اضطرابات النوم ما أسبابها وأين تكمن مخاطرها

يحذر الأطباء من تداعياتها.. عندما تُنذر اضطرابات النوم بشيءٍ أكثر خطورة

جمانة الصباغ

النوم سلطان.. حقيقةٌ دامغة لا لُبس فيها، ومهما اختلفت آراء الناس حول أهمية الحاجة للنوم أو تعوَد الجسم على ساعات قليلة أو كثيرة للنوم. فالجسم بحاجة للراحة آخر النهار، بعد قضاء يوم طويل في العمل والدراسة والإنجاز المهني ومسؤوليات العناية بالأطفال والعائلة، إلى ما هنالك من مهام حياتية لا مفر منها. وقد أوجد لنا الله سبحانه وتعالى، فترة الليل والظلام كي ترتاح أجسامنا وعقولنا من الحركة والتفكير والعمل، ويُتوج هذا الأمر بالخلود للنوم ضمن أجواءٍ مناسبة.

لكن ماذا لو لم نستطع النوم بشكلٍ جيد أو كافٍ كل ليلة؟ وماذا لو كنا نعاني من نشاطٍ بدني خطير أثناء النوم يمكن أن يؤثر سلبًا علينا وعلى أحبتنا؟..

يؤكد الأطباء وخبراء الصحة أن الحرمان من النوم، قد يكون أشد إيلامًا من قلة الأكل أو الشرب أو الراحة. فهناك التعب والإرهاق وعدم القدرة على القيام بأي شيء، فضلًا عن ضبابية التفكير وعدم التركيز والعصبية الشديدة والتوتر، وصولًا إلى مشاكل صحية مرتبطة بزيادة الوزن والسكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب، وغيرها العديد.

لهذا، بتنا نجد العديد من العيادات المختصة بعلاج مشاكل النوم؛ وجملةً من الأطباء المختصين الذين يتابعون حالاتٍ صعبة وحرجة من اضطراب النوم، منهم أطباء في "مايو كلينك" ممن يواجهون بعض الحالات الشديدة والغريبة لهذا الاضطراب. ويُنذر هؤلاء المختصون بوجوب إيلاء اضطراب النوم العناية القصوى والخضوع للعلاج المناسب بأقرب وقتٍ ممكن، لأن استمراره لوقتٍ طويل يمكن أن يؤديلأمورٍ خطيرة.

الدكتور إريك سانت لويس طبيب النوم لدى مايو كلينك
الدكتور إريك سانت لويس طبيب النوم لدى مايو كلينك

عندما تُنذر اضطرابات النوم بشيءٍ أكثر خطورة

يومًا ما في الصباح الباكر، وأثناء فحص حالةٍ نائمة في مركز طب النوم في "مايو كلينك"؛ لاحظ الدكتور إريك سانت لويس أمرًا غريبًا. حيث بدأت الحالة، وهي مريضةٌ في أوائل الستينيات من عمرها، بالركض تحت غطاء سريرها. حيث بدأت ساقاها تنطلقان ببطءٍ في البداية، ثم أخذت تزيد سرعتها لتندفع في طريقٍ لا يراه أحد غيرها، وكان جفناها يرتعشان في ذات الوقت. وبعد الركض لمدة حوالي 30 ثانية، توقفت فجأة وفتحت عينيها، ولم يتوقع الدكتور سانت لويس أن يصدر مثل هذا التصرف من مريض انقطاع النفس النومي.

فيما بعد، عندما قابلها في مكتبه سألها ماذا حدث. فأجابت: "حسنًا، أنا أحلم هذه الأحلام المجنونة في بعض الأحيان. كنتُ أحلم برَجُلين يطاردانني، واستطعتُ أن أرى سيارة هروب جاءت لتساعدني كي أهرب -- استطعتُ أن أرى أضواءها الخلفية وكانت تبتعد عني ببطء، فركضتُ بأقصى سرعتي لألحق بها. وأخيرًا، عندما أصبحتُ على وشك القفز في السيارة، استيقظت."

التمثيل العصابي أثناء النوم.. مشكلةٌ يتبعها مشكلات

سمع الدكتور سانت لويس طبيب الأعصاب وطبيب طب النوم لدى مايو كلينك في مدينة روتشستر، ولاية مينيسوتا، رواياتٍ مختلفة لنفس القصة بعددٍ لا حصر له من المرات من قبل. فأحلام "التمثيل العصابي" أثناء النوم هي العلامة الرئيسية على اضطراب نوم حركة العين السريعة السلوكي، الذي يُعتبر من حالات خطل النوم التي عمل هو وزملاؤه لدى مايو كلينك على علاجها طوال العقود الماضية.

