الاستدامة من خلال الابتكار المفتاح لمستقبل الرعاية الصحية

الاستدامة من خلال الابتكار.. المفتاح لمستقبل الرعاية الصحية

جمانة الصباغ
26 ديسمبر 2023

"عام الاستدامة" هو العام الحالي، الذي نشهد آخر أيامه قبل حلول العام الجديد. وتحت شعار "اليوم للغد"، كرَست دولة الإمارات العربية المتحدة عام 2023 للاستدامة، بهدف إبراز الجهود التي تقوم بها دولة الإمارات في تعزيز العمل الجماعي الدولي لمعالجة تحديات الاستدامة ودورها في البحث عن حلول مبتكرة يستفيد منها الجميع.

وعندما نتحدث عن الاستدامة، فإننا بالطبع نتطرق لكافة مناحي الحياة؛ كون الاستدامة وبتعبيرها الدقيق، تعني بقاء الأنظمة الحيوية متنوعةً ومُنتجة مع الوقت. بعبارة أخرى، الاستدامة بالنسبة للبشر هي القدرة على حفظ نوعية الحياة التي نعيشها على المدى الطويل، وهذا بدوره يعتمد على حفظ العالم الطبيعي والاستخدام المسؤول للموارد الطبيعية.

من هذه الأنظمة أو المرافق الحيوية، تأتي الصحة في الطليعة؛ وأحد الأهداف الخاصة باستدامة الصحة في الإمارات تتمحور حول خفض الانبعاثات الكربونية بنسبة 20% بحلول عام 2030، وصولاً للحياد المُناخي في عام 2050. كل هذا في ظل التقدم التكنولوجي الكبير الذي يشهده قطاع الطب والصحة حول العالم، من تقنياتٍ وعلاجاتٍ ثورية تُحدث فرقَا كبيرًا في حياة الإنسان، وتعمل على تحسين جودة حياته والارتقاء بها.

يُحدثَنا الدكتور آزاد موبين، مؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة "أستر دي إم" للرعاية الصحية في مقالة اليوم؛ عن هذه التطورات في القطاع الصحي، والفرص الكبيرة الموجودة في المنطقة لجني ثمار هذا التقدم، كل ذلك ضمن خطة استدامة مهمة وبارزة في مجال الطب.

الدكتور آزاد موبين مؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة أستر دي إم للرعاية الصحية
الدكتور آزاد موبين مؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة أستر دي إم للرعاية الصحية

عصر التقدم التكنولوجي السريع

تشهد آفاق الرعاية الصحية تحولًا نموذجيًا،في عصرٍ يتسم بالتقدم التكنولوجي السريع والترابط العالمي والتحديات المتزايدة التي يفرضها تغيَر المناخ وتأثيره على الأجيال القادمة. إن العلاقة بين تغيَر المناخ وتأثيره على الرعاية الصحية لا يمكن إنكارها، ويجب علينا دمج الاستدامة مع الابتكار في عمليات الرعاية الصحية الأساسية، يؤكد الدكتور موبين؛ مضيفًا أنه من المهم جدًا أيضًا، أن تكون أنظمة الرعاية الصحية العالمية جاهزةً ليس فقط لدعم الاحتياجات المتطورة للأشخاص، وإنماأيضًا لإدارة أحداث "البجعة السوداء"، مثل جائحة كوفيد-19 التي لا يبدو أنها انتهت بعد.

ويقول: "تُعدَ أنظمة الرعاية الصحية المستدامة مطلبًا رئيسيًا لتقليل البصمة الكربونية على الكوكب، وبناء القدرات للتأهب لحالات الطوارئ الناجمة عن الكوارث المرتبطة بالمناخ؛ كما تحتاج أنظمة الرعاية الصحية في جميع أنحاء العالم إلى أن تصبح فعالةً في استخدام الطاقة، والانتقال إلى الطاقة المتجددة وضمان الإدارة الفعالة للنفايات. ولهذا السبب، هناك حاجةٌ إلى تعاونٍ أقوى بين الحكومات وصانعي السياسات وشركات الأدوية والتكنولوجيا ومُقدمي الرعاية، للتغلب معًا على التحديات التي يفرضها تغيَر المناخ. وكما أثبت مؤتمر الأطراف الثامن والعشرون COP 28الذي عُقد مؤخرًافي دولة الإمارات العربية المتحدة، هناك أدلةٌ كافية الآن للربط بين تغيَر المناخ والضرر على صحة الإنسان. لذلك من الضروري بناء أنظمة رعايةٍ صحية مرنة، قادرة على التغلب على التحديات ودعم التدابير المستدامة."

ويشيد الدكتور موبين بالتقدم الذي أحرزته شركة "أستر" في هذا المجال. إذ أنه ومن خلال التزامهم بدمج الممارسات المستدامة في عملياتهم في جميع أنحاء الهند ودول مجلس التعاون الخليجي، نجحت الشركة في استخدام مصادر الطاقة المتجددة بشكل فعال. ومن الجدير بالذكر أن التحوّل إلى 3,679,200 كيلووات ساعة من الطاقة الشمسية، و2,300,000 كيلووات ساعة من طاقة الرياح، و3,569,298 كيلووات ساعة من الطاقة المائية داخل الشركة، أدى إلى انخفاضٍ ملحوظ قدره 6,824 طنًا من مُكافئ ثاني أكسيد الكربون في صافي انبعاثات الغازات الدفيئة. ولا تساهم مثل هذه المبادرات في الرفاه البيئي فحسب، بل تعكس أيضًا الالتزام بالصحة العامة.

