السينما امرأة .. يصنعها الرجال

إعداد: عمرو رضا رغم أن السينما العربية قامت بالأساس على أكتاف مجموعة من النساء تتقدمهن الرائدة "عزيزة أمير" وسيدة الإنتاج العربي "آسيا داغر" والمخرجة الممثلة "فاطمة رشدي" و"بهيجة حافظ" إلا أنها خضعت طوال تاريخها للرجال الذين هيمنوا تأليفا وإخراجا وتمثيلا وإنتاجا على مفاصل هذه الصناعة التي تعد بحق "فن القرن العشرين" الأكثر تأثيرا في صناعة وجدان شعوب العالم. لهذا ظهرت المرأة على الشاشة الكبيرة دوما وفقا لمخيلة الرجل وتطلعاته التي توقفت غالبا عند حدود الجسد فلم يكن هناك فيلم إلا وتحدث عن المرأة، فهي الحبيبة، الزوجة، العشيقة، الأم، الأخت، إنما قليلة هي الافلام التي تحدثت عن المرأة كصاحبة حق، بل نادرة هي الافلام التي ناقشت الجانب الآخر من مشاكل المرأة وحياتها والأكثر ندرة الأفلام التي نجحت فى استعادة حقوق المرأة في المشاركة في تحرير وطنها والحق في التعليم ثم العمل والمساواة وغيرت الكثير من تصورات العالم عن المرأة الشرقية. "أريد حلا" لعل الفيلم الأكثر تأثيرا في مجال حقوق المرأة هو رائعة سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة "أريد حلا " سيناريو وإخراج سعيد مرزوق، وحوار سعد الدين وهبة عن قصة للكاتبة حسن شاه، فهو الذي حرك الكثير من المياه الراكدة في مجال قوانين الأحوال الشخصية الظالمة لحقوق المرأة، وتاثيره لم يتوقف عند نجاحه في إقناع المجتمع بقسوة ما تتعرض له المرأة من اضطهاد في حقوقها الشخصية ، وإنما تخطى ذلك ليصبح أول فيلم عربي حاول الكشف عن الثغرات التي يحتويها قانون الأحوال الشخصية في مصر وساهم في تغييره. تدور قصة الفيلم حول درية التي تقوم بدورها فاتن حمامة، التي تستحيل الحياة بينها وبين زوجها الدبلوماسي مدحت "رشدي أباظة" فتطلب منه الطلاق ولكنه يرفض فتضطر للجوء إلى المحكمة (الشرعية) لرفع دعوى طلاق. و تدخل درية في متاهات المحاكم وتتعرض لسلسلة من المشاكل والعقبات التي تهدر كرامتها وتتعقد الأمور عندما يأتي الزوج بشهود زور يشهدون ضدها في جلسة سرية فتخسر قضيتها بعد مرور أكثر من أربع سنوات. وفي هذه الجولة تكشف قاعات المحاكم عن الكثير من مآسي المرأة الباحثة عن حقها في الطلاق أو النفقة. "جميلة" المرأة الباحثة عن حرية أمتها لن تجدها كاملة الأوصاف إلا في هذا الفيلم الذي يعد واحدا من أروع افلام السيرة الذاتية العربية والوحيد الذي أنصف وأرخ لدور المرأة الجزائرية في مواجهة الاستعمار الفرنسي الشرس وصرخة ضمير هزت الإنسانية جميعا وشرخت صورة فرنسا معقل الحرية في المجتمع الدولى ، بعدسة المخرج الكبير الراحل يوسف شاهين وتأليف حائز نوبل في الآداب نجيب محفوظ و عبد الرحمن الشرقاوي وعلي الزرقاني ومن بطولة الممثلة والمنتجة ماجدة ونخبة من نجوم السينما العربية ، وقد ساهم هذا الفيلم في تسريع وتيرة خروج فرنسا من الجزائر التى تحررت بعد عرض الفيلم بثلاث سنوات. "مراتى مدير عام" الكاتب سعد الدين وهبة ستجده حاضرا في فيلم آخر لا يقل تأثيرا في مسيرة الدعوة لاستعادة حقوق المرأة ولكن في العمل وهو "مراتي مدير عام" من بطولة صوت مصر الفنانة "شادية" والممثل صلاح ذو الفقار والنجم عادل إمام ، ومن إخراج أكثر مخرجي الكوميديا استنارة "فطين عبد الوهاب" الذي نجح مع فريق العمل في ترويض تشدد المجتمع تجاه تولى المرأة المناصب القيادية مفندا كل الحجج الدينية والإجتماعية