Thierry Wasser مصمم العطور الشهير

زار مصمم العطور العالمي الشهيرThierry Wasser  دبي لإطلاق مجموعة العطور الحصريةLes Exclusives  من غيرلانGuerlain  في "باريس غاليري" في "دبي مول" ، و"مول الإمارات".
تقابلنا في الفندق الجميلAddress Downtown  في دبي، وبدأ تييري حديثه عن إطلاق المجموعة الحصرية قائلا: من المذهل أن نقدم مجموعتنا الحصرية الاستثنائية هنا، بعد أن كانت حتى الآن متوفرة فقط في باريس، فصارت الآن موجودة في دبي وجدة. وألفت الانتباه إلى أن هذه المجموعة كبيرة ومتنوعة جداً، فلا تخولك الحصول على عطور مثل "شاليمار"Shalimar  و"إيديل"Idylle  فقط، بل تتضمن أيضاً منتجات حصرية أكثر، مثل مجموعة "الفن والمادة"L’Art et la Matiere  التي تحتوي على سبعة عطور مختلفة تتميز ببنيتها الفريدة، ومنها أخيراً عطر "تونكا إمبراطورية"Tonka Imperiale ، وعطر "الفستان الأسود القصير"La Petite Robe Noire  الذي يلقى استحسان الجيل الشاب.

من بداية حوارنا، أدركت كم أن هذا العطار السويسري الذي تخرج من "جيفودان"Givaudan  مولع بالعطور التي يتحدث عنها بحماسة كبيرة ولهفة لافتة. قبل أن يعين عطاراً لدار "غيرلان"Guerlain  الأسطورية في العام 2008، عمل تييري في "فيرمنيك"Firmenich  في نيويورك، حيث ابتكر عطوراً رائجة مثل "ديور أديكت"Dior Addict . أما منصبه الحالي، فإنجاز كبير باعتبار أنه أول شخص خارج عائلة غيرلان تعينه الدار البالغة من العمر 182 سنة.

قبل أن أسأله عن علاقته بـ"جان بول غيرلان"Jean Paul Guerlain ، بدأ تييري التحدث عن معلمه:
"هو جان بول غيرلان، تعلم على يدي جده جاك غيرلان، لكن حين التقيته للمرة الأولى، وسألته عما علمه إياه جده، جاوبني لا شيء. قلت له متعجباً إن جده كان معلمه، ولم يعلمه شيئاً. فشرح لي جان بول: تعرف جيداً أن عملنا صعب الوصف، فهو غير مادي ومجرد، لذلك تعلمت من خلال المراقبة. لذا قلت له بعدها: حسناً، إذاً، تابع عملك وأنا سأراقبك. ما زال جان بول يعمل على العطور، لكن فقط في بيت غيرلان. وقد أعد أخيراً عطرين رجاليين، أحدهما جلدي، والآخر خشبي.
وسأخبرك أيضاً عن مجموعتنا "الباريسيات"Les Parisiennes . هل تعرفين لم أسميناها بـ"الباريسيات"؟ حسناً، نملك مصنعاً كبيراً جداً، لأننا ابتكرنا عدداً هائلاً من العطور عبر السنوات الـ182 الأخيرة. وهناك بعض العطور التي لم نعد ننتجها، وهو ما جعل أصوات بعض النساء الباريسيات تعلو وتصرخ: "لماذا أوقفتم هذا العطر؟ وذاك؟". وحين اكتفينا من صراخ النساء، قررنا إعادة إنتاج هذه العطور، فأطلقنا على المجموعة اسم "الباريسيات"، لأن النساء الباريسيات طالبن بها".

كيف تصف "العطار"؟
كنت أصنع العطور في "فيرمينيك"Firmenich  للمشاهير ومختلف الزبائن. عملي كان أن أصنع العطور وحسب، هنا في "غيرلان"Guerlain  الوظيفة الحقيقية هي ما كانت عليه الوظيفة في السابق: إيجاد المواد الخام. أمضي الكثير من وقتي في السفر لإيجاد المواد الخام.
يبدأ عامي مع السفر إلى جنوب إيطاليا في فبراير/شباط لإحضار البرغموت، ثم أسافر في مارس/آذار، وأبريل/نيسان إلى مصر والهند للحصول على الياسمين، وإلى تونس للحصول على زهر البرتقال. وأعود إلى تونس في مايو/أيار، ويونيو/حزيران من أجل الورد. أما بالنسبة إلى المواد الجافة، مثل خشب الصندل، فتتوفر بسهولة طوال العام، لكن من المهم أن نتسلم شخصياً المواد الاستراتيجية.
بما أننا شركة صغيرة، نصنع عطورنا بأنفسنا. حين كنت في "فرمينيك"، لم أتدخل في كل الأمور، لكنني هنا أفعل كل شيء: أحضر المواد الخام، أصنع، وأصمم العطور. وأحياناً أزور دبي لإجراء المقابلات، فهذا من متطلبات وظيفة العطار أيضاً.

