رؤية نقدية ـ في مئوية "فريد شوقي".. وحش الشاشة يبكي أيضاً!

صدور طبعة جديدة مذكرات "فريد شوقي" (30 يوليو 1920 - 27 يوليو 1998) في هذا التوقيت حدث يستحق التوقف عنده لعدة أسباب؛ أولها أنه يأتي في توقيت ذكرى مئوية واحد من أهم نجوم السينما المصرية والعربية؛ والأمر الثاني أنها مذكرات حقبة فنية وسياسية عاشها نجم كبير، والأمر الثالث والأخير أننا سنكتشف في تفاصيل مذكراته اشتباكاً غير مقصود مع بعض الجدل الحالي حول بعض قضايا الفن والتمثيل، ومنها "تريندات" تنزيه وتقديس كبار النجوم، والتغاضي عن عيوبهم، ورغماً عنا سنقارن بينها وبين اعترافات وحش الشاشة بأخطاءه وندمه عليها، ولن تجده في سطر واحد متعالياً على المُختلفين معه، ولم يصف زميل غير مشهور بالكومبارس الذي يسعى للشهرة، ولم يتمترس خلف نقابة الممثلين ضد زملاءه بحجة أنه وحش الشاشة والباقي من المغمورين والكومبارس.

وحش الشاشة والكومبارس!

تطرح المذكرات التي سردها "فريد شوقي" بنفسه نموذج نادر من اعترافات النجم ببعض عيوبه وأخطاءه، والمذكرات صاغتها الكاتبة الصحفية "ايريس نظمي"، وأعادت "دار "ريشة للنشر والتوزيع" المصرية طباعتها ضمن مشروع طموح لنشر مذكرات عدد من الفنانين ونجوم الثقافة في مصر، وفيها نقرأ ونكاد نسمع صوت "فريد شوقي" المميز يخرج من بين السطور يحكي ويشكو ويضحك ويتألم ويعترف بدون خجل بأخطاء ارتكبها وقرارات ندم عليها، وتتماشى روح التصالح مع النفس التي نلمسها في سطور المذكرات مع شخصية "فريد شوقي" الفنية، وربما يكون الفنان الوحيد الذي ظهر بشخصيته الحقيقية في فيلم سينمائي، ولم يُمانع أن تظهر شخصيته سلبية وتموت ضمن الأحداث بسبب التهور في القيادة؛ وكان هذا في فيلم "ابن الحتة" إنتاج 1968 و جسد فيه شخصيتى الممثل "فريد شوقي" ودوبليره الكومبارس البسيط، وبينما يعيش النجم حياته بإستهتار، نجد شخصية دوبلير "فريد شوقي" يتمتع بالشهامة والأخلاق النبيلة، وكانت بطولة الفيلم لشخصية الكومبارس المتواضع ابن البلد، ورغم أنه فيلم ويحمل تفاصيل خيالية لكنه اختيار جرىء وذكي ويحمل دعابة بينه وبين جمهوره؛ فحينما ينتقل الدوبلير لمنزل الممثل "فريد شوقي" ليجسد شخصيته الحقيقية يسخر من البذخ الذي يعيش فيه النجم "فريد شوقي"، ويستنكر وجود الكحول في منزله.

