبور تروي تفاصيل اجتماعية وثقافية عن تلك الحقبة، وتُظهر التأثيرات الرومانية واليونانية جنبًا إلى جنب مع اللمسات العربية. تجربة التجول بين هذه القبور أشبه برحلة عبر الزمن، خاصة إذا رافقها مرشد سياحي يوضح أسرار المكان.
بلدة العلا القديمة.. حيث يهمس الطين بالحكايات
على بعد نحو 22 كيلومترًا شمال مدائن صالح، تقع بلدة العلا القديمة التي تعتبر من أقدم المستوطنات المأهولة في شبه الجزيرة العربية. تتكوّن البلدة من أكثر من 900 منزل طيني، تتخللها أزقة ضيقة ومسقوفة تشهد على عبقرية العمارة النجدية القديمة.
وقد خضعت البلدة مؤخرًا لعمليات ترميم واسعة حولتها إلى فضاء ثقافي نابض يستضيف معارض فنية وأسواق تراثية ومهرجانات موسمية. التنزّه في العلا القديمة يشبه الغوص في الذاكرة الشعبية، حيث تتوزع على جنباتها محال صغيرة تقدم الحرف اليدوية والقهوة السعودية الأصيلة، بينما تملأ رائحة البخور المكان.

أملج.. متعة الاستجمام في مالديف السعودية
بشواطئها البيضاء الممتدة ومياهها الفيروزية الشفافة، تُلقّب أملج بـ"المالديف السعودية"، وتقع على الساحل الغربي للمملكة بين ينبع وضباء. تتبع المدينة إداريًا لمنطقة تبوك، وتتميز بأرخبيل يتكوّن من أكثر من 100 جزيرة، تشكل نظامًا بيئيًا فريدًا يجمع بين الشعاب المرجانية والدلافين والسلاحف البحرية.
تُعد الرحلات البحرية من أملج من أكثر التجارب سحرًا، حيث يمكن للزوار استئجار قوارب لاستكشاف الجزر الصغيرة أو الغوص وسط عالم مائي زاخر بالحياة.
في المساء، يتحول الساحل إلى مسرح طبيعي مذهل تغمره الألوان المتدرجة مع الغروب.

حافة العالم.. نهاية الأرض وبداية الدهشة
غرب العاصمة الرياض، تقف "حافة العالم" كأحد أعظم العجائب الجيولوجية في السعودية. يعرف الموقع محليًا باسم جبل فهرين، ويمتد على شكل جرف شاهق يطل على صحراء مترامية الأطراف، ليمنح الزائر شعورًا بأنه يقف على نهاية الكرة الأرضية.
يتطلب الوصول إلى الموقع رحلة قصيرة عبر طرق غير ممهدة، مما يضيف لمسة من المغامرة إلى التجربة. المكان مثالي لمحبي التصوير ومراقبة الطيور والغروب، وغالبًا ما يجتمع الزوار عند الحافة قبيل الغروب لمشاهدة الشمس وهي تغوص بهدوء في الأفق.

الدرعية.. مهد الدولة السعودية الأولى
على ضفاف وادي حنيفة تقع الدرعية التاريخية، العاصمة الأولى للدولة السعودية ومهد انطلاقتها. تشتهر الدرعية بحي الطريف، وهو موقع مدرج على قائمة اليونسكو، ويضم مجموعة رائعة من المباني الطينية التي تم ترميمها وتحويلها إلى متاحف وصالات عرض ومساحات ثقافية مفتوحة.
التجول في أروقة الطريف يشبه استكشاف متحف حي، حيث تحكي الجدران والأسقف أسرار التاريخ السياسي والديني والاجتماعي للمملكة. كما تحتضن الدرعية الحديثة باقة من المطاعم الراقية والمقاهي التراثية التي تطل على الوادي، ما يجعل من زيارتها تجربة تجمع بين الأصالة والحداثة.

رجال ألمع.. لوحة جبلية تنبض بالألوان والتاريخ
في قلب جبال السروات بمنطقة عسير، تبرز قرية رجال ألمع كتحفة معمارية مميزة، حيث البيوت الحجرية متعددة الطوابق والمزينة بنقوش زاهية الألوان. لطالما عُرفت القرية بدورها التاريخي كمركز تجاري وثقافي يربط تهامة بالحجاز، وهي اليوم وجهة سياحية مزدهرة تحتضن مهرجانات فنية مثل "رجال الطيب" و"زهور رجال ألمع".
التجول بين أزقة القرية يمنح الزائر شعورًا بالسكينة والدهشة، بينما توفر الجبال المحيطة فرصًا مذهلة للمشي الجبلي والتصوير.

جبل القارة.. أسرار الحجر والضوء
في واحة الأحساء، يرتفع جبل القارة كرمز جيولوجي فريد، حيث تتشكل كهوفه العميقة من طبقات رسوبية تتيح مرور الضوء بطريقة ساحرة. تتميز الكهوف بدرجات حرارة منخفضة نسبيًا في الصيف ودافئة في الشتاء، ما يجعلها مقصدًا مفضلاً للعائلات والمستكشفين. وقد تم تطوير الموقع ليشمل ممرات إرشادية وأضواء داخلية تزيد من متعة الاستكشاف. عند الخروج من الجبل، يمكن للزائر التوجه إلى الأسواق الشعبية المجاورة لتذوق التمور الأحسائية أو اقتناء قطع الفخار والمشغولات المحلية.

جبل طويق.. السيف الحجري الذي يقطع الأفق
يمتد جبل طويق مئات الكيلومترات وسط نجد، ويعد من أبرز التكوينات الجغرافية في المملكة. يشتهر الجبل بقممه الحادة ومنحدراته الشاهقة التي تجذب هواة المشي الجبلي وركوب الدراجات الجبلية. كما أن قمته تتيح إطلالات بانورامية على وديان ومزارع مترامية في الأسفل. وقد أصبح الموقع نقطة جذب لمحبي الطبيعة والمغامرة، خاصة مع الفعاليات البيئية والرياضية التي تُنظم على سفوحه.

حمى نجران.. متحف مفتوح للنقوش الصخرية
في منطقة نجران، تقع محمية حِمى الثقافية، واحدة من أضخم مواقع الفن الصخري في العالم، وتضم آلاف الرسوم والنقوش التي توثق حياة الإنسان في شبه الجزيرة العربية منذ آلاف السنين. تمتد المحمية على أكثر من 550 كيلومترًا مربعًا، وتعرض مشاهد لصيد الحيوانات، واحتفالات، وطقوس دينية، محفورة بدقة في جدران الجبال. زيارة الموقع تُعد تجربة تأملية وروحية، إذ يشعر الزائر وكأنه يعبر بوابة إلى ذاكرة الجزيرة العربية.

مزيج من الروح والجمال
تجمع هذه الوجهات بين إرث ثقافي عميق وطبيعة ساحرة قلّ مثيلها. في كل زاوية من زوايا المملكة، تبرز مشاهد تأسر العيون وتحرك المشاعر، من الجبال إلى الصحراء، ومن البحر إلى الواحات. سواء كنتم من محبي التاريخ، أو المغامرة، أو الاستجمام على الشواطئ، فإن السعودية اليوم تفتح ذراعيها للعالم، وتدعوه لاكتشاف كنوزها المخبأة.
رحلة واحدة لا تكفي لاكتشاف كل هذا الثراء، لكنها كافية لتبدأ قصة حب مع أرض تأبى أن تُنسى في جنبات واحدة من أجمل دول العالم على الإطلاق.