فيلم فرانكنشتاين يعرض في مهرجان فينيسيا

خاص "هي" رسالة مهرجان فينيسيا 2025- "فرانكنشتاين" غييرمو دل تورو يُحيي الوحش فهل نجح في إحياء الفيلم؟

أندرو محسن
1 سبتمبر 2025

رواية ”فرانكنشتاين“ لماري شيلي من أكثر الأعمال الأدبية التي قُدمت بمعالجات مختلفة على شاشة السينما. فيكتور فرانكنشتاين العالِم الذي يرغب في التغلب الموت فيصنع مسخًا ويُحييه باستخدام صاعقة كهربية ليتحول هذا المسخ إلى لعنة تطارده.

رغم المعالجات السينمائية الكثيرة التي قُدمت، فإن هذه الرواية تبدو وكأنها كتبت خصيصًا للمخرج المكسيكي غييرمو دل تورو، هذا المُخلص للعوالم الخيالية ولا تخلو أفلامه من وحوش بعضها طيب وبعضها شرير مثلما في ”Pan’s Labyrnith“ (متاهة بان)، وبعضها رومانسي أيضًا مثلما في ”The Shape of Water“ (شكل الماء) الذي حصل عنه على الأسد الذهبي في مهرجان البندقية (فينيسيا) قبل عدة سنوات.

”فرانكنشتاين“ هو مشروع أشبه بالحلم لدل تورو، وانتهى منه أخيرًا بميزانية ضخمة من إنتاج نتفليكس، ليشارك مرة أخرى في مسابقة البندقية. لكن النتيجة جاءت على غير المنتظر من المخرج الحاصل على الأوسكار. يقدم المخرج وكاتب السيناريو معالجته في فصلين رئيسيين، الأول يُروى من وجهة نظر فيكتور فرانكنشتاين (أوسكار آيزاك) وخلاله يتحدث عن انشغاله بفكرة الموت وإمكانية التغلب عليه منذ طفولته، مرورًا بتجاربه المختلفة إلى أن نجح في إحياء الوحش، والثاني من وجهة نظر الوحش (جاكوب إلوردي) الذي يتحدث عما حدث له بعد أن تركه فرانكنشتاين يواجه مصيره.

عرض فيلم فرانكنشتاين في مهرجان فينيسيا
عرض فيلم فرانكنشتاين في مهرجان فينيسيا

تستمد الرواية الأصلية قوتها من الأفكار الكثيرة التي تطرحها: جموح العلم، والحياة والموت، السلطة، وغيرها من الأفكار، التي لا تسقط بالتقادم بل يمكن إعادة زيارتها عدة مرات أو كما قال دل تورو نفسه "إنها رواية تتغير مع تغيرك". ذهب دل تورو إلى خيار أنسنة الوحش في مقابل شيطنة فرانكنشاتين نفسه، وهو خيار مقبول ومفهوم السياق، خاصة ونحن نشاهد الكثير من الأفلام مؤخرًا التي تتحدث عن توحش البشر بشكل أو آخر. لكن تأتي مشكلة الفيلم الأساسية في التناول السطحي لهذا الطرح. فجميع الشخصيات في الفيلم أحادية البعد تمامًا.

فيكتور فرانكنشتاين يظهر في صورة العالم المغرور الذي لا يهمه سوى الوصول إلى هدفه دون الاهتمام بأي شخص آخر حوله، ولهذا فهو يتعامل مع الوحش منذ البداية بقسوة مبالغ فيها، وإن كانت قسوته مع الوحش يمكن إرجعاها إلى أنه ينظر إليه بنظرة دونية ويصفه ب "الشيء" فطريقته الجافة في التعامل مع الآخرين كانت أيضًا غير مُقنعة، وإن حاول الفيلم تبريرها بطريقة عفا عليها الزمن، وهي قسوة الأب على فيكتور وهو صغير.

تفاصيل وأحداث مشوقة يحملها فيلم فرانكنشتاين
تفاصيل وأحداث مشوقة يحملها فيلم فرانكنشتاين

يستمر هذا التسطيح إلى شخصيات أخرى مثل إليزابيث (ميا جوث) خطيبة شقيق فيكتور، والتي تظهر بشكل مثالي تمامًا، وتمثل الجانب الطيب أمام الوحش، حتى أنها تصف نفسها بأنها "مكانها ليس في هذا العالم"، وهذا الجملة تأخذنا إلى مشكلة الفيلم الأخرى، وهي الحوار المباشر، والذي لا يدع مجالًا للخيال على الإطلاق، فالوحش (الذي تعلم الكلام منذ فترة قصيرة) يُلقي جملًا مركبة وعميقة بشكل لا يناسب شخصيته ولا نحتاج إلى أن نستمع إليه إذ أن الصورة تكفي، خاصة عندما نتحدث عن دل تورو الذي صنع قصة حب رائعة بين وحش لا يتحدث وامرأة بكماء في "شكل الماء. لا يعطينا الفيلم مساحة حقيقية للخروج بتصورات أعمق عما يقدمه بل يطرح أمامنا كل شيء، حتى أنه يمكن توقع ما ستقوله الشخصيات، أو ما سيحدث في المشهد التالي حتى وإن كنت لم تقرأ الرواية أبدًا.

فيلم فرانكنشتاين أبرز إنتاجات شبكة نتفليكس
فيلم فرانكنشتاين أبرز إنتاجات شبكة نتفليكس

هنا تبدو أكبر أزمات هذا الفيلم، وهي أنه يشبه الكثير من أعمال دل تورو السابقة، وكأنه صنع بالفعل وحشه الخاص بجمع تفاصيل من هنا وهناك. دون أن يرقى إلى أي منها. فالعالم نفسه يبدو قريبًا مما قدمه في "Crimson Peak" (القمة القرمزية) الفيلم الذي ربما يعده البعض أضعف أعمال دل تورو، وإن كان مميزًا بشكل واضح على مستوى الصورة. بينما هناك مشاهد قتال تذكرنا بـ "Hellboy" (هلبوي) وإن كانت لا ترقى إلا متعتها أو تضيف الكثير إلى الأحداث، بل على العكس جاء بعضها غير منطقيًا، فبينما ينجو فيكتور من العديد من الضربات العنيفة طوال الوقت، نجد شخصيات أخرى تموت من أقل ضربة، وكأن فيكتور بطل خارق وليس إنسانًا عاديًا.

ربما يكتسب "فرانكنشتاين" بعض الآراء الجيدة عند عرضه على نتفليكس قريبًا، فالقصة الأساسية لا زالت عابرة للأزمان، ولكن عندما نتحدث عن مخرج بحجم دل تورو فبالتأكيد لا يبدو أن هذا الفيلم يقترب من مستوى أعماله السابقة.