Sustainable QUEEN... خبيرة الموضة الأخلاقية والعميد المؤسس لمعهد دبي للتصميم والابتكار Sass Brown

Sustainable QUEEN... خبيرة الموضة الأخلاقية والعميد المؤسس لمعهد دبي للتصميم والابتكار Sass Brown

فالنتينا مارياني
22 نوفمبر 2023

إعداد VALENTINA MARIANI

بعد تولّيها منصب العميد المؤسس لمعهد دبي للتصميم والابتكار، "ساس براون" SASS BROWN هي اليوم المسؤولة عن برنامج الماجستير في الأزياء المستدامة (ممارسات وتجارة) في جامعة "كينغستون" اللندنية. وقبل انضمامها إلى معهد دبي للتصميم والابتكار، شغلت "براون" الحائزة دكتوراه في نماذج التنمية المستدامة والحرفية العالمية، منصب العميد المؤقت لكلية الفنون والتصميم التابعة لمعهد تكنولوجيا الأزياء في نيويورك، حيث أشرفت على إدارة ١٧ قسما وتخصصا إبداعيا. بصفتها باحثة وكاتبة ومعلّمة، ترتكز معرفة "براون" وخبرتها على الموضة الأخلاقية بكل أشكالها، من التصميم "البطيء" مرورا بالمهارات الحرفية التراثية، وصولا إلى إعادة الاستخدام والتدوير، ونماذج الأعمال البديلة، والممارسات المسؤولة. التقيتها في لندن لنناقش رؤيتها ونتحدث عن المستقبل وما يخبئه...

 

متى أبصر النور مفهوم الاستدامة في عالم الموضة، وما كانت نقطة التحوّل الكبرى حين بدأ التغيير؟

إلى حد كبير، أعتقد أن مفهوم الموضة المستدامة بدأ ينمو تدريجيا في ستينيات القرن الماضي ومع ظهور حركة "العودة إلى الأرض". وهذه الأخيرة ثقافة مضادة بدأت كرفض لأسلوب العيش الأمريكي السائد في زمن انتشرت فيه ثقافة استهلاكية عامّة ومواد صناعية. وعلى الرغم من أن الحركة لم تركّز تحديدا على الملابس أو الأنسجة، تجنّبت كل ما هو مصطنع. هناك قول رائع في فيلم "الكلفة الحقيقية" لعالم اقتصادي يشير إلى نمو الاستهلاكية والتحول الثقافي المرتبط بها، عبر ذكر كيفية انتقال تعريفنا للنجاح من الأسرة السعيدة والأوقات العائلية الحميمة إلى ممتلكاتنا واستحواذنا على أحدث الملابس والسيارات وما إلى ذلك. وفي التسلسل الزمني لتطور الموضة المستدامة، لحظات حاسمة أخرى، منها في التسعينيات حين صارت علامة "نايكي" رمزا لعمالة الأطفال. تحمّلت وقتها "نايكي" العبء الأكبر لردود فعل الناس، لكن الحقيقة هي أن الكثير من منتجاتنا المستهلكة صُنعت على حساب أرواح في العالم النامي، في نتيجة مباشرة لبحث العلامات التجارية عن أرخص تكاليف إنتاج ممكنة. علامات الأزياء كانت سريعة في التخلي عن مرافق الإنتاج المحلية من أجل تلبية طلبات الطبقات الاجتماعية الوسطى؛ ومن هنا بدأت أيضا "الموضة السريعة" التي نشرت من خلالها علامات كثيرة صيحات جديدة كل شهرين بدلا من الاكتفاء بمجموعة ربيعية-صيفية وأخرى خريفية-شتوية. وهو نموذج بنت عليه وطوّرته شركات أخرى حوّلت بعضها الموضة السريعة إلى موضة فائقة السرعة مع آلاف الموديلات الجديدة التي تصدر أسبوعيا.

 SASS BROWN

من هي أبرز الجهات الفاعلة والمؤثرة في مجال الموضة المستدامة؟

هناك الكثير من الأفراد المهمّين الذين أثّروا في نمو حركة الموضة المستدامة، بعضهم مصممون يتحدّون نظام الموضة مع طرق إنتاج جديدة ومواد إنتاج جديدة، والبعض الآخر مؤيّدون وناشطون يتكلّمون بأعلى صوت. وأشيد دائما بالدور القيّم للمصممين الناشئين الذين يحملون هذه الحركة على أكتافهم ويتحدّون النظام القائم بأساليبهم الجديدة قبل انضمام الشركات الكبرى بكثير. نظام الموضة لم يعد ملائما لأهدافنا المعاصرة، والأسماء "الصغيرة" هي التي تعيد توجيهه اليوم مع مسارات وممارسات مختلفة. من أول المصممين الغربيين الذين أعادوا النظر في النفايات الصناعية كانت "أورسولا كاسترو" مع علامتها "فروم سوموير" FROM SOMEWHERE وتأسيسها "إستيتيكا" ESTETHICA أحد أول أسابيع الموضة الصديقة للبيئة في العالم. وهناك "سوزان لي" التي جرّبت في بداية الألفية الجديدة مواد حيوية طُوّرت في مختبرات باستعمال شاي الكومبوتشا. وأذكر "هيلين ستوري" أول فنانة مقيمة ضمن برنامج للأمم المتحدة في مخيم "الزعتري" الأردني، والتي صنعت فستانا من خيمة تمّ تفكيكها. ولا أنسى "سيموني تشيبرياني" الذي أسس "مبادرة الموضة الأخلاقية" ويرعى شراكات طويلة الأمد بين حرفيين إفريقيين وعلامات غربية فاخرة، بهدف صون ثقافات مهمة في ظل تطوير أسواق جديدة. عمل "كارلا فرنانديز" أيضا ملهم ومتمحور حول إظهار أهمية الحرفيين المكسيكيين الأصليين وقيمة عملهم، إضافة إلى رعاية منظمة "نيست" NEST التي أسستها "ريبيكا فان برغان" في نيويورك، لحرفيين محليين في كل أنحاء العالم. بدورها، أسست "ريبيكا بورغس" مبادرة "فايبرشد" FIBERSHED لأنظمة إنتاج الألياف المحلية التجددية التي انتشرت حول العالم. والقلم سلاح أيضا، كما نرى مع كتاب "بلا شعار" NO LOGO للمؤلفة "نعومي كلاين" التي نجحت في ربط كل أفكارنا ومشاعرنا المجزّأة حول قطاع الأزياء، أو مع "لي إدلكورت" و"البيان المضاد للموضة" الذي نشرته في ٢٠١٥ ووثّقت فيه استياءنا الجماعي من نظام الموضة. هؤلاء هم أبطال التصميم وفاعلو التغيير بالنسبة إلي.

