من الخيوط إلى البيانات... يطبق المصممون قواتهم الإبداعية في مجال الذكاء الاصطناعي ويتطرقون في توجههم إلى عالم الـ NFT
إعداد NORA ALBESHER
أين وصلت التكنولوجيا اليوم في خدمة صناعة الأزياء وجميع جوانبها؟
وصلت إلى نقطة مفصلية، إذ أصبح لديها القدرة على وضع صناعة الأزياء في مرحلة تحول تكنولوجي، تدمج القدرات الإبداعية من محض عالمها الواقعي، وتدفعه إلى العالم الافتراضي، فتصبح الموضة بجميع مستوياتها الإبداعية والحرفية والصناعية متأرجحة ما بين أبعاد مختلفة ومتعددة. تُعرف هذه النقطة بالذكـاء الاصطناعي.
يشهد العالم وأغلب صناعاته اجتياحا سريعا ومهيبا لقوة الذكاء الاصطناعي، فلم يعد فقط عاملا مساعدا في عمليات الابتكار والبحث، بل بات يتمتع بأهمية وجوده كخيار لديه القدرة على استبدال الأساليب الفعلية بفاعلية عالية وكفاءة جديرة، لكونه أصبح نقطة ارتكاز في تصميم الأزياء، وأداة مهمة يتسلح بها المصممون في صرح التطور، ودعمها المباشر بمبدأ ورسالة الاستدامة. لمعت حدة ذكاء بعض المصممين والمصممات بسرعة تطويعهم للتكنولوجيا، بما فيها الــNFT والذكاء الاصطناعي في خدمة العملية الإبداعية واعتلائهم لموجة التطور في هذا المجال منذ بدايته.
"سعيد قُبيسي" في مقدمة قيادة الموجات المتغيرة دائما... يركب موجة الذكاء الاصطناعي ويُطوعها للكوتور
منذ بداية الألفينيات الميلادية عندما افتتح المصمم اللبناني أول مشغل أزياء له في العاصمة اللبنانية بيروت، واتضحت رؤيته للمرأة المعاصرة ما بين الخيال والواقع، والحسية الشاعرية والعصرية المواكبة. ابتدأت تصاميمه بالانتشار، ولمع اسمه وتوسع، حتى افتتح صالة العرض الخاصة به التي احتضنت تصاميم مجموعاته للأزياء الراقية.
في عام 2010 دشن أول بوتيك للدار، حيث حمل إطلاق ونقطة بيع لمجموعات الملابس الجاهزة التي ضمها إلى دائرة خطوط العلامة التجارية.
خَرج "قُبيسي" من دائرة وطنه في توسعه إلى الوطن العربي، وتحديدا الخليج العربي، حيث افتتح أول بوتيك في دبي، مركز الموضة الصاعدة، ومن أكبر نقاط التقاء الحضارات في العالم.
واصل المصمم رحلته في التصاعد والتطور بما يناظر تصاميمه التي عادة ما اتسمت بالأحجام الضخمة والأناقة المتناهية والروح الشرقية بنظرة عالمية معاصرة، فشهدت عروس "سعيد قبيسي" ولوج أول مجموعة زفاف لها في عام 2015، حيث يدمج الأحلام والواقع في الفساتين والتصاميم الملهمة الرومانسية والعظيمة بأحجامها، ويجسد كل ما هو متطور ومتميز في المرأة.
من أول متجر رئيس لـ"سعيد قبيسي" في دبي مول يضم مجموعة بارزة من الأزياء الراقية والملابس الجاهزة وقطع الزفاف ودخوله عالم حكايات الزفاف الخيالية من خلال افتتاح متجر في معرض الزفاف في لندن، وتكثيف الوجود الإلكتروني في الانضمام إلى أكثر من شركة للتجارة والتسوق الإلكتروني.
يوضح نهج خطواته الاستراتيجية الدافع الرئيس والمحرك الحيوي لـ"قبيسي" النجاح والتوسع والإلهام بجانب الإبداع، حيث توجه إلى قلب مدينة دبي للفن والحرية الإبداعية التي تشهد نبض الموضة في زواياها، ليفتتح متجرا في منطقة دبي للتصميم، مركز العلامات التجارية الدولية للتصميم والفخامة والأزياء.
يعرض متجره الآسر مجموعة استثنائية من خطوطه المتعددة من الكوتور والملابس الجاهزة وتصاميم فساتين وإطلالات الزفاف، مع مساحة صالة مخصصة للتصاميم المصنوعة حسب الطلب.
