لتنعمي بحياةٍ صحية خالية من مضاعفاتها.. إليكِ نصائح طبيب للوقاية من السكتة الدماغية
في الولايات المتحدة، بات هناك شخصٌ واحد يُصاب بالسكتة الدماغية كل 40 ثانية.وتُظهر إحصائيات مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) أن ثلث البالغين في الولايات المتحدة على الأقل، لديهم واحدةٌ على الأقل من الأسباب الرئيسية للإصابة بالسكتة الدماغية. فيما يشير موقع منظمة الصحة العالمية إلى أن 15 مليون شخص في العالم يعانون من السكتة سنويًا؛ 5 ملايين منهم يموتون، و5 ملايين آخرين يبقون عاجزين بشكلٍ دائم، ما يُشكَل عبئًا ماديًأ ومعنويًا على الأسرة والمجتمع.
يحل شهر مايو كما كل عام، حاملًا معه توجهات الحكومات والمؤسسات الطبية على حد سواء، للتوعية من هذه المشكلة الصحية التي وإن كانت تبدو كتوقفٍ لبضع ثواني، إلا أنها قد تُخلَف إعاقةً خطيرة أو حتى الوفاة في بعض الحالات. وهو ما يستدعي معرفة الناس بأساسيات التعامل مع هذه المشكلة فور حدوثها، لتجنيب المصاب بها تلك المضاعفات.
للإضاءة أكثر على أسباب السكتة الدماغية، مدتها وأعراضها وكيفية الوقاية منها، فضلًأ عن العلاجات وإدارة المرض بعد حدوثه؛ كان لنا حديثٌ مُسهب مع الدكتور روبرت دي. براون جونيور، رئيس قسم الأعصاب في مايو كلينك في مدينة روتشستر بولاية مينيسوتا.
بدايةً دكتور روبرت، هل لكَ أن تشرح لناما هي السكتة الدماغية؟
تحدث السكتة الدماغية عندما يتوقف تدفق الدم المُحمَّل بالأكسجين إلى أحد أجزاء الدماغ، ما يُسبَب حرمان خلايا الدماغ من هذا الأكسجين. وتُعدّ السكتة الإقفارية أو احتشاء الدماغ،أكثر أنواع السكتات الدماغية شيوعًا بنسبة 85%، وتحدث عندانخفاضتدفق الدم إلى الدماغ. وعندانسداد الشريان الذي يحمل الدم الغني بالأكسجين والمواد المُغذية إلى الدماغ، تبدأ خلايا الدماغ بالموت.
تُعدّالسكتة الدماغية النزفيةالنوع الآخر الأقل شيوعًامن السكتات الدماغية بنسبة 15%؛ وتحدث عند وجود تسريبٍ أو تمزّقبأحد الأوعية الدموية في الدماغ، حيث يتسرّب الدم ويتجمع خارج الشريان في أنسجة الدماغ أو محيطها.
أما النوبة الإقفارية العابرة (TIA) فهي توقفٌ مؤقت لتدفق الدم إلى جزءٍ من الدماغ،وتكون أعراضها نفس أعراض السكتة الدماغية، لكنها تظهر لفترةٍ أقصر ثم تختفي. وتستمر معظم أعراض النوبة الإقفارية العابرة أقل من خمس دقائق،وهي تُعدّ حالةً خطيرة تشير إلى وجودخطرٍمتزايد للإصابة بسكتةٍ دماغية؛لذا من المهم عدم تجاهلها لمجرد اختفاء الأعراض.
ما هي العوامل التي تقف وراء الإصابةبالسكتة الدماغية؟
يمكن أن تزيد بعض عوامل الخطورة من احتمالية الإصابة بسكتةٍ دماغية؛ وبينمالا يمكن تغييربعض هذه العوامل،من الممكن تغيير بعضها الآخر أو علاجها، للحدّمن خطر الإصابة بالسكتة الدماغية. تشمل عوامل الخطورة التي لا يمكن التحكم فيها أو علاجها، العمر والتاريخ العائلي والعرق والإصابة السابقة بسكتةٍ دماغية أو نوبةٍ إقفارية عابرة أو نوبةٍ قلبية. أما عوامل الخطورة التي يمكن التحكم فيها أو علاجها،فتشمل ارتفاع ضغط الدم والتدخين والسكري وارتفاع الكوليسترول. وتشمل العوامل الأخرى، انقطاع التنفس الانسدادي أثناء النوم (أحد اضطرابات النوم) والسُمنة ونمط الحياة الخامل والإفراط في تناول الكحول.
