شيكو

"ابن الحاج أحمد" يعبث بالكوميديا.. انطلاقة متواضعة لـ"شيكو" في البطولة المُطلقة!

إيهاب التركي
30 أبريل 2023

أصبح مُصطلح "فيلم العيد" تهديدًا لكل من يُحاول الكتابة بجدية عن هذا النوع من الأفلام، سواء في مقال نقدي أو بوست على الإنترنت؛ فهي أفلام خفيفة مصنوعة لجمهور يسعى للتسلية العابرة، والجميع يتشقلب على الشاشة لإضحاك الجمهور، أو إبهاره بالأكشن والمُطاردات، أما تحليل الصورة السينمائية فهو تضييع للوقت، وتقييم الحبكة الدرامية شىء غير ضروري، وتسليط الضوء على جماليات المونتاج والأداء من قبيل العبث، وكأن الفيلم التجاري لديه رُخصة خاصة تعفيه من التقيد بفنيات السينما والدراما، وتمنحه حصانة من النقد، أو هكذا يظن البعض، وهذا البعض يريد معرفة أجابة سؤال محدد: هل الفيلم مُسلي ومضحك؟ أجب بنعم أم لا.

أزمة سينما العيد!

فيلم "ابن الحاج أحمد" نموذج لما يسمى بـ"أفلام العيد"، لكني لا أعد بإجابة السؤال السابق؛ فلو حللت عناصره بجدية سأجده عملًا أقل من متواضع؛ وستصيح أصوات قائلة أنه مجرد فيلم خفيف، غرضه الضحك والتسلية وتقضية وقت لطيف، ولو تماهيت مع خفته سأمنح الفيلم تقدير لا يستحقه.

الفيلم بطولة "شيكو" في أول بطولة مُطلقة له، و"شيكو" أحد نجوم الكوميديا الجدد، وواحد من القلائل الذين يغامرون بتقديم أفكار كوميدية مبتكرة، سواء مع الثلاثي في بداياته، أو مع توأمه الفني "هشام ماجد" حاليًا، ويشاركه في بطولة الفيلم "سيد رجب"، و"رحمة أحمد"، و"مصطفى غريب"، و"صبري فواز"، ومجموعة من ضيوف الشرف الذين لا أجد مُبررًا لظهورهم في مشاهد مكتوبة بشكل متواضع إلا مُجاملة زميلهم "شيكو" في أول بطولاته المُطلقة.

غ

شخصية الفيلم الرئيسية صبي البقال أحمد شلتة "شيكو"، وهو الذي يتولى عمليات البيع وتوصيل الطلبات للمنازل، ووالده مالك المحل العجوز القعيد الحاج أحمد "سيد رجب"، ولا يوجد في عالم البقال وابنه إلا المواقف الضاحكة التي تدور داخل محل بقالة مُتواضع يقع في حارة مصرية شعبية، ولكن الفيلم يضع الشخصيتين داخل مغامرة كبيرة غير مُتوقعة، تنطلق من الحارة الضيقة إلى رحاب شوارع المدينة الواسعة المزدحمة.

"أحمد شلتة" الشخصية التي يؤديها "شيكو" عن شاب ناقم مُفرط البدانة، رث الهيئة، ويتصف بالغباء والغرابة، يعيش قصة حب من طرف واحد، ويُحاول بكل الطرق لفت نظر فتاته الحسناء، وإثارة إعجابها، وجميع صفات البطل الشكلية والشخصية يتم إستغلالها كمصدر لنكات وإفيهات طوال أحداث الفيلم؛ فجميع من حوله الجميع يسخر من بدانته وغبائه حتى والده البقال المشلول المُتسلط "سيد رجب".

ب

كابوس فتى الأحلام!

"شلتة" لا يتمتع بأى صفات تجعله فتى أحلام أى فتاة؛ ولهذا يعيش في أحلام اليقظة أغلب الوقت، ويتخيل نفسه السوبر هيرو الذكي، والشاب الجذاب المحبوب من الفتيات، ويظل داخل قوقعة هذه الخيالات والأوهام حتى يكتشف أن والده له ماضي مثير وغامض، ويدخل بصحبته في مغامرات عنيفة للهرب من عصابة كانت تبحث عن الأب منذ 30 سنة.

الفكرة منسوبة للمخرج "عمرو سلامة"، وشخصية "أحمد شلتة" ببعض تفاصيلها تذكرني بشخصية "والتر ميتي" التي قدمتها هوليوود في فيلم بعنوان " The Secret Life of Walter Mitty" "الحياة السرية لوالتر ميتي"، مرة بطولة "داني كاي" في عام 1947، ومرة ثانية بطولة "بن ستيلر" في عام 2013، ووالتر ميتي شاب خجول ومنطوي يعمل محررًا بسيطًا في دار نشر روايات المغامرات والجريمة، وهو شارد يعيش في أحلام يقظة دائمة، ويسخر منه المحيطون به، وبشكل والدته المُتسلطة، ومديره في العمل، وأغلب أحلام يقظته مقتبسة من أحداث الروايات التي يُحررها، وعلى أرض الواقع يتعرف على فتاة حسناء غامضة ووالدها المشلول، ويجد نفسه داخل مغامرة تجسس حقيقية.