وقد اكتشفوا أنه إضافةً إلى إمكانية جرح المرضى وشركائهم في الفراش، فمن الممكن أن يكون اضطراب نوم حركة العين السريعة السلوكي علامةً مبكرة للإصابة بأمراض تنكسية عصبية مثل داء الباركينسون.وبرغم أنه يُعتقد أن اضطراب نوم حركة العين السريعة السلوكي لا يصيب سوى حوالي 1% من المرضى عمومًا، إلا أنه شائعٌ لدرجة أن الدكتور سانت لويس يتعرف عليه أحيانًا أثناء تقييم إصابة مريض بمرض نومٍ آخر أكثر شيوعًا.

ويقول الدكتور سانت لويس: "من الممكن أن يكون غير متوقع تمامًا وبمثابة اكتشافٍ مفاجئٍ لي وللمريض." ويساعد فريق من باحثي أمراض النوم لدى "مايو كلينك" على بذل جهودٍ طموحة لجمع أكبر قدرٍ ممكن من البيانات عن اضطراب نوم حركة العين السريعة السلوكي.

ويضيف الدكتور سانت لويس: "الهدف الرئيسي هو أن نفهم التاريخ الطبيعي لهذا الاضطراب فهمًا كافيًا، يُمكَننا من إجراء تجربة علاجٍ للوقاية العصبية تعتمد على دواءٍ أو تدخّلٍ يمنع تطور الإصابة بداء باركينسون أو الخرف في المستقبل."

تشريح اضطراب حركة العين السريعة السلوكي

يمكن لاضطراب نوم حركة العين السريعة السلوكي أن يزيد من مخاطر الإصابة بداء باركينسون
يمكن لاضطراب نوم حركة العين السريعة السلوكي أن يزيد من مخاطر الإصابة بداء باركينسون

في اضطراب حركة العين السريعة السلوكي النومي؛ يمرَ الدماغ بدورات حركة العين السريعة عدة مرات خلال الليل، وكل دورة تكون أطول كثيرًا، حتى يصل عند الصباح، إلى حوالي ربع ليلة النوم. ففي أثناء نوم حركة العين السريعة، تتحرك عيناكِ بسرعة أدنى جفنيكِ، وترين في أحلامكِ حركةً وقوة، وتصبح معظم عضلاتكِ مشلولة.

يشير الجرَاح ميشيل سيلبر، طبيب الأعصاب وطبيب طب النوم لدى "مايو كلينك" في مدينة روتشستر، ولاية مينيسوتا للأمر بالتالي: "من الناحية التطورية، هذا الشلل مفيد. وإلا، فكل مرة نحلم بنمرٍ يطاردنا سنقفز من الفراش ونجري نحو الردهة، وهذا بالتأكيد أمرٌ خطير على الصحة".

إلا أن المرضى المُصابين باضطراب حركة العين السريعة السلوكي النومي يفقدون هذا الشلل؛ لذا فهم يُمثلَون تمثيلًا عصابيًا في أحلامهم. ونتيجةً لذلك، فإنهم يقضون ليلهم يغنّون ويصيحون ويبكون ويلكمون ويقفزون ويركلون ويضربون أذرعتهم ويجرحون أنفسهم هم والآخرين، جروحًا خطرة أحيانًا.

تجدر الإشارة إلى أن نوبات التمثيل أثناء الأحلام الغريبة هذه، لم تُصنَّف على أنها اضطرابًا صحيًا حتى عام 1986. وعلى مدار عقدٍ من هذا التاريخ، اشترك الدكتور سيلبرمع الدكتور برادلي بوف طبيب الأعصاب لدى "مايو كلينك" في مدينة روتشستر، ولاية مينيسوتا والأستاذ الدكتور تانيس فيرمان، أخصائي طب النفْس العصبي لدى "مايو كلينك" في مدينة جاكسونفيل، ولاية فلوريدا وزملائهم في نشر سلسلةٍ من الدراسات التي أظهرت أن اضطراب نوم حركة العين السريعة السلوكي أكثر من مجرد إزعاجٍ أثناء الليل. واكتشف الفريق أن ما بين 50% و80% تقريبًا من مرضى اضطراب نوم حركة العين السريعة السلوكي، يُصابون باضطرابٍ تنكسي عصبي، وتحديدًا اضطرابٌ ينتج عن تراكم رواسب غير طبيعية من بروتين يُسمى ألفا ساينوكلين في الدماغ.

هذه الاضطرابات المعروفة باعتلالات الساينوكلين، تشمل داء باركينسون وخرف أجسام ليوي وضمورٍ جهازي متعدد. ويبدو أن الكُتل السمّية من بروتين ألفا ساينوكلين تُتلف أجزاءً من جذع المخ مسؤولةً عن شلّ عضلاتنا أثناء النوم، قبلما تنتقل إلى مناطق أخرى تتحكم في الأنشطة اليومية الأكثر وضوحًا.

