صناع فيلم صوت هند رجب

خاص "هي" رسالة مهرجان فينيسيا 2025- "صوت هند رجب" لكوثر بن هنية.. للسينما قول آخر

أندرو محسن
4 سبتمبر 2025

واحدة من أفضل القصائد التي كُتبت بعد بدء الحرب على سكان غزة الفلسطينية هي ”تلك قضية“ للشاعر المصري مصطفى إبراهيم وغناها فريق كايروكي، والتي تصف بدقة، نظرة كثير من الغرب إلى الأزمة الإنسانية في فلسطين، والمعايير المختلفة للنظر والتفاعل مع ما يحدث. عنوان هذه القصيدة مناسب تمامًا للحديث عن فيلم ”صوت هند رجب“ للمخرجة التونسية كوثر بن هنية، والمعروض ضمن مسابقة مهرجان البندقية (فينيسيا) في دورته 82 المنعقدة حاليًا.

ليس هناك شك في كون كوثر بن هنية واحدة من أهم وأبرز المخرجين والمخرجات في العالم العربي، نجحت خلال فترة ليست طويلة، في صناعة عدد كبير من الأفلام، شاركت في أهم مهرجانات العالم، مثل كان وفينيسيا، وحصلت على جوائز عدة، كما رُشحت للأوسكار أيضًا.

صناع فيلم "صوت هند رجب"
صناع فيلم صوت هند رجب

أهم ما يميز بن هنية قدرتها على التقاط لحظات واقعية حساسة وذات تأثير كبير وتحويلها إلى أفلام، هذا ما فعلته من قبل مع ”على كف عفريت“ (Beauty and the Dogs) أو ”بنات ألفة“ (Four Daugthers). وبناء على الموضوع نفسه، تبدأ في اختيار الأسلوب السينمائي المناسب، وهكذا نجد أنها استخدمت أسلوب اللقطات الطويلة دون قطع مرة في على ”كف عفريت“، والدمج بين الروائي والوثائقي بشكل مميز جدًا في ”بنات ألفة“.

في ”صوت هند رجب“ تنجح المخرجة مجددًا في اقتناص موضوع شديد الأهمية، ومرة أخرى تجرب شكلًا مختلفًا في التنفيذ. لكن قضية هذا الفيلم تختلف تمامًا عن الأفلام السابقة في توقيت عرضه، وفي حساسيته. فالأفلام عن فلسطين ومن فلسطين لم تنقطع أبدًا، ولكن هذا الفيلم يقدم واحدة من الجرائم الحديثة الموثقة لجيش الاحتلال الاسرائيلي، والتي تعود لبداية عام 2024، وبالتالي لا زالت حاضرة في أذهان الكثيرين، كما يُعرض بموازاة الأزمة الإنسانية غير المسبوقة والتي خلفتها الحرب الحرب التي صنفتها عديد من المنظمات الدولية "إبادة" لا زالت مستمرة. هذا الإطار يضيف أهمية خاصة للفيلم ويرفع من حالة الترقب أيضًا.

كوثر بن هنية مخرجة قادرة على الدمج بين الفيلم الروائي والوثائقي
كوثر بن هنية مخرجة قادرة على الدمج بين الفيلم الروائي والوثائقي 

في الحقيقة حقق الفيلم الغرض المطلوب منه بإلقاء المزيد من الضوء ”سينمائيًا“ على ما يحدث حاليًا في غزة، بل إنه نجح في ذلك حتى قبل عرضه من خلال تفاعل عدد من فناني هولييود ومشاركتهم كمنتجين منفذين في الفيلم، مثل براد بت وواكين فينكس وروني مارا. يأتي الفيلم نفسه مخلصًا إلى حد كبير لما حدث في الساعات التي مرت خلال الاتصال الأول  والأخير بين الهلال الأحمر الفلسطيني والطفلة هند رجب التي كانت الناجية الوحيدة من إطلاق نار من جيش الاحتلال على السيارة التي تستقلها مع أقاربها، قبل أن تغتالها رصاصات الجنود لاحقًا.