فكرة "ابن الحاج أحمد" صاغ لها السيناريو "محمد المحمدي" و"أحمد محي"، وإخراج "معتز التوني"، وهى تمصير سطحي ومُبتذل للنسخة الأمريكية، وتشويه لمضمون الشخصية المحورية للشاب الحالم المعتل إجتماعياً، وهى شخصية ثرية ومليئة بالتعقيدات النفسية والعاطفية، ولا يُمكن إختزالها في المواقف الضاحكة التي قدمها الفيلم وصنع منها حفلة تنمر على شخصية البطل لمدة تُقارب الساعتين.

ب

زحام شخصيات بلا داعي!

على عكس شخصية الغبي الذي لا يعترف بغبائه التي قدمها "هاني رمزي" في فيلم "غبي منه فيه" نجد صبي البقال "شلتة" يُدرك غبائه ويعترف به ويهرب منه إلى أحلام اليقظة، ولكنه في الواقع يستمر في محاولة التصرف بذكاء لعله ينجح في تحقيق أى إنتصار صغير، ولكن تلك المحاولات تنتهي بكارثة دائمًا، والكارثة تجر كوارث أخرى خلفها، بعض هذه الكوارث يتعلق بالكوميديا التي بدأها الفيلم بفكرة مُبشرة لم تنضج، ولم تتطور، وتحولت إلى مشاهد مُصممة للتهريج والإستظراف والصخب بدون لمحات كوميدية لامعة في السيناريو والإخراج، ومنها المشاهد الأبرز، في حفل الأوبرا، ومشاهد الملاهي وعرض البطاريق في الجليد، ومشهد "أيمن وتار" المُبتذل عن شفط الدهون.

شخصية "شلتة" لا تتطور تقريباً طوال الأحداث، وردود فعله والمواقف التي يتعرض لها تتكرر بصورة رتيبة، ويصاحبها كثير من الصخب الذي يلائم إطار كوميديا العبث التي يُقدمها الفيلم، والأزمة الأبرز أن الفيلم يعيد ويزيد في النكات التي قدمها في أول نصف ساعة بالفيلم ولا يُدرك أنها أصبحت كلاشيه في باقي الفيلم.

لا يُحاول الفيلم منح كل خيوط الدراما للبطل؛ لهذا يوزع العمل الأدوار على الجميع، ويبدو هذا جيدًا من الناحية النظرية، ولكنه في الفيلم سحق الشخصية الرئيسية، وجعل وجودها سلبيًا في عديد من مناطق الدراما، وتسبب هذا في جعل الجميع يتحرك بإفراط ويصرخ طوال الوقت على الشاشة، وتتثاقل حركة البطل، وتقل حيوية شخصيته تدريجيًا.

مشاهد الفيلم الأولى كانت مُبشرة بحكاية عن شاب يعاني خللًا في حياته، ولكن جائت المُغامرة الكرتونية بنتيجة عكسية، وحولت أزمته الشخصية إلى مُجرد نكتة، وأصبحت شخصيته مُتصالحة مع هذه النكتة ومع فشله؛ فهو يعترف أنه فاشل وغبي بلسانه، ويتقبل التنمر الدائم به رغم رفضه الظاهري، وهو يصل إلى نقطة مراجعة الذات والتمرد على غبائه بالصدفة البحتة قبل نهاية الأحداث، وحدث هذا غالبًا لإنهاء شريط الفيلم، وليس نتيجة تطور درامي للشخصية. 

ب

الرحمة يا رحمة!

اجتهد "شيكو" في رسم ملامح شخصية "أحمد شلتة" وقدمها بإطار جيد، ولكن تظل الشخصية مجرد كاراكتر لطيف لم يجد سيناريو قوي يصنع لوجوده الدرامي معنى؛ فالمغامرات التي قدمها الفيلم لم تكن مُبدعة وأصيلة، وربما كانت مُضحكة على الورق، ولكنها لم تكن هكذا على الشاشة.

الفيلم حاشد بأسماء نجوم لمعوا خلال السنوات الأخيرة في مجال الكوميديا؛ مثل "مصطفى غريب" و"رحمة أحمد"، بالإضافة للظهور الخاص للممثلين "صبري فواز"، و"محمد لطفي"، و"عايدة رياض"، وضيوف الشرف "بيومي فؤاد"، و"هشام ماجد"، ولكنها مُجرد أسماء على التتر، بلا أى تأثير حقيقي في أحداث الفيلم، أو لمسات خاصة تُبرر الظهور الخاص والعام والعابر لبعضهم.

لم أتفق مع الإتهامات الموجهة لـ"رحمة أحمد" بالإفراط  في الأداء والصراخ في مشاهدها بمسلسل "الكبير أوي"؛ فشخصية مربوحة مُندفعة وهيستيرية منذ ظهورها في الجزء السادس، ولكن صراخها في فيلم "ابن عم أحمد" جاوز الحدود المقبولة للأداء الكرتوني لشخصية نبيلة، الفتاة التي تُساعد والدها "صبري فواز" ورفاقه في مواجهة العصابة، ولكن صراخها في الفيلم وصل حد الإزعاج الحقيقي، وكسر حاجز الصوت المسموح به للشخصية الهيستيرية، ووجب أن نطلب منها الرحمة.

ظهور "بيومي فؤاد" في مشهد عابر وسطحي وغير مُضحك واحد من عجائب الكوميديا خلال السنوات الأخيرة، لكن وجود "صبري فواز" في دور قليل التأثير بأداء خافت إختيار غير مفهوم.

ب

الصور من صفحة شيكو على الفيسبوك