في آخر خطواته الدالة على ذكاء حاذق في مناورة الصناعة وموازنة الجانب التجاري مع الجانب الإبداعي ومواكبة الأمواج المتغيرة وصعودها أولا، قدم مجموعة دفعت الحدود الإبداعية ودمج بها حرفة الكوتور والذكاء الاصطناعي، وجمع ما بين العالم الافتراضي والمادي. فكانت مجموعة ربيع وصيف 2023 للأزياء الراقية أولى مجموعاته المتداخلة مع الـAI.
تم عرض المجموعة والإطلالات على عارضات أزياء من صُنع الذكاء الاصطناعي من خلال عرض رقمي. يأخذ "قبيسي" الكوتور إلى آفاق جديدة من خلال تسخير قوة التقنيات الناشئة والحديثة عن طريق مزج وتداخل العوالم الافتراضية والمادية على عدة مستويات، الإبداعية والتخيلية والواقعية، حيث يخلق تجربة غامرة تعزز استكشاف الأزياء الراقية من مفهوم مختلف.
في مقابلة حصرية، يجيب المصمم اللبناني عن أسئلة "هيَ"، ويناقش مجموعة خريف وشتاء 2023 للأزياء الراقية، والتي هي ثاني مجموعة للكوتور متداخلة مع الذكاء الاصطناعي.
كان الشروع في رحلة جديدة COUTURE 2.0 العنوان الرئيس قبل تقديم مجموعتك الأولى التي تم إنشاؤها رقميا، وهي مجموعة الأزياء الراقية لربيع 2023. أخبرنا المزيد عن المجموعة، إضافة إلى مجموعة خريف 2023-24 الجديدة، وكيف أُنشئت؟ وما إذا كانت نسخة الذكاء الاصطناعي من المجموعة الفعلية أو مشروع NFT؟
ترتقي مجموعة خريف 2023 بالأزياء الراقية إلى آفاق جديدة من خلال تسخير قوة التقنيات الناشئة. تمزج المجموعة بسلاسة بين العالمين الافتراضي والمادي، وتخلق تجربة غامرة تعزز اكتشاف إبداعاتنا.
تكمل النسخة الغامرة النظير المادي للمجموعة، وليست مشروع NFT. مع إدخال الصورة الرمزية المتقدمة، فإن الدار قادرة على تقديم عملية افتراضية سلسة لعملائنا، من إطلاق مجموعة، والاستشارة الأولية للعميل، إلى التصورات المتطورة طوال إنشاء قطعة الأزياء الراقية.
هناك شيء فريد من نوعه حول توظيف التكنولوجيا والعالم الرقمي من خلال تصميم جو عرض أزياء بالذكاء الاصطناعي، إذ يتم عرض مجموعتك فيه إطلالة تلو الأخرى. ما هي عملية تفكيرك في إنشاء هذا المفهوم الفريد؟
لطالما كانت الدار فخورة بدمج فن التقاليد والحرفية اليدوية مع الابتكار والتكنولوجيا. جاء إطلاق صالة العرض الافتراضية في عام 2021 لتلبية متطلبات قاعدة عملائنا العالمية المتنامية، وبهدف تعزيز تجربة عملائنا وجعل العلامة التجارية أكثر سهولة. جاء جو المدرج بالذكاء الاصطناعي ليكمل هذا المشروع ويسهل تجارب الأزياء الافتراضية. لقد كانت طريقة بسيطة لتقديم إبداعاتنا في أجواء مألوفة لعملائنا.
كيف تعتقد أن عوالم التكنولوجيا والموضة يمكن أن تكمل بعضها البعض؟
عوالم التكنولوجيا والأزياء تكمل بعضها البعض بالفعل، وتستمر في التطور. من التجارب الافتراضية التي تسمح للعملاء بتصور كيف ستبدو الملابس عليهم، وهو ما يقلل من الحاجة إلى الاسترجاع، إلى تجارب الأزياء المخصصة التي تستفيد من تحليلات البيانات وخوارزميات الذكاء الاصطناعي، وصولا إلى عروض الأزياء والتجارب الرقمية التي تسمح للجمهور بالتفاعل بشكل أكثر نشاطا مع الأحداث. مع استمرار تقدم التكنولوجيا، سيكون هناك المزيد من التكامل بين هاتين الصناعتين.
ما أكثر ما يذهلك في الوجود في العالم الافتراضي أو تنفيذ طرقه الرقمية؟
يقدم العالم الرقمي فرصا لا حصر لها للابتكار. لقد سمح لنا بتجربة الأشكال والألوان والأنماط. ودفع حدود التصميم واستكشاف المفاهيم المبتكرة.