الابتكار في الرعاية الصحية مع مراعاة مبادئ الاستدامة
الابتكار في الرعاية الصحية مع مراعاة مبادئ الاستدامة

الابتكار في الرعاية الصحية

يؤكد مؤسس "أستر دي أم" للرعاية الصحية، أن الابتكار هو المفتاح لمستقبل الرعاية الصحية، ويُحدِثُ تأثير الذكاء الاصطناعي تموجاتٍ في هذا المجال؛ حيث يتم الآن قراءة العديد من الاختبارات التشخيصية والدراسات الإشعاعية مثل التصوير بالرنين المغناطيسي والأشعة المقطعية بواسطة الآلات بدلًا من البشر. كما يتم تزويد الأطباء بأنظمة دعمٍ قادرة على اتخاذ القرار لتساعدهم في التشخيص الأفضل، كذلك ساعدت الدراسات الجينومية في تشخيص وعلاج العديد من الأمراض، وهذا يجعل الممارسات الطبية الاستباقية، وليس التفاعلية، مركز الاهتمام؛ لذلك فإن طرق العلاج الشخصية تكتسب الآن زخمًا أكثر من العامة.

هدف الرعاية الصحية المستقبلية: التركيز على المريض

إن حجر الزاوية في نموذج الرعاية الصحية المستقبلي هو التركيز على المريض،ويشهد المجال الطبّي تحولًا نحو خطط العلاج الشخصية، ودمج ملاحظات المرضى في تطوير الخدمة، ومساعدة الأشخاص في رحلة الرعاية الصحية الخاصة بهم. هذا ما أفادنا به الدكتور موبين، مشيرًا إلى أن التركيز قد تطورَ من نهجٍ يعتمد مقاسًا واحدًا يُناسب الجميع، إلى نموذجٍ شامل يضمن رفاهية المرضى والكوكب على حد سواء. وبالتالي، فإن الحاجة إلى الرعاية المتخصصة تنمو في ذات الوقت، وذلك بفضل دمج التكنولوجيا في النظام البيئي للرعاية الصحية. ويُعَد التعاون بين المريض ومُقدم الرعاية، أمرًا أساسيًا للبقاء على معرفةٍ بالاحتياجات وتقديم الحلول التي يحتاجها الناس؛ كما سيكون تقديم الرعاية الصحية المتكاملة الذي يجمع بين الرعاية الأولية والرباعية المدعومة بتجربةٍ سلسة، أمرًا ضروريًا لمُقدمي الخدمات للبقاء في الطليعة.

ويضيف:" إننا نعمل على تعزيز بصمتنا في دول مجلس التعاون الخليجي عبر القنوات المادية والرقمية، كما نعمل على إنشاء وتوفير الخدمات الصحية الأساسية والرعاية الوقائية والتثقيف الصحي، بما يتماشى مع التركيز المتزايد على الرفاهية الشاملة."

التركيز على صحة ورفاهية المريض في المقام الأول
التركيز على صحة ورفاهية المريض في المقام الأول

دول مجلس التعاون الخليجي: منطقةٌ غنيةٌ بالفرص

وفقًا للدكتور موبين، من المتوقع أن ترتفع نسبة السكان الذين تزيد أعمارهم عن 65 عامًا إلى 4.4% بحلول عام 2030 في دولة الإمارات العربية المتحدة،مقارنة بـ 1.1% حاليًا، وذلك وفقاً للبنك الدولي. ويُتوقع أن يؤدي هذا الارتفاع إلى تحفيز الطلب المتزايد على الرعاية الصحية الرباعية والمرافق التي تُقدم الرعاية الصحية المتقدمة والخبراء، بما في ذلك خبراء رعاية كبار السن. إن تدفق السكان والديناميكيات المُتغيرة وتركيز حكومة الإمارات على بناء الدولة كمركزٍ للسياحة الطبية ذات المستوى العالمي، سيجلب استثماراتٍ من القطاع الخاص ويفتح الفرص لمُقدمي حلول التكنولوجيا الرقمية والمُبتكرين والمهنيين الطبيين من ذوي الخبرة.

على نفس المنوال، هناك فرصٌ هائلة تنتظر دولًا مثل المملكة العربية السعودية وعُمان وقطر؛ حيث تستعد المنطقة لتلبية متطلبات الرعاية الصحية المتزايدة محليًا، دون أن يضطر المرضى للسفر إلى الخارج للحصول على رعايةٍ متقدمة، يؤكد الدكتور موبين. مضيفًا أنه من المتوقع أن تشهد المملكة العربية السعودية نموًا وتغييرًا هائلين في قطاع الرعاية الصحية، في ظل تركيز الحكومة على تحسين البنية التحتية للرعاية الصحية كجزءٍ من رؤيتها لعام 2030. كما أن هناك إمكاناتٍ هائلة لمُزودي الرعاية الأولية، لتوسيع شبكتهم من الرعاية الموحدة وتلبية الطلب العام .

خلاصة القول، أن التطور التكنولوجي السريع الذي تشهده مرافق الحياة كافةً، وعلى رأسها الصحة؛ لا ينفي أبدًا الحاجة للعمل بمبدأ الاستدامة والسعي لتطبيقه بكافة نواحي هذا القطاع. مع التركيز على رفاهية وراحة وصحة المرضى في المقام الأول، فيما تسعى الاستدامة في قطاع الصحة لتحسين وتفعيل العلاجات وكافة التقنيات المتبعة لضمان حصول المرضى على رعايةٍ صحية عالية تضمن حماية البيئة والمناخ في ذات الوقت.