الفائزون بالأوسكار 2025

خاص "هي": الذكاء الاصطناعي في الأفلام... تطوير سينمائي أم قضاء على الأصالة الفنية؟!

إيهاب التركي
13 مايو 2025

الزمان: المُستقبل القريب.

المكان: صالة مسرح كوداك في مدينة لوس انجلوس.

لحظة النُطق بإسم الفائزة بجائزة أوسكار أفضل مُمثلة عن دور رئيسي، الصمت يعم القاعة، ومُقدم الجائزة الإيطالي الأصل يتلكأ ويلقي مزيد من النكات بلكنة مُضحكة، ووجوه النجمات المرشحات للجائزة يبدو عليها التوتر رغم الإبتسامات الساحرة، الممثلة "إيما ستون" تبدو هادئة وواثقة من فوزها بالجائزة؛ لقد حصدت جائزة أفضل مُمثلة عن دورها الإستثنائي أكثر من عشر مرات، وأحتشد مكتبها بعشرات الجوائز البراقة، وحرصت على ترك مساحة على رف جوائزها لتمثال الأوسكار الذهبي.

وتذهب الأوسكار إلى ...!

خفق قلب إيما وباقي المُرشحات مع تمزيق حواف الظرف المُغلق بإحكام، نطق مُقدم الجائزة بأخر نكاته وأخرج ورقة الفائزة، تأمل الإسم قليلًا وخفتت إبتسامته الساذجة، نظر حوله وظن الأمر نُكتة، طال صمته وأشار له مُخرج العرض يستحثه على الكلام، ونطق بتردد إسم الفائزة ووجم الجميع. كانت ترشيح هذه الفائزة نُكتة إعتبرها البعض تقليعة جديدة للأكاديمية، لكن فوز مُمثلة مصنوعة بالذكاء الصناعي بالأوسكار فاق حدود إحتمال الجميع، وكان صوت "ميريل ستريب" صاخبًا وحادًا وهي تصف ما يحدث بالمهزلة.

الفائزين بالأوسكار
الفائزين بالأوسكار

ربما يكون ما وصفته مُجرد خيال مُستقبلي، لكنه قابل للتحقق بعد خطوة أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة الأخيرة، إذ أثارت الدهشة والجدل بعد أن كشفت عن تعديلات جديدة في قواعدها لمنح جوائز الأوسكار لعام 2025 تتعلق باستخدام الذكاء الاصطناعي في صناعة الأفلام. جاء هذا القرار على خلفية نقاشات حادة أعقبت تقديم فيلمي "The Brutalist" و"Emilia Pérez" اللذين اعتمدا بشكل واضح على هذه التقنية الحديثة، وتنافسا بقوة على جوائز الأوسكار الماضي.

"Emilia Pérez"
"Emilia Pérez"

قواعد جديدة!

تنص القاعدة الجديدة على أن استخدام الذكاء الاصطناعي لن يحرم الفيلم من فرصة الترشح، بشرط أن يظل "دور الإنسان" محوريًا في العملية الإبداعية. بعبارة أخرى، إذا كان الذكاء الاصطناعي أداة مساعدة فقط، ولم يتجاوز دور المخرج أو الممثل في التحكم بالرؤية الفنية، فإن الفيلم يبقى مؤهلاً. يعكس هذا القرار رغبة الأكاديمية في مواكبة التطور التكنولوجي دون التفريط بالقيمة الفنية التي يقدمها العنصر البشري، لكنه في الوقت ذاته يفتح الباب أمام تساؤلات جوهرية حول مستقبل السينما.

هل سيظل الإبداع البشري هو القوة الدافعة وراء صناعة الأفلام، أم أن الذكاء الاصطناعي سينتزع زمام المبادرة؟ فيلم "The Brutalist" استخدم التقنية لتعديل أصوات أدريان برودي وفيليسيتي جونز لتبدو مجرية أصيلة، إلى جانب تصميم مشاهد مدن مدمرة بعد الحرب، بينما اعتمد "Emilia Pérez" على الذكاء الاصطناعي لخلق تحولات بصرية وتحسين الأغاني، مما جعل هذين العملين محور نقاش حول حدود التكنولوجيا في الفن.