في دار سعيد قبيسي، طورنا الأدوات والبرامج التي يمكنها إنشاء وتغيير ملابس 3D الواقعية. من مشغلنا، يمكن لصانعي النماذج لدينا ضبط التفاصيل في الوقت الفعلي، وتدعم التكنولوجيا عملية التصميم بأكملها من إنشاء المفهوم إلى التطوير النهائي. إنه لأمر ثوري أننا قادرون على اتخاذ شكل ملابس مسطحة وخياطته رقميا وتطبيقه في عرض 3D لعملائنا.
هل اتجاهك نحو المجموعات الرقمية مدعوم بالرغبة في اتباع نهج أكثر استدامة أو لاستيعاب الصناعة المتغيرة باستمرار والتطور التكنولوجي؟
من خلال الشروع في الرحلة الرقمية بالكامل مع إطلاق COUTURE 2.0، نحن قادرون على إنشاء تجربة غامرة تستخدم العالم الافتراضي لتعزيز العالم الحقيقي، وخلق طريقة جديدة لاكتشاف أكثر الإبداعات دقة حتى الآن بالدراية نفسها. من خلال فعل ذلك، نحن قادرون على الوصول إلى جمهور أوسع، إضافة إلى تسهيل العملية لعملائنا الحاليين، وتوفير نهج أكثر استدامة لإنشاء الأزياء الراقية. تتيح لنا الأدوات التي نستخدمها أيضا توفير الكثير من الوقت، إضافة إلى تقليل إنتاج العينات والشحن والسفر الدولي والمواد الزائدة.
برؤية خلاقة بلا حدود.. "هلا الغرباوي" تدفع حدود الإبداع إلى العالم الافتراضي
منذ تَعرفي إلى مسيرة المصممة السعودية "هلا الغرباوي" وعلامتها المتميزة، والاطلاع على موهبتها الفريدة، تأكدت لي حقيقة أن لا حدود للإبداع، وأن تطور رؤية المصمم أو المصممة هي وليدة الخوض في تجارب مختلفة وتطبيق خلاصة الحمض النووي لعلامتهم التجارية على مستويات مختلفة وخطوط جديدة للأزياء والمنتجات.
ضمن معرض 100 براند سعودي في الرياض في عام 2021، وأثناء استكشافي للمصممين والمصممات المشاركين في البرنامج، التقت عيناي مباشرة بفُستان أسود تتناقض شدة سواده مع بريق ولمعان الشك والتطريز الفضي الذي بدوره اتخذ درجات متباينة كما لو كانت مجموعة مختلفة من الحديد والمعادن لُحمت يدويا، لتشكل شبكا معقدا مُلتفا على الفستان ذي الصورة الظلية الكلاسيكية وأكتافه المكشوفة، على رأس المانيكان انسدلت طرحة سوداء رقيقة لامست الأرض بطولها. شفافيتها أعطت الإطلالة طابعا تقليديا وسعوديا جعلني في تلك اللحظة أتفكر في مصدر الإلهام والتضارب الثقافي والدمج ما بين الروح المعاصرة والعناصر التقليدية، الإطلالة كانت التعريف المثالي لتوقيع المصممة "هلا الغرباوي".
أطلقت "الغرباوي" على التصميم "قوة التغيير" واستوحته من العقال.
كتبت "هلا" في وصف مصدر الإلهام: "عندما كنت صغيرة، كنت أرى أبي يخلع (العقال)، ويجعلني أمسكه قبل كل صلاة يصليها كنت ألعب في (العقال)، وأشاهد تفاصيله، وأفكر مِمّ وكيف صُنع هذا (العقال)؟ وإلى الآن أتذكر رائحة عطر أبي في (العقال)، فهو شيء مدهش حقا. عندما كبُرت كنت دائما أحب الأعمال اليدوية في الأزياء. وقررت أن أصنع تصميما فريدا مستوحى من (العقال)، وهذا ما حدث في هذا التصميم، الحبال استوحيتها من (العقال)، وهو لباس تقليدي للرجل يوضع فوق الرأس".
خريجة جامعة ESMOD للفنون والأزياء، وخلال رحلة تدريبها التعليمي في عام 2017، حينما كانت "الغرباوي" لا تزال في جامعة الموضة، فازت بالجائزة المرموقة لجائزة الصين الدولية الخامسة والعشرين لمصممي الأزياء الشباب. وتمكنت من عرض مجموعتها الأولى في أسبوع "مرسيدس بنز للموضة" في العاصمة الصينية بكين. فكانت النتيجة الطبيعية بعد ذلك أنها بدأت في عام 2017 في عرض مجموعاتها خلال أسبوع الموضة في برلين.