متى أدركت أنك تريد أن تصبح عطاراً؟
لم أدرك ذلك. أظن أن مجريات حياتنا تعتمد على بعض اللقاءات المهمة. كنت في التاسعة عشرة من عمري حين التقيت "جان هادون"Jean Hadon ، الذي كان رئيس مدرسة صناعة العطور في جنيف. سألني عندها عما إذا أردت أن أمتحن أنفي، وسرعان ما أثار هذا المجال اهتمامي، لأنه بدا "مميزاً". لكنني كنت صغير السن، ولم أملك أدنى فكرة عن حقيقة هذا الحقل.
حين انضممت إلى المدرسة، أدركت أن هذه الصناعة ليست فقط "مميزة"، بل أردت فعلاً أن أمتهنها. لا أعتقد أن الإنسان يولد مع هذه النزعة، أو يملك أنفاً معيناً. لا تهبط هذه الأمور من السماء، بل تتعلمين وتكتسبين وتعملين للحصول على هذه المعرفة.

كيف تطور فكرة العطر؟

فكرة العطر متعددة الأوجه، وفيها خطوات مختلفة متسلسلة. أحب أن أقارب بين خطوات عملية إنتاج العطر قدر الإمكان، من تصميم القارورة إلى اختيار الاسم الذي أعتبره خطوة صعبة، لأنه ينطوي على التزامات قانونية. فبالنسبة إلى عطر "إيديل" مثلاً الذي كنت قد وصلت لتوي إلى دار "غيرلان" عند تطويره، كان عملاً ابتكارياً دخل في القارورة. لا نتبع موجزاً تسويقياً يتطلب مثلاً عطراً لجنس معين أو سن معينة. على العطر أن يكون عفوياً ومبتكراً يتم تغليفه بعد ابتداعه.
الأمر يتعلق أيضاً بالخبرات التي تعيشينها، والناس الذين تلتقين بهم. على سبيل المثال، كنت في هونغ كونغ منذ فترة، وأخبرتني سيدة على العشاء عن زنبق الزنجبيل، فتذكرت أنني اشتممته مرة، لكن لم أتذكر عطره. قالت لي: إنها تملك مزرعة خارج هونغ كونغ، وسترسل لي باقة من هذا النبات، وفعلت ذلك بالفعل. وشذاه جميل لدرجة أننا قد نستخدمه في عطر "أكوا أليغوريا"Aqua Allegoria  في العام 2012 أو 2013.
في السنة المقبلة، سنصدر "أكوا أليغوريا" مجدداً لكن مع الياسمين، استوحيته حين التقيت بصديق قديم من مدرسة صناعة العطور زرع والده وجده البرغموت والياسمين في جنوب إيطاليا. لكنه قال لي: إن الياسمين لم يعد يباع، لذا ألغى هكتار الياسمين الأخير من مزرعته. فقلت له: "اسمع، إنك ستقتل والدك، عمره 86 وقد قاتل طوال حياته من أجل الياسمين في إيطاليا. ستجرحه كثيراً إذا تخلصت منه". طلبت منه أن ينشئ جلولاً جميلة، ويزرع فيها الياسمين من جديد كي أشتريه منه. سنستعمل هذا الياسمين الذي سيكون الياسمين الأخير في إيطاليا، حيث لم تعد تزرع هذه الزهرة.
هكذا تصنعين العطور: لسيدة ترسل لك باقة، لرجل كبير في السن... إنها عملية فورية وطبيعية وعرضية.

ما مواد الخام المفضلة لديك؟
أعشق الورد. كما أحب السوسن والفانيليا. عموماً أحب كل ما هو موجود في الـ"غيرليناد" أو قاعدة أساس عطور غيرلان. لكن الورد تحديداً نقطة ضعفي.

ما شعور من يكون برفقة Jean Paul Guerlain ؟
في بداية الأمر، أسعدني تعييني في الدار كثيراً. فـ"غيرلان" الاسم الأفضل والأرقى في عالم العطور، وكل عطار يحلم بالعمل فيها.  لكنني شعرت بالخوف بعد السعادة التي غمرتني. وكما قلت لك سابقاً، يمكن لحياتك أن تتغير من خلال اللقاءات والمقابلات التي تحصل معك. وتقربي اليومي من جان بول لم يكن قصداً بل مجرد مصادفة.
خلال إحدى مقابلاته مع "وول بايبر"، شرفني بتسميتي "ابنه بالتبني"، وهو ما أثر في حقاً. كما أن تفويضه جزءاً كبيراً من عملية اختيار المواد الخام لي يؤكد ثقته بي، لأن هذا عمله الأساسي. 
نحن مقربان جداً، ونلتقي كل أسبوع لتناول الغداء والتحدث. يحب أن يخبرني عن جده وعن رحلاته بحثاً عن المواد الخام وعن حياته، وهذا أمر مهم لي. لم أعد أخاف. وأشعر أحياناً أنني صهر، فحين تتزوجين شخصاً من عائلة كبيرة تهتمين بالقواعد أكثر بكثير من أفراد العائلة. وهذه حالتي مع دار "غيرلان".