ويقول الدكتور فيرمن: "لقد أظهر عملنا أن الإصابة باضطراب نوم حركة العين السريعة السلوكي تنشأ قبل سنوات، وغالبًا قبل عقود من الإصابة بداء باركنسون أو الاعتلال المعرفي. ويفتح اضطراب نوم حركة العين السريعة السلوكي نافذةً للوصول إلى الاكتشاف المبكر لاعتلالات الساينوكلين والعلاجات المستقبلية التي تستهدف على وجه التحديد البروتينات المسؤولة عن التنكس العصبي."

عدم التوصل بعد إلى تدخلٍ طبي معالج

للأسف، لم يكتشف الباحثون حتى الآن تدخلًا يُحوّل بشكلٍ كامل، مسار المرضى المُقدّر لهم الإصابة بداء باركنسون أو أي اضطراب تنكّسٍ عصبي مشابه. وهذا الأمر، بحسب قول الدكتور سيلبر، يُمثَل لغزًا أخلاقيًا. وأضاف قائلًا: "هل علينا أن نخبر مرضانا بما قد يحدث في المستقبل، مع أنه ليس بإمكاننا فعل أي شيء لمنع حدوثه؟"

مؤخراً، استطلع فريق مايو كلينك البحثي آراء 113 شخصًا من المصابين باضطراب نوم حركة العين السريعة السلوكي لمعرفة آراءهم. وقال أكثر من 90% من المشاركين إنهم يرغبون في معرفة أنهم في خطر. حيث يشعر المرضى أن هذه المعلومات التنبؤية مهمةٌ لمناقشتها مع أُسرهم وأصدقائهم؛ كما أن من شأنها أن تساعدهم على التخطيط للمستقبل.

ولكن عندما سأل الباحثون المرضى عن شعورهم نتيجةً لهذه المعرفة، قالت نسبةٌ كبيرة منهم إنها سبَبت لهم شعورًا بالضيق والقلق. ويقول الدكتور سيلبر في هذا الصدد: "علينا أن نتعامل مع هذا القلق. أقضي الكثير من الوقت في تقديم الاستشارات للمرضى، وأقول لهم لا تتركوا هذا الشعور يسيطر على حياتكم."

قد يستغرق الأمر سنواتٍ عدة أو حتى عقودًا، قبل أن يتطور مرض التنكس العصبي؛ ولن يُصاب جميع المرضى الذين يعانون من اضطراب سلوك نوم حركة العين السريعة بأحد هذه الأمراض خلال حياتهم. وأشار سيلبر إلى أنه أذا عرف المرضى أنهم مُعرَضون للخطر، فيمكنهم المشاركة في الأبحاث السريرية؛ وهو خيارٌ قد لا يكون متاحًا في حال بقي المرضى غير مدركين لهذه المعرفة.

اضطراب نوم حركة العين السريعة السلوكي مشكلةٌ خطيرة على الصحة
اضطراب نوم حركة العين السريعة السلوكي مشكلةٌ خطيرة على الصحة

السعي لمزيدٍ من التقدم فيما يخص تطور التنكس العصبي

يأمل الباحثون لدى "مايو كلينك" أن يُطوَروا المزيد من الخيارات المُتاحة للمرضى في المستقبل، للوقاية من تطور التنكس العصبي. ويتضمن أحد الحقول التي يستكشفونها، الأجهزة الإلكترونية الحيوية وهي نوعٌ من الأجهزة الطبية التي تستخدم الإشارات الإلكترونية لعلاج المرض أو تشخيصه. فعلى سبيل المثال، يُعتبر التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة، وهو علاجٌ غير جراحي لتحفيز الدماغ يعتمد على النبضات المغناطيسية لتحفيز الخلايا العصبية في الدماغ، الآن علاجًا مثاليًا للاكتئاب.

ومن ناحية أخرى؛ تختبر الدكتورة ماريا لابيد، الطبيبة النفسية لدى "مايو كلينك" في مدينة روتشستر، ولاية مينيسوتا، إذا كان من الممكن استخدام التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة لتسكين الاعتلال المعرفي الخفيف؛ ويعتقد الدكتور بوف أنه يمكن تطبيق منهجيةً مشابهة على اعتلالات الساينوكلين.

بالمثل، يرغب الدكتور بوف في التوصل إلى أجهزةٍ إلكترونية حيوية تتمكن من مراقبة اضطراب نوم حركة العين السريعة السلوكي وتشخيصه؛ بينما يُمثَل المرضى في أحلامهم وهم في منازلهم.ويقول: "إنه اضطرابٌ مخادع من حيث تشخيصه، لأنك إن لم تكن تعرف ما الذي تبحث عنه فستفقده."

في الختام، لا يسعنا وبعد الإطلاع على كافة تفاصيل هذا الاضطراب المزعج والخطير للنوم؛ سوى أن ننصحكِ وننصح أنفسنا عزيزتي بوجوب مراجعة الطبيب المختص فور الشعور بأي شيءٍ غريب يحدث معنا أثناء النوم، أو يؤثر علينا وعلى من حولنا بطريقةٍ سلبية شديدة.