تستخدم كوثر بن هنية التسجيلات الصوتية الحقيقية للطفلة داخل الأحداث، بينما تستعين بلقطات وثائقية قليلة قرب النهاية. كان الخيار الأفضل للفيلم هو عدم ظهور ممثلة لتقديم الطفلة بأي شكل ولا حتى مشاهد تمثيلية لعملية القتل نفسها. لا يوجد ما يمنع ظهورها بالتأكيد، ولكن مع سخونة الموضوع حاليًا كان يمكن اعتبار هذا بمثابة استدرار للمشاعر، وقد أدى الفيلم غرضه الحقيقي دون الحاجه إلى تقديم هذه المشاهد. وجاء عرض ”صوت هند رجب“ ضمن المسابقة جريئًا ويستحق التحية، فربما رأت مهرجانات أخرى عرضه خارج المسابقة مع أضواء أقل، لتجنب اتهامهم بالانحياز للجانب الفلسطيني.

الفيلم حققق المطلوب منه بإلقاء المزيد من الضوء ”سينمائيًا“ على قضية مهمة
الفيلم حققق المطلوب منه بإلقاء المزيد من الضوء ”سينمائيًا“ على قضية مهمة

هل يعد هذا الفيلم دعوة مباشرة للتعاطف مع الفلسطينيين؟ بالتأكيد نعم، ولكن من قال إن هذا يعد أمرًا مرفوضًا خاصة في مثل هذا التوقيت؟ ومن قال إن كل دعوة مباشرة هي فجة بالضرورة؟ في هذه القضية ينجح الفيلم في محاولة نقل ما حدث دون المتاجرة بالشخصية أو بالحدث. ولكن ماذا عن السينما؟ تلك قضية أخرى.

تدور أحداث الفيلم بالكامل داخل مكتب الهلال الأحمر، مع أربع شخصيات رئيسية، عمر (معتز ملحيس) الذي يتلقى اتصالات الاستغاثة، ومهدي (عامر حليحل) المسؤول عن التنسيق مع سيارات الإسعاف والجهات المعنية للاتفاق على مسارات آمنة لهذه السيارات، ونسرين (كلار خوري) المعالجة النفسية داخل الوحدة، ورنا (سجى كيلاني) إحدى الإخصائيات أيضًا. تبدأ الأحداث بما يبدو كأنه يوم تقليدي داخل هذه الوحدة، حتى أن أحدهم كان يلعب مع زميله ”حجرة، ورقة، مقص“، هذا التأسيس رغبت به المخرجة أن تجعله بمثابة الهدوء الذي يسبق العاصفة، وإن كان هدوءًا مصطنعًا، إذ أن التوقيت في بداية عام 2024 كان في ذروة العمليات العكسرية وبالتالي فإنه من ليس المنطقي على الإطلاق أن نشاهد الشخصيات وكأنها في يوم عمل عادي.

سريعًا تبدأ الأحداث مع وصول الاستغاثة من طرف هند، لتبدأ الشخصيات في التحرك ومحاولة إيجاد حلول لإنقاذها. يذكرنا الفيلم جدًا بـ ”The Guilty“ (مذنب) للمخرج غوستاف مول الذي كان أيضًا يدور بالكامل داخل غرفة تلقي اتصالات الاستغاثة التابعة للشرطة، ولكن هذا الأخير كان السيناريو الخاص به أكثر تماسكًا فنيًا، في حين جاء سيناريو كوثر بن هنية، به العديد من المعارك المتكررة بين الشخصيات، بجانب توضيحات لخطوات التنسيق لعمليات الإنقاذ والتي كان واضحًا أن المقصود بها هو الشرح للمشاهدين وليس للشخصيات داخل الفيلم. وإن كان هذا يمكن تمريره في ظل محاولة الالتزام بأن تدور الأحداث في إطار ما توفر من مواد مسجلة للمكالمات وفي إطار زمني ضيق أيضًا، بينما كان الجانب الأضعف هو أداء الممثلين بشكل عام، خاصة الرجلين، اللذين بالغا في انفعالاتهما بشكل غير مُقنع ومصطنع في عدة مشاهد، سواء في الهدوء في بداية الأحداث أو الغضب والحزن لاحقًا.

فيلم صوت هند رجب
تفاصيل وقصة فيلم صوت هند رجب

ربما كانت الفترة الزمنية الضيقة التي صُنع خلالها الفيلم، قد وضعت صناعه تحت ضغط للانتهاء منه سريعًا، وقد كنا لنشاهد نسخة أفضل لو كان الفيلم صنع في فترة زمنية مختلفة، ولكن يمكن القول إن الفيلم قد أدى جانبًا كبيرًا من المطلوب منه وربما يحدث المزيد من الأثر بعد عرضه بشكل أكبر لاحقًا.

الصور من حساب Joaquin Phoenix على انستجرام.