ما أهم ما علمك إياه؟

انضممت كما تعرفين إلى الدار منذ سنتين حين كان عمري 47، وأنا أعمل في هذا المجال منذ سن العشرين. أمتلك خبرة واسعة، لكن كان علي أن أضع خبرتي جانباً، وأصغي إليه، وأراقبه وهو يعمل. إنه أكبر مني في السن، ومن الضروري احترام من هم أكبر سناً، واحترام خبرتهم.
ما علمني إياه شخصي جداً. أعطاني أمراً مهماً وجوهرياً بالنسبة إلي: "روح الطفل". هي أروع هدية حصلت عليها. لم أعش طفولتي الفعلية، فقد كبرت بسرعة، وكنت طفلاً مملاً. الآن وأنا في الخمسين من عمري أشعر بأنني طفل، لأنه والدي.
من حيث الخبرة، انظري إلى هذين العطرين اللذين وضعتهما. فهو ابتكر "آرسين لوبان المدهش"Arsene Lupin Le Dandy ، و"آرسين لوبان القاسي"Arsene Lupin le Voyou  وسأخبرك لماذا. في المكونات، نجد الورد والياسمين والقرفة الصينية التي لم أكن استخدمها أبداً في عطور الرجال. لكنني راقبته وهو يبتكر هذين العطرين. صمم العطر الجلدي أولاً، وأحببناه، وكان يعمل في الوقت نفسه على العطر الثاني. أخبرته بأنه علينا احترام الروزنامة الصناعية، فجاوبني أنه يشعر بأنه يحب هذا العطر فابتكرنا اثنين.

من هم العطارون الذين أثروا فيك واستوحيت من أعمالهم عبر السنين؟

"ألبيرتو مورياس"Alberto Morillas ، وهو من أكثر العطارين الذين أعرفهم عطاء. عملت معه في "فرمينيك" في نيويورك. وفي أحد الأيام، كنا نعمل على عطر لـ"كالفن كلاين"Calvin Klein ، فقال لي "أنت تبالغ في التفكير. امزج الألوان فقط". دائماً أتذكر هذه العبارة التي صدمتني وقتها.
وهناك أيضاً "أنيك ميناردو"Annick Menardo  التي تختلف كثيراً عن ألبيرتو. هي تهتم بالجماليات كثيراً والرياضيات. تعلمت منها الصرامة التي لا نصل إلى أي مكان من دونها. هذان هما الشخصان اللذان يختلفان كثيراً، لكن أعتبرهما مقربين جداً لي.
قبل خروجي من المكتب لأقابلك، طلبت مني زميلتي أن أسألك عن عطر النحل، لأن هناك قصة مثيرة للاهتمام وراءه.
النحلة رمز الشركة وتمثًل القارورة الرمزية التي قدمها مؤسس غيرلان هدية زفاف لأوجيني إمبراطورة فرنسا وزوجة نابليون الثالث. هناك 69 رمزاً للنحل على القارورة، فنابليون الأول اتخذ من النحلة علامة إمبراطوريته، واستمر الرمز مع غيرلان.
هذه المرة قمنا بخطوة أبعد، فالتقى رئيس الشركة بصائغ، وناقشا رسمة تصور قارورة على شكل نحلة. فقررنا صناعتها من بلورات "باكارا". وأنتجنا منها 47 قارورة فريدة على شكل نحلة مصنوعة من 5 كيلوغرامات من البلور، وأنا ابتكرت العطر لها.
أحب فكرة الأجيال وتعاقبها والإرث المحفوظ. جاك غيرلان ابتكر عطراً في العشرينات اسمه "حين يحل الصيف"Quand Vient L’ete ، فأعاد ابتكاره جان بول غيرلان، وأصدره ضمن مجموعة "الفصول الأربعة" Les Quatre Saisons. أحببت شذا هذا العطر، وأحببت القصة التي يرويها. هي قصة فصل الصيف، حيث تنتشر الأزهار، ويحوم النحل في كل مكان. الصيف كان الوقت المناسب لهذا العطر بالنسبة إلي، فالنحل يمتص اللقاح، وهذه القارورة كانت بطن النحلة. تخيلت اللون الأصفر، وتذكرت ما قاله لي مورياس عن "مزج الألوان". والنباتات التي يذكرني عطرها باللون الأصفر هي السوسن والياسمين والميموزا، لكن ما ميز هذا العبير حقاً هو العسل. هو عطر دافئ ومتوهج تداخلت فيه ثلاثة أجيال (جاك وجان بول وتييري).