ما هي نماذج الأعمال الجديدة التي يجب اتّباعها لتحقيق مستوى أفضل من الاستدامة في الموضة؟

 أعتقد أن جزءا من مشكلة نظام الموضة هو أنه نظام أو خارطة طريق إلى النجاح تفرض "مقاسها" الواحد على الجميع، بناءً على مجموعة واحدة من القيم ومُثُل الجمال وأساليب تكثير المبيعات. لا أرى أنه من الممكن لنظام واحد أن يعالج هذا الكم الهائل من المشكلات والتحديات التي نواجهها، بل إننا بحاجة إلى وفرة من الممارسات والمنتجات والنظم الجديدة. علينا أن نقلّص استهلاكنا، ونعيد تقييم وتصوّر ما نملكه، وعلينا أن نعيد تدوير نفايات ما بعد الاستهلاك للأفضل، ونلغي نفايات ما قبل الاستهلاك من خلال تحويلها إلى مصادر وموارد. يجب أن يكون إنتاجنا محلّيا فندعم من خلاله الحرفيين والصانعين في مناطق مختلفة، وأن ننظر إلى الحرفية على أنها رفاهية، وأن نحمي حقوق الناس في التراث الثقافي غير المادي وندفع لهم أجورا كافية للعيش. فلنتخلّص من الاستعمالات الكيميائية، ولنشرّع تنقية المياه، ولنتوقف عن إنتاج مواد صناعية من زيوت. ويجب دائما أن نبقي ما قد تم إنتاجه قيد التداول لأطول وقت ممكن! أمامنا الكثير مما يتعين علينا القيام به وتغييره، وذلك بحاجة إلى حلول عديدة.

 SASS BROWN

كيف تتخيلين المستقبل: إلى أين نتّجه؟

أتمنّى أن تصل الاستهلاكية الجماعية التي لا تأخذ بعين الاعتبار آثارها ونتائجها، إلى نهايتها أخيرا. ما يجب أن يضمحل هو رؤيتنا للأزياء على أنها قابلة للتخلص فنشتريها بدون تفكير فعلي ونرميها لاحقا أيضا بشكل طائش. وما يجب أن نتركه خلفنا أيضا هو هذا السباق التنافسي نحو أدنى المستويات في ما يتعلق بتكاليف إنتاج الملابس ومدّة التخلص من السلع، لأن ذلك يكون على حساب من يصنعون ملابسنا، وأيضا على حساب البيئة. سيتطلب ما ذكرتُه تحوّلا ثقافيا حقيقيا كلّي أمل بحصوله... كما نأمل تحسين قدرتنا على إعادة تدوير الألياف المختلطة ونشر استخدام هذه الممارسات وتوفيرها في كل سلطة محلّية، لأنها اليوم وعلى الرغم من وجود التكنولوجيا اللازمة لها، ليست واسعة الانتشار أو متاحة على مستوى البلديات. وأود أن أرى توقفا تاما عن شحن نفاياتنا إلى بلدان أخرى لها قدرة أقل على إعادة تدويرها، مقارنة بنا. أعتقد أنه يجب على كل مدينة أن تعالج نفاياتها بنفسها، وأرجو وضع خرائط محلية للنفايات النسيجية في كل مكان يتم فيه هدر الأنسجة الخام والتخلص منها، بشرط أن يكون ذلك في سياق قوانين تجبر المصممين والخياطين وصانعي الملابس على جعل نفاياتهم النسيجية متوفرة مجانا كي يستخدمها المصممون الناشئون وكل من ينتج أزياء من خلال إعادة التدوير للأفضل. وأتمنى أخيرا تشريع فرض وجود بطاقات (تماما مثل قوائم المكونات الإجبارية في المنتجات الغذائية) على كل الأزياء تُظهر بصمتها الكربونية والمائية، وتسجّل أجور العملاء الذين صنعوها وطرق معاملتهم، وتضمن شفافية سلسلة توريدها بكل المراحل بدءا من مرحلة المواد الخام.