"Emilia Pérez"
فيلم "Emilia Pérez"

يعد فيلم "The Brutalist"، من إخراج برادي كوربيت، أكثر من مجرد عمل درامي تاريخي يروي قصة مهندس مجري نجا من الهولوكوست؛ إنه تجربة تقنية جريئة أثارت انقسامًا بين النقاد. استخدم الفيلم الذكاء الاصطناعي لتعديل أصوات الممثلين لتبدو وكأنهم يتحدثون اللغة المجرية بطلاقة، مما دفع البعض للتساؤل: هل يمكن اعتبار هذا الأداء تعبيرًا بشريًا أصيلاً أم أن التقنية قد طغت عليه؟ ورغم الجدل، حصد الفيلم جائزة أفضل تصوير بفضل مشاهد بصرية مذهلة أعادت بناء أوروبا المدمرة بعد الحرب بدقة متناهية بمساعدة الذكاء الاصطناعي.

فيلم "The Brutalist"
فيلم "The Brutalist"

سينما تفاعلية!

في المقابل، قدم "Emilia Pérez"، الفيلم الموسيقي للمخرج جاك أوديار، تجربة مختلفة، حيث استخدم تقنية الذكاء الإصطناعي لخلق تحولات بصرية مذهلة للشخصية الرئيسية، تحول من رجل عصابات إلى امرأة تبحث عن هويتها، مع تحسين الأغاني لتصبح أكثر تأثيرًا عاطفيًا. لكن هذا الاستخدام أثار مخاوف من "التزييف العميق" في المشاهد الغنائية، مما دفع الأكاديمية للتشديد على أهمية بقاء الإبداع البشري في المقدمة، والذكاء الاصطناعي كأداة مساندة فقط. كلا الفيلمين لم يكتفيا بإبهار الجمهور تقنيًا، بل وضعا حجر الأساس لنقاش أعمق حول كيفية تغيير الذكاء الاصطناعي لقواعد السينما، سواء في التمثيل أو الإخراج أو حتى التجربة البصرية.

لم يعد الذكاء الاصطناعي حلمًا بعيد المنال في عالم السينما، بل أصبح واقعًا ملموسًا يتشكل عبر مشاريع مبتكرة. شراكة "ميتا" مع "بلومهاوس" أثمرت عن أداة "Movie Gen" التي تحول نصوصًا بسيطة إلى مقاطع رعب كاملة، ويستخدمها مخرجون مثل كايسي أفليك لإنتاج أفلام متوقع صدورها عام 2026. كذلك، تقدم "LTX Studio" من Lightricks إمكانية كتابة سيناريو وإنتاج فيلم كامل دون الحاجة إلى كاميرا، مع خطط طموحة لإطلاق أفلام طويلة مصنوعة بتقنية الذكاء الإصطناعي بحلول 2027. وفي مجال الواقع الافتراضي، يجرب مخرجون مثل لينيت وولويرث أفلامًا تفاعلية تتغير بناءً على اختيارات المشاهد، وهو توجه قد يصبح سائدًا بحلول 2030. هذه المشاريع لا تقتصر على كونها تقنيات حديثة، بل تعيد تعريف السينما كتجربة تتجاوز القصة التقليدية إلى عالم تفاعلي يعيشه الجمهور.

"Emilia Pérez"،
"Emilia Pérez"

كائنات رقمية!

