نصيحة أبي

التاجر الأمين يعرف أنه يخسر كثيرا عندما يفكر في الربحية فقط طوال الوقت، هكذا تعلمت من والدي، فقد كان تاجرا، وأراد أن يعلمني قواعد العمل في هذه المهنة الشاقة. وتعلمت أن الأمانة هي رأس المال الذي لا يضيع، بل على العكس من ذلك ينمو ويزداد طوال الوقت. 
 
رفضت نصائح والدي بالاستمرار بالعمل معه في التجارة، واحتفظت بنصيحته بأن سر النجاح يكمن في أن أكون دائما أمينا في عملي، وورث عني ابني طارق هذه الصفة التي كانت سببا في اجتهادي في عملي، وعلى الرغم من اشتراك طارق في فيلم "دكتور زيفاغو" وهو صغير، إلا أنني فضلت أن يبتعد عن الفن، ويتجه إلى العمل الحر، وأخذ ابني بنصيحتي التي رفضتها من جده، وعمل طارق بالتجارة والأعمال الحرة، وتمسك بنصيحة جده عن الأمانة، فكان النجاح حليفه.
 
أفكر الآن في هذه الأمور، لأنني لم أعد أفكر كثيرا في الماضي، لم أعد أهتم بنصب ميزان أعمالي لأعرف هل حققت مكاسب كثيرة أم أخفقت وخسرت، فالمسألة تستوي، بل أجد أنها لا تستحق مني عناء التفكير، لأن ما حققته من نجاح إذا كنت قد نجحت، فهو بفضل سر نصيحة أبي، وإذا لم أحقق شيئا فربما لأنني خرجت عن قواعد اللعبة في بعض الأوقات، أقصد قواعد لعبة التجارة الحقيقية.
 
أما لماذا لم أختر لابني مجال الفن، فلأنني لم أحب أن يعاني ألم الشهرة وعذاب النجومية وتعاسة الوحدة، فالفنان على الرغم من كل ما يحيط به من معجبين ومقربين وأصدقاء وزملاء، يشعر دائما بالوحدة، وأنا عن نفسي قد لا أهتم كثيرا بأمر الوحدة، فقد تدربت عليها، أو لنقل تعودت عليها، فأصبح الأمر سيان.
 
وفي كل الأحوال موضوع أن أكون وحيدا يحتاج مني إلى كلام آخر ليس في هذا المقام.
 
أعود إلى طارق الذي هو متصل بي دائما، ولكي أكون صريحا أو لنقل أمينا مادام الأمر يتعلق بأمانة التجار، فقد حرص طارق على أن يكون إلى جواري هو وأولاده، فمع أحفادي أشعر بأن كل الدنيا معي، ولا أريد شيئا آخر، وعندما أكون بعيدا عنهم أفتقد الفرح، أقصد فرح الطفولة التي لم أعشها وأنا في مثل هذا العمر.
 
أعود لما بدأت به كلامي: إن والدي كان تاجرا، وسمة أهل التجارة التنقل من مدينة إلى أخرى، وعلى الرغم من أن ذلك لا يشعرك باستقرار العيش أو متعة حياة الأسرة، إلا أنه يكسبك ثقافات، ويعلمك أشياء، ويوسع مدارك عقلك، فالنجاح في الحياة بقدر ما يمنحك أشياء يأخذ منك أشياء أخرى.. ولهذا حديث آخر.