كم تستمر السكتة الدماغية وما هي أعراضها؟
السكتة الدماغيةهي حالةٌ طبية طارئة تتطلب العلاج في أسرع وقتٍ ممكن حال ظهور الأعراض، لتقليل احتمالية الإصابة بإعاقةٍ أو الموت. وتعتمد خيارات العلاج الطبية والجراحية على ما إذا كانت السكتة الدماغية إقفارية أو نزفية، بالإضافة إلى مكان حدوث السكتة في الدماغ.
يمكن أن تصيب السكتات الدماغية الأشخاص من جميع الأعمار، ولكن تزداد احتمالية حدوثها مع التقدم في السن. ومن الضروري معرفة أن الأشخاص في العقد الثاني والثالث والرابع هم أيضًا عرضة للإصابة بسكتةٍ دماغية؛كما يمكن أن يُصاب الأطفال بسكتةٍ دماغية، لكنها أقل شيوعًا عندهم. وقد تختلف أعراض السكتة الدماغية وآثارها بين شخص وآخر بحسب الجزء المُصاب من الدماغ.
تظهر أعراض السكتة الدماغية على شكل صعوبةٍ في القيام بالأعمال. وقد تظهر على شكل ضعفٍ مفاجئ في عضلات الوجه أو الذراع أو الساق، أو صعوبةٍ في التحدث أو فهم الآخرين، أو فقدان البصر في إحدى العينين، أو كلتيهما، أو صعوبةٍ في المشي، أو خدرٍ في أحد جوانب الجسم، أو صداعٍحاد جدًا. إنّ إحدى الطرق السريعة لتذكَر أعراض السكتة الدماغية هي اختصار كلمةFAST؛حيث يدل حرف F علىتدلَي الوجه، و A على ضعف الذراع، و S على تشويش الكلام، و T تعني الوقت،أي أن كل دقيقةٍ يمكن أن تُحدث فرقًا. لذلك،يجب الحرص على طلب الرعاية الطبية فورًا في حال ظهور هذه الأعراض.
ويُوصى بالاتصال برقم الطوارئ المحلي وطلب الرعاية الطبية الطارئة في أقرب وقتٍ ممكن، علمًاأنه يتعينعلىالشخص الذي يعاني من الأعراض الامتناع عن قيادةالسيارة إلى غرفة الطوارئ.
ما هي آثار السكتة الدماغية على المصابين بها؟
يمكن أن تؤثر السكتة الدماغية على جميع وظائف الجسم. وقد يكون التأثير:
- جسدي:على شكل شللٍ أو ضعف أو انعدام الإحساس أو قلة التنسيق فيعضلات الوجه أو أحد الذراعين أو الساقين؛ وقد تؤثر على جانبٍ كامل من الجسم أو تتسبب بمشاكل في الرؤية أو صعوبةٍ في المشي أو صعوبة الكلام أو البلع.
- إدراكي: قد تتأثرالطريقة التي يفكر بها المرءأو يتفاعل بها مع الآخرين أو طريقة تفسير الأحداث اليومية.
- عاطفي:قد يشعر المصاب بالسكتة الدماغية بالاكتئاب والغضب، وقد تتولد لديهمشاعر بالضيق والحزن وفقدان الاهتمام بالأشياء التي كانيستمتع بها سابقًا.
كم يستغرق علاج السكتة الدماغية،لتجنبحدوثالمضاعفات؟
تعتمد فعالية علاجات السكتات الدماغية على سرعة التدخل من قبل الفريق الطبي بعد بدء الأعراض. وترفع سرعة التدخل العلاجي فعالية التعافي عقب حدوث السكتة الدماغية، إذ يمكن أن يؤدي الحصول على المساعدة الطبية الطارئة بسرعة إلى تقليل تلف الدماغ وتجنَب حدوث مضاعفات السكتة الدماغية الأخرى. وكلما زادت مدة السكتة الدماغية دون علاج، زاد احتمال تلف الدماغ والإصابة بإعاقة. وتختلف درجة الإعاقة بحسب نوع السكتة الدماغية، إقفارية أو نزفية، وموقعها وحجم الضررالذي تُلحقه بالدماغ.
كم من الوقت تستمر أعراض السكتة الدماغية، وهل يمكن علاجها وكيف؟
قد تكون مضاعفات السكتة الدماغية طفيفةً أو حادّة، ومؤقتة أو دائمة بحسب:
- نوع السكتة الدماغية.