يبقى التمثيل أحد أكثر المجالات حساسية في مواجهة الذكاء الاصطناعي. في "The Brutalist"، كان تعديل أصوات أدريان برودي وفيليسيتي جونز خطوة تقنية ساعدت على تعزيز الأداء، لكن في "Emilia Pérez"، استخدام "التزييف العميق" لتحسين الأداء الغنائي أثار قلقًا أكبر: هل يمكن أن يحل الذكاء الاصطناعي محل الممثلين؟ تجارب مثل فيلم "Morgan" عام 2016 و"Robots" عام 2023 أنتجت شخصيات رقمية بالكامل، بينما تتيح "LTX Studio" خلق ممثل افتراضي من الصفر. هذا الاتجاه دفع الممثلين إلى الاحتجاج خلال إضراب هوليوود 2023، مطالبين بحماية من استبدالهم بكائنات رقمية. ومع ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون حليفًا، كما ساعد برودي على إتقان المجرية دون تعلمها فعليًا. التحدي يكمن في طريقة استخدامه: هل لدعم الموهبة البشرية أم لإلغائها؟ الممثلون الجدد قد يواجهون تقلصًا في الفرص، بينما يملك المخضرمون نفوذًا قانونيًا أكبر لحماية حقوقهم. لكن القلق يظل مشتركًا: هل سيبقى التمثيل تعبيرًا بشريًا أم سيصبح مجرد صورة رقمية؟ إن مستقبل هذا الفن يعتمد على قدرة صناع السينما على تسخير التقنية لخدمة الإبداع، لا للقضاء عليه.

"The Brutalist"
"The Brutalist"

يتجاوز الذكاء الاصطناعي التمثيل ليقتحم مجالات الإبداع الأساسية مثل كتابة السيناريو والموسيقى. أداة "Movie Gen" قادرة على صياغة مشاهد رعب من نصوص أولية، لكن هل تمتلك الحدس العاطفي لكاتب بشري؟ في "Emilia Pérez"، حسّن الذكاء الاصطناعي الأغاني لتصبح أكثر جاذبية، لكن البعض اعتبر أن ذلك يقلل من "الروح" البشرية في العمل.

ثورة مستمرة!

كتابة السيناريو قد تصبح يومًا مجالًا للخوارزميات، لكن العمق الدرامي والإحساس الحقيقي يظلان تحديًا أمام الآلات. في الموسيقى، يعدل الذكاء الاصطناعي النغمات ويبتكر إيقاعات جديدة، كما حدث في "Emilia Pérez"، لكن السؤال يبقى: هل هذا إبداع أصيل أم مجرد محاكاة؟ الاعتماد الزائد على التقنية قد يحول الفن إلى نتاج ميكانيكي يفتقر إلى الحياة، ولكنها قد تفتح أبوابًا للتعبير لم تكن متاحة من قبل. التحدي يكمن في الحفاظ على توازن دقيق.

"Emilia Pérez"
"Emilia Pérez"

في عالم المؤثرات البصرية، يقود الذكاء الاصطناعي ثورة لا تتوقف. فيلم "The Brutalist" أعاد بناء مدن مدمرة بتفاصيل مدهشة بسرعة وتكلفة أقل بكثير مما كان معهودًا، مما يمثل تقدمًا لا جدال فيه. المشاهد المعقدة التي كانت تستغرق أشهرًا أصبحت تُنجز في أيام، مانحةً المخرجين حرية أكبر في تحقيق رؤاهم. هذا التطور يتيح للسينما استكشاف عوالم جديدة وتقديم تجارب بصرية غير مسبوقة، لكن السؤال الأكبر لا يكمن هنا، بل في مدى تدخل الذكاء الاصطناعي في الجوانب الإبداعية الأساسية كالتمثيل والسيناريو. هل ستبقى السينما تعبيرًا بشريًا مدعومًا بالتكنولوجيا، أم ستتحول إلى منتج آلي خالٍ من الروح؟ إن النجاح في هذا المجال لا يعني فقط تحسين الصورة، بل الحفاظ على الجوهر الإنساني الذي يجعل الفن مؤثرًا.