فريد شوقي ورشدي أباظة ونادية لطفي

قصة الحب والفن والفُراق

قصة زواج وانفصال "فريد شوقي" و"هدى سلطان" واحدة من أجمل الحكايات التي تصلح لتكون محور فيلم درامي يصور علاقة حب وارتباط فني وإنساني تشبه رومانسيات الخمسينيات؛ فقد إنبهر النجم الكبير بالممثلة الناشئة واعترف لها بحبه أمام كاميرات التصوير، وجاء الأمر عفواً، وكان يمثل أمامها مشهد غرامي في فيلم "حكم القوي" وظل ينطق اسمها الحقيقي "هدى" بدلاً من اسم الشخصية "كوثر" حتى أوقف المخرج "حسن الإمام" التصوير، وحدث بعدها الحب وتم الزواج في عام 1951، واستمر 15 عاماً، وكانت تلك الفترة من أكثر المراحل الفنية ثراء في حياة الزوجين، وصنعا معا ثنائي فني ناجح، وطلبت "هدى سلطان" التمثيل أمام أبطال غير زوجها، وبدأت بفيلم "امرأة على الطريق"، ورشح "فريد شوقي" النجم الصاعد وقتها "رشدي أباظة" للبطولة بدلاً منه، ولكنه يعترف أنه كزوج غيور لم يستطع مشاهدة الفيلم لاحتواءه على بعض المشاهد الجريئة التي شاركت بها زوجته "هدى سلطان"، وحينما خفت الحب طلبت "هدى سلطان" الطلاق، ويعترف "فريد شوقي" أنه رفض وطاردها في كل مكان ليسترضيها، لكنها أصرت وغضبت وأهانته، وتراجع وتقوقع على نفسه وبكى كالأطفال، ولم يُخف هو تلك التفاصيل في مذكراته.

فريد شوقي وهدى سلطان

الفن في خدمة المجتمع

كان "فريد شوقي" قد انتقل من مرحلة الأدوار المساعدة التي جسد فيها شخصية الشرير إلى أدوار البطولة الشعبية، وفيها تبلورت شخصيته الفنية وكانت أدواره في تلك المرحلة مزيج من أفلام الحركة والكوميديا والدراما الإنسانية، ولم يكن الترفيه هدف كاف من وجهة نظر "فريد شوقي" الذي كان بطلاً شعبياً سينمائياً محبوباً في عيون جمهور البُسطاء، وقدم خلال حقبة الخمسينيات مجموعة أفلامه الواقعية التي تتلامس مع مشاكل المجتمع والتوجه العام بعد ثورة 23 يوليو، ووقف ممثلاً ومنتجاً وكاتباً ضد الرشوة والفساد وتجارة المخدرات في أغلب أفلامه، وقدم أعمالاً جذابة جمعت بين الترفيه والتسلية والنبرة الوعظية الملائمة لفكرة الرسالة الإجتماعية للسينما، ومن تلك الأفلام "حميدو" و"رصيف نمرة 5"، وكلاهما عن عن تجارة المخدرات التي صدرت حينها قوانين صارمة ضدها وصلت حد الإعدام، وأيضاً فيلم "الفتوة" الذي هاجم استغلال وتحكم بعض التُجار في أسعار الخضار والفاكهة.

كيف سرق "فريد شوقي" مسرحيات "يوسف وهبي"؟

من استمع إلى حوارات "فريد شوقي" التليفزيونية ومن يقرأ مذكراته سيكتشف أنه حكاء موهوب، ولديه القدرة على جذب المًشاهد والقارىء بالتفاصيل الدرامية التي تمنح حكايته التأثير المطلوب، وقد صبغ الحكايات التي اختارها من حياته بألوان درامية جذابة، سواء وهو يحكي قصص حبه وزيجاته، بما فيها من غرام ولوعة وفراق وضعف إنساني وتصرفات قد تكون طائشة، أو وهو يحكي كيف سرق في صباه بعض أفكار مسرحيات "يوسف وهبى" وصنع منها مسرحية أسماها "الفاجعة"، وقدمها أمام أبناء الشارع الذي كان يسكنه، وبعد بداية الفصل الثاني حضر شرطي وجذبه من فوق المسرح وذهب به لقسم الشرطة، ولم تكن التهمة سرقة أفكار مسرحيات "يوسف وهبي"، بل سرقة الخشب الذي صنع منه خشبة المسرح.

يثبت لنا "فريد شوقي" انه كان محباً للتنوع ولم يقع أسير صورة شجيع السينما الذي يضرب الجميع، وطور شخصيته وقدم دور البطل المقهور الذي يقاوم الظلم ويسعى للعدل، وقدم شخصية الأب المطحون المُكافح، وكانت حياته فريدة وثرية بالتفاصيل، وكان يُدرك أنه انسان يمشي على الأرض، ولم يكن يوماً رمزاً مُقدساً لا يجوز نقد فنه أو شخصه.