قصة توماس موناهان مؤسس "دومينوز بيتزا": رجل لا يعرف الإستسلام
تعتبر سلسلة مطاعم "دومينوز بيتزا" Domino’s Pizza ثاني أكبر سلسلة لمطاعم البيتزا في الولايات المتحدة الأميركية، مع أكثر من تسعة آلاف فرع على إمتداد 60 دولة، وأكثر من 150 ألف شخص عاملا. إلا وكما لكل قصة نجاح، حكاية... فحكاية توماس موناهان مؤسس "دومينوز بيتزا" مثال رائع لشاب بدأ من العدم ومن الصفر تماما، وقف في وجه الظروف المحيطة والتجارب والإنهيار، للوصول الى القمة.
من مواليد العام 1937، توفي والد توماس أو طوم عندما كان صغيرا في السن، فاضطرت والدته وضعه مع أخيه في ملجأ للأيتام في ولاية ميتشغيان الأميركية، بعد عجزها عن الإنفاق عليهما. إلا أن فشله في الإلتزام بالنظام داخل الملجأ، أجبر راهبات الملجأ على طرده. لتوفير المال اللازم للإلتحاق بالجامعة، عمل موناهان كسائق سيارة نقل، ودرس لمدة ربع فصل دراسي، حصد خلاله الدرجات العالية، لكن الأجر من عمله الأول لم يكن كافيا، فقرر الإلتحاق بمشاة البحرية الأميركية في العام 1956 وسرح منها بمرتبة الشرف في العام 1959، مدخرًا نصف ما حصل عليه خلال هذه الفترة في مشروع تجاري لم يحصد النجاح. لم يتملك اليأس موناهان، فقرر العمل كمشرف على توزيع الصحف والجرائد اليومية، ثم بدأ بنفسه خدمة توصيل الجرائد اليومية الى المنازل في مدينة نيويورك.
في صيف العام 1960، عرض جيمس موناهان على أخيه توم مشاركته لشراء محل بيتزا صغير معروض للبيع، اسمه دومينيكز DomiNick’s يقع على مسافة قريبة من جامعة ميتشيغان. دفع الأخوان 500 دولار وإقترضا 900 أخرى لشراء المطعم، ورغم أنه لم يكن يفقه شيئا في طريقة صنع البيتزا أو في مجال إدارة المطاعم، تعلمّ توماس خلال ربع ساعة فقط طريقة صنع البيتزا من صاعب المطعم. وكان عمره فقط 23 عاما عندما بدأ بالمشروع التجاري الذي فتح له باب النجاح والشهرة.
صعوبة التجربة في سنتها الأولى وعدم تحقيق أي ربح يذكر، أدى الى إنحساب جيمس من المشروع، فما كان من توماس إلا أن قايضه بسيارة فولكس فاغن كانا يستخدمانها لتوصيل الطلبات.
بقي توماس وحيدا عازما على الإستمرار في إدارة المطعم. في عطلة أسبوعية، غاب نصف فريق العمل عن المطعم بعد تأخر توماس في سداد مستحقاتهم، وكان للصدفة أكثر يوم مكتظ للمبيعات من طلاب الجامعات القريبة. فعمد توم للتمكن من مواكبة الطلبات داخل المطعم والخارجية الى تصغير حجم البيتزا وتقديم نوع واحد. لكن الزبائن لم تمانع واستمرت بالشراء. بدأت الأرباح تعرف طريق طوم، وجمع من الأموال ما يكفي لشراء محلين إضافيين. واجه مشكلة مع المالك السابق للمطعم الذي لم يسمح له بإستخدام اسمه في مطاعم أخرى، فبدأت آنذاك رحلة البحث عن إسم جديد، إلى أن اقترح أحد رجال التوصيل الإسم الحالي "دومينوز بيتزا". إهتم طوم بتفاصيل عمله وبكل شائبة صغيرة وكبيرة، فوظّف متذوقين مكفوفي البصر ليختبروا جودة عجائنه، واستبين آراء الشارع العادي في كل شيء، وإكتسب حب وتعاون فريق عمله.
مع تحسنّ الأحوال وزيادة الأرباح، إكتشف طوم أسلوب "الفرانشايز"، أعجب بالفكرة وبالعوائد المالية الكبيرة التي يحققها، وعمد الى الإقتراض لزيادة فروع الشركة الذي وصل الى 44 فرع في وقت قصير، وتأمين نظام حسابات وإتقان خدمة التوصيل الى المنازل التي لم تكن منتشرة كثيرا في وقتها. للأسف، طبقّ توم الطريقة بشكل خاطئ، فوجد نفسه بعد شهور بأنه وظف عددا كبيرا من الموظفين لا يفعلون أي شيء يدرّ بالأرباح وعانت المحلات الجديدة بالزحام وبطء التسليم. إنتهى الأمر بتوماس بخسارة 51% من شركته للبنوك المقرضة.
خسر توم كل شيء، وبدأ الدائنون يطاردونه، وبدأت محلات "فرانشايز" بفسخ عقودها معه. إستعان بخبير إداري كان من المفترض به إعادة الأمور إلى نصابها، لكنه على العكس أضر أكثر مما نفع، فخفض نفقات الخدمات والتسليم، وأمر الفروع باستخدام الرخيص من مكونات البيتزا. بدأ المتعهدون رفع دعاوي قضائية، فقررت البنوك التي فقدت أملها في إصلاح الوضع إعادة تسليم الإدارة للمؤسس طوم موناهان، الذي عاد سعيدا لشركته ولم يأبى الإستسلام.
بدأ طوم يستجدي الموردين ويستعطف المتعهدين والمدينين لإلغاء شكاويهم القضائية. سنتان من الصراع اليومي والعمل الشاق، تولى طوم الدفاع عن نفسه بنفسه في القضايا المرفوعة عليه، والعيش في بيت بلا أثاث وقيادة سيارات تسليم البيتزا القديمة، وإنخفض عدد العاملين في محله الرئيسي من 29 عاملا الى ثلاثة، اثنان منهم توم وزوجته. بعد هذه المعاناة، إستطاع طوم أن يسددّ كل الديون، وبدأت سلسلة مطاعم "دومينوز بيتزا" في التعافي وإسترداد زبنائها.
بعد تسديد جميع الديون، إشترى طوم المزيد من المحلات، وعاد العملاء يريدون إستغلال اسمه تجارياً مرة أخرى، فتعلّم من أخطائه السابقة وطبّق نظام "الفرانشايز" بطريقة صحيحة، وأطلق فكرة نظام التوصيل خلال 30 دقيقة وإلا فإن البيتزا مجانية، وطوّر برامج تحفيزية للموظفين، وقد اعتبر في ذلك الوقت أفضل نظام تعهيد لفترات طويلة. وفي العام 1980 إفتتح طوم أول فرع له خارج البلاد في كندا.
في العام 1989 قررّ طوم التنحي عن إدارة الشركة، إستعدادا لبيعها لاحقا، وقضاء بقية حياته في خدمة الكنيسة الكاثوليكية، لكن دخول "بيتزا هات" ساحة المنافسة وتفوقها في تسليم البيتزا، أدى الى إنهيار الشركة مجددا وغرقها بالديون بغياب مؤسسها. فما كان من طوم إلا أن عاد لإنقاذ الشركة مجددا، وفي العام 1999 باع 98% من أسهم الشركة لشركة إستثمارية، ووصلت فروع الشركة اليوم الى أكثر من 8000 فرع حول العالم.