مجموعات "هلا الغرباوي" تتميز بحس عالٍ من الجرأة غير المسبوقة، فنجد أن الغوص في عالم الألوان لا يخيفها. تُوظف "هلا" الألوان الحيوية والصارخة في التعبير عن قوة امرأة "هلا الغرباوي" وجرأتها، وروح التحدي التي تمتلكها بجانب تلاعبها بالأقمشة والتقنيات الخاصة بها، فنرى تصاميم بتفاصيل شبكية أو منسوجة وحتى تركيبية مصنوعة بحرفة يدوية.
أطلقت "الغرباوي" مجموعات عدة، كل واحدة تتميز برسالتها وطابع الهوية القوية للمصممة، ومصدر الإلهام الفريد خلف كل منها. واتضحت قوة "هلا" في التطور السريع ومواكبة العصر في تعدد الخطوط التي اقتحمتها، فأنتجت بجانب الملابس الجاهزة أزياء راقية، ومجموعة تعاونية مع العلامة العالمية PINKO، لتصميم وإنشاء مجموعة أزياء حصرية، إضافة إلى خط لفساتين الزفاف في طور التنفيذ.
ودفعت حدود الإبداع إلى عوالم مختلفة، وولجت باعتبارها أول مصممة سعودية تصمم وتقدم مجموعة أزياء NFT في العالم الافتراضي، وتثبت أن لا حدود للإبداع، وأن التطور يكمن في عمق التجربة وكسر الحواجز.
"هيَ" في حوار مع المصممة السعودية هلا الغرباوي:
لقد دخلتِ الآن عالم NFT، لماذا قررتِ إطلاق مجموعتك في تلك اللحظة؟ وكيف كانت التعليقات حتى الآن؟
عند دراستي لمرحلة الماجستير تخصص إدارة أزياء، كنا ندرس مواد تهتم بالتكنولوجيا وعالم الأزياء الرقمي والابتكار في التصاميم والأفكار. فقررت دخول عالم الأزياء الرقمي منذ تلك اللحظة، والفكرة موجودة في بالي، فالابتكار في هذا المجال لا حدود له. وكانت التعليقات إيجابية، وأكثر هذه التعليقات ثناء وإعجاب وانبهار بما وصلنا إليه الآن، لكوننا أول علامة تجارية تطلق مجموعة أزياء في عالم الـ NFT.
يجب أن يكون تصميم مجموعة للعالم الافتراضي وNFT مختلفا عن نظيره في العالم المادي، هل تغيرت عمليتك الإبداعية عند تصميم مجموعة DISTORTSION DE LA BEAUTÉ؟
بصفتي مصممة أزياء طموحة وشغوفة، قررت التقدم في مجالي، وعدم الاكتفاء بالرسم على الورق، وخياطة التصميم، لأن للتكنولوجيا الحصة الكبرى في المستقبل واهتمام الجيل الجديد به، لم تتغير العملية الإبداعية بشكل عام، ولكن عند تفصيلها ستتغير من كونها على ورق، لتحويلها إلى التكنولوجيا. وعادة عندما ننفذ تصميما ما، ونصل إلى مرحلة (البروفا) سنجد أخطاء قد تحصل في مرحلة صناعة الباترون، ولكن نستبعد هذا الخطأ نهائيا عند عمل الباترون بالتكنولوجيا، لأن نسبة الخطأ فيه 1 في المئة فقط.
ما التحديات التي واجهتها في تصميم وتقديم هذه المجموعة؟
لم أصادف تحديات تذكر غير تحدي الوقت، إذ إن التنفيذ التكنولوجي يحتاج إلى وقت كبير، لتجهيز مجموعة متقنة استعدادا من رسم أول خط إلى جعل التصميم يتحرك.
تحظى تصاميم هلا الغرباوي بالتقدير والتميز بكونها جريئة وأنيقة ومغامرة في الأقمشة، والتطريز، والشك، والملمس. هل تحمل مجموعة NFT من هلا الغرباوي الروح والأسلوب نفسهما؟
طبعا، فمجموعة الـ NFT جزء لا يتجزأ من المجموعة العادية السنوية، فروح علامتنا التجارية موجودة في المجموعة التكنولوجية والمجموعة الملموسة.
من الملابس الجاهزة إلى الأزياء الراقية إلى NFT، ما الشيء الذي ما زلتِ ترغبين في تحقيقه ولم تفعليه بعد؟
أنا بطبعي إنسانة طموحة، ولا أكتفي بما لدي أو بما فعلت وأنجزت. مشاريع وأفكار كثيرة في جدول أهدافي القريب والبعيد لم أبدأ به بعد، ولكن أنا متأكدة من أنها ستنفذ على أكمل وجه قريبا.