والأخلاقية. الفيلم الحائز على جائزة المركز الكاثوليكي لأحسن فيلم في عام 1966 يتعرض لقضية حقوق المرأة من خلال مناولة طريفة، حيث يعمل الزوج مهندسا بإحدى شركات المقاولات، وتصادف أن زوجته أصبحت مديرته في العمل، وينبع من هذا العديد من المفارقات من زملائه في العمل واختلاف طباع زوجته في التعامل معه في العمل عن المنزل. ويتأزم الموقف بينه وبين زوجته رغم عدم تقصيرها في واجبها كزوجة في البيت ونجاحها في إدارة عملها بالشركة، حيث حققت الكثير من الإنجازات، ورغم العراقيل تطلب الزوجة النقل من الشركة حفاظًا على بيتها وزوجها الذى أصبح سريع الغضب ويثور لأتفه الأسباب. و يشعر الموظفون بعدها بالندم لنقلها ويطلب زوجها نقله للمصلحة الجديدة التى بها زوجته فقد أدرك قيمتها الحقيقية في العمل. "الأستاذة فاطمة" الحق في التعليم والعمل والإقرار بأن قدرات المرأة قد تكون أفضل من الرجل الرسالة المباشرة لفيلم فطين عبد الوهاب "الأستاذة فاطمة" للفنانة فاتن حمامة والنجم كمال الشناوي ، وتدور أحداثه حول فتاة تتخرج في كلية الحقوق وتقرر أن تفتح مكتبًا للمحاماة و يرفض خطيبها المحامي أيضا عملها بحجة أن المحاماة مهنة الرجال فتتحداه لتثبت له أنها متفوقة و يشتد التنافس بينهما ، ويتعرض خطيبها لمؤامرة تورطه في جناية قتل وتنجح فاطمة في إثبات براءته. "أنا حرة" هذا العمل أحد أهم الأفلام الواقعية التي دافعت عن حقوق المرأة في تاريخ السينما المصرية وأنتج عام 1958، رؤية المخرج المستنير صلاح أبو سيف عن قصة لاحسان عبد القدوس وبطولة لبنى عبد العزيز وشكري سرحان. تدور أحداثه حول فتاة نشأت في مجتمع ذكوري لا يعطي للمرأة حقها، ولكنها تتمرد على هذا الوضع، وتدخل الجامعة، فتكتشف أن أمانيها في الحرية هي أشياء بسيطة بالنسبة لمعنى الحرية الحقيقي. "الباب المفتوح" عندما تقف كاتبة بقامة لطيفة الزيات خلف عمل سينمائي ، نشاهد فيلما بقيمة "الباب المفتوح" الذى أنتج عام 1963، من إخراج هنري بركات و بطولة فاتن حمامة و صالح سليم و محمود مرسي و حسن يوسف ، وهو من أعظم أفلام السينما المصرية في مزجه بين قضية حقوق المرأة وقضية الوطن وقضية الصراع بين القيم الجديدة والقديمة استنادا الى العمل الروائي الأصلي الذى يعد البداية الفعلية التي فتحت الطريق أمام الرواية الواقعية للكاتبات المصريات، وتعتبر لطيفة الزيات أحد أهم رواد التيار الواقعي في الرواية المصرية في الخمسينات من القرن العشرين. تعكس الرواية الفترة من 1946 إلى 1956 ومقاومة الشعب المصري للاستعمار الإنجليزي ومعركة بورسعيد، وتؤكد على أهمية الالتحام الشعبي والترابط بين كافة أفراد الشعب المصري في سبيل الدفاع عن الوطن. وقد غطت الرواية فترة هامة في تاريخ مصر الحديث، وتخطت الاهتمام بالقضايا السياسية إلى الاهتمام أيضا بالقضايا الاجتماعية آنذاك والتي تمثلت في التأكيد على أهمية مشاركة المرأة مع الرجل في الدفاع عن مصر وأن تخرج المرأة من عزلتها ومن داخل الأسوار التي فرضتها عليها الأعراف والتقاليد. هل توقفت المسيرة عند هذا الحد؟ بالطبع لا فنحن توقفنا هنا أمام الأفلام المؤسسة لقيم حرية المرأة وصاحبة السبق في الدفاع عن حقوقها ولكن القائمة تطول لتضم أعمال المخرجة التونسية الكبيرة مفيدة التلاتلي وبخاصة فيلمها الأشهر Les  silences du palais "صمت القصور"، و المخرجة السعودیة عهد كامل، والمخرجة والممثلة اللبنانيّة فرح شاعر.