الجينيوم في حياتي

صادف هذا العام الذكرى الستين لاكتشاف تركيب كود المادة الوراثية أو الحمض النووي "دي إن إيه" من قبل العالمين واتسون وكريك الحائزين على جائزة نوبل لاكتشافهم الذي غير فهمنا للمادة الوراثية. وعلى الرغم من قصر تاريخ معرفتنا بالجينيوم أو مجموعة الجينات من جهل تام بتركيب المادة الوراثية منذ ستين عاما، مرورا بمشروع الجينيوم البشري الذي حدد تسلسل تركيب وموقع جميع الجينات عام 2003، ووصولا  إلى مرحلة وجود شركات على شبكة الإنترنت تقدم خدماتها للعامة بعمل تحليلات جينية أمثال شركة 23 and Me لتعطي تقريرا للشخص يرسم خريطته الجينية وإمكانية إصابته بأمراض معينة، وصولا إلى تاريخ عائلته عن طريق فحص يصلك للبيت، وكل ما تحتاج إليه هو عينة من الفم، على الرغم من أنني أتحفظ كغيري في هذا المجال على مثل تلك الشركات، واستغلالهم لحماسة الناس في معرفة الجينات بتوفير طرق قد لا تكون دقيقة، ومن دون استشارة للطبيب، إلا أننا لا ننكر أنها أصبحت واقعا يجب أن يتعامل معه الممارسون الصحيون وبداية لاستخدام الجينيوم في العيادة، لكن السؤال المهم، هل يمكن استخدام مثل تلك المعلومات الجينية في ممارسة الطب بشكل يومي الآن؟ هل فعلا حان الوقت للعلاج بأسلوب الطب الشخصي؟ وما هو الطب الشخصي الموجه؟
 
الطب الشخصي، الذي ببساطة يعني تحديد الخريطة الجينية بفحوص مخبرية للمريض، يتمكن الطبيب من خلالها من اتخاذ قرارات صائبة بشأن منع أو علاج الأمراض، أصبح حقيقة في كثير من دول العالم المتقدم، وأصبح تدريس طلاب الطب في مثل تلك الدول يعتمد علي إدخال تطبيقات الجينيوم بالعلاج الإكلينليكي، حرصا منهم علي إعداد جيل جديد من الأطباء متمكن من هذه التطبيقات، إضافة إلى تدريس الطب بالطرق التقليدية السريرية، ولعل أهم التطبيقات الحديثة للطب الشخصي الإكلينيكي الملموسة الآن هي استخداماته في علاج السرطان، فمثلا الأطباء المعالجون لمرضى السرطان يمكنهم الاستفادة من الاختبارات الجينية في التنبؤ بكيفية استقلاب الدواء للسرطان، أو كشف استجابة الورم المحتملة للعلاجات المستهدفة. ويمكن أيضا استخدامه، كما فعلت الممثلة الشهيرة أنجلينا جولي، في الكشف عن النوع الوراثي لأشكال معينة من سرطان الثدي والمبيض عن طريق فحص جيني، والتي مكنها من تحديد إصابتها بطفرة بجينات تزيد خطر إصابتها بالسرطان لاحقا، وهو ما جعلها تتخذ قرارا شجاعا باستئصال ثدييها، والتخطيط أيضا لاستئصال مبيضيها لاحقا كسبيل للوقاية المستقبلية، لكن التطبيقات للطب الشخصي تستخدم أيضا في محاولة لمنع الإصابة أو الاستعداد مبكرا بأمراض غير سرطانية أيضا. 
 
مثلا على الرغم من أنه لا يوجد حاليا أي علاج لوقف تطور مرض الزهايمر، يرغب العديد من الأفراد، خصوصا في الدول الغربية، في معرفة ما إذا كانوا يحملون أشكالا عالية المخاطر من الجينات المرتبطة به، لكن هذا لا يعني أننا في وقتنا الحالي سنجد الجواب لكل معضلة صحية في الجينات، والسبب أننا لا نملك بيانات لجعل مثل هذا التنبؤ الجيني منطقيا لكثير من الأمراض حتى الآن، وخاصة أنها مرتبطة بالمعطيات السريرية.
 
وأيضا لأن الدراسات والتقنيات مازالت مستمرة. كما أنه مما لا شك فيه أن البيئة تلعب دورا مهما في الأمراض التي تحتوي على عنصر وراثي قوي، ولا شك في أننا نعيش عصر الثورة الجينية، ولا أستطيع أن أنكر أننا أصبحنا قريبين جدا من اليوم الذي سيصبح لكل شخص خريطته الجينية، التي ستكون بمنزلة ملفه الطبي المتنقل الذي يحمله معه كبطاقته الشخصية عند زيارة طبيبه في العيادة، وعندها سيكون الجينيوم هو أساس ممارسة مهنة الطب الشخصي الموجه، وواقع لا بد من الاستعداد المبكر له للحاق بركب التطور الصحي العالمي.
 
خاص بـ "هي" 
د.ملاك عابد الثقفي
البورد الامريكي في علم الأمراض التشريحية والاكلينكيه والأمراض الجزيئيه الجينيه
مستشفى برجهام اند ومن -جامعه هارفارد