كيف توازن بين ابتكار عطر فريد وإرضاء أذواق عدد كافٍ من الناس لتحقيق النجاح التجاري؟
الناس في فرنسا التي نعتبرها سوقنا الأولى ينتظرون منا المختلف دائماً. عطر "إيديل"Idylle  يحقق مبيعات عالية في فرنسا التي تختلف توقعاتنا لسوقها عن توقعاتنا للأسواق الخارجية، لكنه عصري جداً، لذا اعتبر بعض الناس أنه لا يشبه عطور غيرلان المعتادة. غير أننا من خلاله استطعنا توسيع قاعدة عملائنا. وقد نجح هذا العطر أيضاً في روسيا والصين، وحتى في الشرق الأوسط.
وستلاحظين أننا مع عطور " مازون غيرلان"Maison Guerlain  أكثر جرأة مما كنا عليه مع العطور العادية الموجودة في الكاتالوغات. كما نعِّد العطور المفصلة بناء على الطلب.

ما هو الجديد الذي يمكننا انتظاره من دار غيرلان في السنوات المقبلة؟
من المعروف أننا نصدر كل عام نسخة من عطر "أكوا أليغوريا"Aqua Allegoria . ما سأقوله ليس رومانسياً كثيراً. أعتقد أنك بحاجة إلى قدمين للرقص. فـ"شانيل رقم 5"Chanel no.5  مع "كوكو مادموازيل"Coco Mademoiselle  وثم "جادور"J’Adore  مع"ميس ديور شيري"Miss Dior Cherie  يمثل كل منهما قدمين. إلى الآن، نملك الكثير من العطور، والكثير من الأقدام ترقص عندنا.
نعمل الآن على عطر "شاليمار"Shalimar ، لأن قصته جميلة فعلاً. هي قصة حب كقصة "إيديل"Idylle ، لكن مختلفة عنها. فحكاية حديقة شاليمار والـ"ممتاز محال" وحب "الشاه جاهان" تروي تفاصيل حب قوي مازال صالحاً، تروي حلماً في الهند... وفي الواقع تقع شاليمار في باكستان. أما عطر "إيديل"، فيروي قصة حب عصري عابر. وهذان العطران هما قدمانا الراقصتان.
كما نعمل على مشروع لعطر "شاليمار" يتضمن "أو دو بارفان" و"أو دو تواليت" الأخف. غيرنا شكل القارورة التي تبدو النسخة الجديدة منها رائعة بعد أن صممتها "جايد جاغر" الموهوبة البارعة. كما سنطلق نسخة مصغرة لـ"إيديل" في عيد الأم.
سأنهي ما علي فعله وأخرج بشيء قوي ضخم "إن شاء الله".

هل ستصدرون عطراً حصرياً للشرق الأوسط، كما فعل كل من "توم فورد"Tom Ford  و"أرماني"Armani ؟

من المبكر أن نتحدث عن هذا، لكن نعم. أستمتع بزياراتي لهذه المنطقة، لأن الناس هنا بعكس الأوروبيين والأمريكيين يعشقون العطر، وهو ما يجعل الشرق الأوسط المكان المثالي لأمارس مهنتي، حرصت على تقديم تحية إجلال لحب العطور في الشرق الأوسط. أعرف أننا تأخرنا بعض الشيء، لكنني أعمل على ذلك بكل صراحة. لا أفعل هذا في باريس، لكنني أفعله مع ناس هنا من هذه المنطقة. آمل ألا نخذل هذا الحب الموجود في الشرق الأوسط.
أذكر أن زوجة وزير المالية الفرنسي السابق عادت مرة من جدة مع قارورة عود وورد نفدت بسرعة، فطلبت مني بإلحاح أن أصنع لها مثلها. ولدي أصدقاء كويتيون في فرنسا عرفوني على البخور الذي لم يعد لغزاً لي.

ما هي هواياتك؟ وهل تجد الوقت الكافي لممارستها؟

منذ انضمامي إلى الدار، تقلص عدد هواياتي. أعشق الموسيقا، خاصة منها السمفونيات وموسيقا الحجرة. فهي تحفز الخيال وتجعلني أحلم. كنت أمارس الرياضة بانتظام في الماضي، لكن هذه الوظيفة لم تعد تسمح لي بذلك.

ما المكان الذي تسافر إليه لتمضي إجازة قصيرة؟
أذهب كل سنة إلى اسبن في كولورادو للتزلج. زرت هذا الصيف بالي التي أحببتها كثيراً. لكنني أحب أن تكون لدي عادة، وعادتي هي اسبن.