- الجزء المصاب من الدماغ.
- نطاق الضرر الحاصل.
- قدرة الجسم على إعادة ضخ الدم إلى الدماغ.
- سرعة وفعالية استجابة الأجزاء الأخرى من الدماغ للتعويض عن الخلايا التالفة.
وكما سنُوضح أدناه، هناك علاجاتٌ إسعافية لتعزيز احتمالية تحسَن الحالة بعد السكتة الدماغية. كما توصف العلاجات الفيزيائية والوظيفية وعلاجات الكلام بعد الإصابة بالسكتة الدماغية مباشرةً، بهدف التعامل مع أي مضاعفاتٍ ناتجة عنها. وقد تستمر هذه العلاجات لأيامٍ أو أسابيع أو أشهر بعد الإصابة بالسكتة الدماغية، ويتم البدء بها بينما لا يزال المريض في المستشفى،كما يمكن أن تستمر بعد خروجه.
ما هي علاجات السكتات الدماغية طويلة وقصيرة الأمد؟
تختلف العلاجات الإسعافية بحسب نوع السكتة الدماغية، فيما إذا كانت إقفارية أو نزفية.
وتهدف علاجات السكتات الدماغية الإقفارية إلى تحسين تدفق الدم؛ إذ يجب إعادة تدفق الدم للدماغ بسرعة لعلاج السكتة الدماغية الإقفارية. ويمكن فعل ذلك باستخدام أدوية التمييع الإسعافية عن طريق الوريد أو جراحة الأوعية الدموية الإسعافية التي تتطلب وضع أنبوبٍ صغير من البلاستيك يُسمى قسطرة داخل الشريان، عادةً في أعلى الساق. ويتم بعد ذلك دفع هذا الأنبوب للأعلى إلى شرايين الدماغ إلى موقع الخثرة مباشرة، حيث يعمل الجهاز الصغير المُثبّت على طرف القسطرة على إزالة الخثرة من الشريان. وازداد نطاق استخدام هذه العملية بفضل تقنيات التصوير الحديثة، حيث تساعد تقنيات التصوير الطبقي المحوري أو التصوير بالرنين المغناطيسي على تحديد مدى احتمالية استجابة المريض لهذا العلاج.
بينما يُركَز علاج السكتة الدماغية النزفية على إيقاف النزيف أولًا،لتخفيف ضغط الدم على أنسجة الدماغ. وإذا كنتم تتناولون أدوية تمييع لتجنب حدوث الخثرات الدموية، قد تأخذون علاجاتً مضادة لعكس آثار مُميعات الدم؛ وتتضمن هذه العلاجات تناول الأدوية أو نقلبعض عناصر الدم. قد يكون هناك حاجةٌ أيضًا لإجراء عمليةٍ جراحية لإزالة الدم وتخفيف الضغط عن الدماغ، وذلك بحسب موقع وكمية النزيف؛كما يمكن أن يكون هناك حاجةٌ لإجراء جراحةٍ داخل الأوعية الدموية لمعالجة سبب النزيف، مثل التورّم أو التشوّه.
ما هي إجراءات رعاية المريض بعد الإصابة بسكتةٍ دماغية؟
بعد تقديم العلاجات الإسعافية، يخضع المريض للمراقبة الدقيقة في المستشفى. وتُركَز الرعاية الأساسية لحالات السكتات الدماغية، بعد تطبيق العلاجات الأولية السريعة، على تحديد سبب السكتة من أجل البدء بتقديم العلاجات التي تُسهم في الحدّ من خطر الإصابة بسكتةٍ أخرى، بالإضافة إلى تقديم العلاجات الهادفة للمساعدة على التعافي من آثار السكتة واسترجاع أكبر قدرٍ ممكن من وظائف الجسم والرجوع إلى الحياة الطبيعية. وتعتمد قابلية الشفاء من السكتات الدماغية على قوة السكتة الدماغية وموقعها والوضع الصحي العام للمريض وشخصيته وحالته العاطفية، إلى جانب دعم العائلة والأصدقاء والرعاية التي يتلقاها.
وبينما يتعافى بعض المرضى من السكتات الدماغية دون مساعدة، يحتاج العديد من الأشخاص إلى جلسات إعادة تأهيل لتعلَم المهارات السابقة من جديد واكتساب مهاراتٍ جديدة. وتهدف تقنيات إعادة التأهيل، سواء الجسدي أو الوظيفي أو علاجات الكلام، لمساعدة المريض المُصاب بسكتةٍ دماغية على الاستفادة من أكبر قدرٍ ممكن من قدراته الجسدية والعقلية والتكيّف مع أي آثارٍ سلبية ناتجة عن السكتة الدماغية. كما يعمل فريق الرعاية الصحية على الوقاية من حدوث المضاعفات، بما في ذلك تصلَب المفاصل أو قُرح الفراش أو الالتهاب الرئوي، التي قد تحدث بسبب عدم قدرة المريض على الحركة.
ما هي الإجراءات الواجب اتباعها للوقاية من السكتة الدماغية؟
يساعد تغيير نمط الحياة على الحدّ من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية. ويمكنكم الاطلاع على عوامل الخطر التي يمكن التحكم بها وإجراء التغييرات الضرورية على أسلوب الحياة، كما يجب التعرف على العلاماتالتحذيريةللسكتة الدماغية والنوبة الإقفارية العابرة. من الضروري معرفة فيما إذا كانت لديكم عوامل الخطورة للإصابة بالسكتة الدماغية، من أجل اتخاذ الخطوات اللازمة للحدّ منها.
فإذا كنتم تعانون من ارتفاع ضغط الدم، اطلبوا من مُزودي خدمات الرعاية الصحية فحص ضغط الدم في كل زيارة، بالإضافة إلى ضرورة الالتزام بتناول الأطعمة الصحية قليلة الدهون والملح. كما يُنصح بممارسة التمارين الرياضية بانتظام والحفاظ على وزنٍ صحي. وإذا كنتم تعانون من زيادةٍ في الوزن، يجب الحرص على خسارة هذا الوزن الزائد. وفي حال لم تكن هذه التغييرات كافيةً لضبط ضغط الدم، قد يكون من الضروري أخذ الأدوية التي غالبًا ما تكون اقتصاديةً وقليلة الآثار الجانبية.
يمكنكم طلب المساعدة من المساعدين الطبيين للتوقف عن التدخين والتحكم بمستوى السكر في الدم. وإذا كنتم تعانون من ارتفاعٍ في معدل الكوليسترول، يجب الحرص على اتبَاع نظامٍ غذائي صحي؛ ولكن إذا لم يكن ذلك كافيًا، تتوفر العديد من الأدوية الفعالة لخفض الكوليسترول. هناك أيضًا علاجاتٌ لاضطرابات النوم مثل انقطاع التنفس الانسدادي أثناء النوم؛ ويجب أيضًا تجنب نمط الحياة الخامل عن طريق ممارسة التمارين الرياضية لعدة أيام في الأسبوع، بالإضافة إلى ضرورة الابتعاد عن تناول كمياتٍ كبيرة من الكحول.
وإذا تعرضتم لسكتةٍ دماغية من قبل؛ قد تحتاجونللمزيد من التحاليل والفحوصات لتقييم حالة الشرايين التي تحمل الدم إلى الدماغ ووضع القلب ونُظم القلب، بالإضافة إلى ضرورة إجراء بعض تحاليل الدم، وذلكلتوضيح سبب الإصابة بالسكتة الدماغية. وإذا لوحظ وجود تضيّقٍ في الشريان الذي يُوصل الدم إلى الدماغ، يجب إجراء جراحةٍ أو قسطرة البالون للوقاية من الإصابة بسكتاتٍ أخرى في المستقبل. بينما تُعالج مشاكل القلب أو اضطرابات نُظم القلب باستخدام مُميعات الدم أو الأدوية الأخرى؛ ومن الضروري التقيّد بتطبيق أفضل الاستراتيجيات الوقائية بعد الإصابة بسكتة دماغية، وذلك للحدّ من خطر الإصابة بها مرة أخرى.
خلاصة القول، أن السكتة الدماغية لها عوامل خطورة لا يمكن التحكم بها مثل التاريخ العائلي للمرض والعرق، لكن هناك بعض العوامل الأخرى التي يمكن التحكم بها للحد من خطر هذا المشكلة الصحية. لذا ننصحكِ عزيزتي بوجوب الاستفادة من نصائح الدكتور روبرت الوقائية المذكورة أعلاه، والمتابعة مع الطبيب المختص على الدوام، لتجنب الإصابة بالسكتة الدماغية والتعرض لمضاعفاتها الخطيرة.