Guillermo del Toro's Pinocchio

فيلم "Guillermo del Toro's Pinocchio".. نسخة خالية من التصنع تهزم "ديزني"

رامي المتولي
29 ديسمبر 2022

عالميًا هناك أكثر من 20 نسخة من الأفلام تركز جميعها على شخصية بينوكيو والتى ظهرت فى التراث الإنساني تحت عنوان "مغامرات بينوكيو" على يد المؤلف الإيطالي كارلو كولودي بداية من عام 1881، وهو ما يعني أن هذه الشخصية وما تعبر عنه بكل قيمها ما زالت على مدار 141 عاما مؤثره وتصلح للتفاعل معها خاصة وأنها حظت بنقطة استقرار وانتشار محورية في تاريخها عندما أنتجت استوديوهات "ديزني" فيلم رسوم متحركة عن الشخصيه عام 1940، والذى حقق شهرة وانتشار كبيرين وظل شكل بينوكيو من هذا الفيلم لعقود هو المعادل البصري للشخصية.

في ذلك الوقت كانت هناك ريادة حقيقية لديزني واستحقاق لمكانتها فنيًا بشكل مساوي لحجم التطوير والإبهار الذي تقدمه في أعمالها، لكن مع بداية العقد الثاني من الألفية الجديدة كان هذا الاستحقاق قد تغير، وأصبح هناك منافسين يملكون قدرات إبداعية أكبر وخيالًا أوسع في قدرته على التعبير عن القضايا المعاصرة، ومع دخول مشروع ديزني بتحويل أعمالها الكلاسيكية من الرسوم المتحركة إلى الصورة الحية على استحياء فى تسعينيات القرن العشرين ثم إكتمال الرؤية ودخوله حيز التنفيذ الفعلي بداية من فيلم "أليس فى بلاد العجائب" عام 2010، والذي يعد نسخة من فيلم رسوم متحركة أصلي عام 1951 بنفس العنوان، بدأت معالم ضعف هذا المشروع تظهر، والسلبية الرئيسية فيه هى منهج ديزني فى إعادة إنتاج كل الأفلام ليس للضرورة وتعميق للأفكار التى طرحتها أفلامها من قبل، أو اعادة إحياء مستغلة التقنيات الحديثة لتصنع صورة أكثر إبهارًا كما كانت أفلامها تفعل فى دور العرض قبل أكثر من 80 عام، لكن فى الحقيقة مشروع الإحياء هو إعادة استغلال لشهرة الأفلام القديمة فقط.

ب

الأجيال التي عاصرت هذه الأفلام ومن بعدهم يعتبرونها من الكلاسيكيات، لكن الأجيال الاحدث منفصلة عنها تمامًا، لذلك كان التوجه بإعادة البناء لكل هذه الأفلام بما يتناسب مع توجهات الشرائح المستهدفة من الجمهور تبعًا لتقييمات ديزني، رغبة في تحقيق ربح مادي مباشر من خلال إعادة الاستغلال، دون النظر إلى أن هذه التغيرات ليست متأصلة في الأفلام، هي مجرد قشرة سطحية تغازل توجهات المراهقين حاليًا وتسير وفق أجندة الصوابية السياسية بكل فروعها الجندرية والعرقية، الأمر الذي اهال التراب حرفيا على الأعمال السابقة، وشوهها بالنسخ الحديثة التي تبدو كالمسخ بكل هذا التلاعب السطحي في افكارها.

أحدث الأعمال في هذا المشروع هو فيلم "بينوكيو" والذي بدأ عرضه شهر سبتمبر الماضي، من بطولة توم هانكس والأداء الصوتي لبنجمين إيفان انثورث، وجوزيف جوردون ليفيت، وهو الفيلم الذي تم إستقباله بفتور شديد من النقاد والجمهور، كونه بلا أي تميز على مستوى السيناريو أو التمثيل أو الإبهار البصري، وعلى الرغم من الفارق الزمنى والتقدم التقني فى مجال الخدع البصرية والتصوير، لم يقترب حتى من حرفية وإبهار النسخة الأصلية عام 1940، فلا جديد قدمه الفيلم الجديد على مستوى الأحداث أو تصميم الشخصيات ولم يضف توم هانكس أي شيء للفيلم وحتى أفكاره لم تتطور حتى فى اتجاة الصوابية السياسية ودعم الأقليات إلا ظاهريا فقط عن طريق تغيير لون بشرة بعض الشخصيات أو إضافة شخصية شابة قوية -ليست بيضاء البشرة- تتصدي لشخص مستغل عن طريق الثبات على حلمها، لتصبح محصلة إعادة إنتاج "بينوكيو" لديزنى في الحقيقة صفر فائدة.

ب
بينوكيو

عام 2022 شهد إقبالا على شخصية بينوكيو، ففى مطلع العام وقبل فيلم ديزني، كان هناك فيلم رسوم متحركة روسي ثنائى الأبعاد آخر حمل عنوان "بينوكيو: القصة الحقيقية"، ويحمل طابع افلام ديزنى فى التسعينات، أضاف تطويرًا على شخصية بينوكيو بأن جعلها لمراهق يسافر ليستكشف العالم برفقة حصانه، وبسبب حقوق توزيع الفيلم التى حازتها شركة "ليونزجيت" تم إعداد نسخة صوتية باللغة الانجليزية وحظي بإطلاقه كنسخة DVD فى الولايات المتحدة، لكن الفيلم مثله مثل فيلم ديزني مجرد نسخة باهته أخري تستنسخ الفيلم الأصلي وعالم ديزني، دون أي تفرد أو أصالة تميزه، لكن مع حلول ديسمبر الحالي وعرض فيلم  Guillermo del Toro's Pinocchio أو"جييرمو ديل تورو: بينوكيو" ظهرت أكثر مشاكل نسختى فيلم ديزني لهذا العام، ونسخة ديزني من الفيلم تحديدا ومن مشروعها لإعادة أفلامها الكلاسيكية عامة.

فعرض فيلم مستقل آخر عن بينوكيو وضعه في مقارنة مباشرة مع فيلم ديزني، التي كانت حتى قبل سبتمبر الماضي صاحبه النسخة الأكثر تميزًا عن الشخصية، لكنها وبكل استسهال اعتمدت على اشكال الشخصيات من الرسوم المتحركة باستخدام الكمبيوتر والمكياج وحولتهم إلى نسخ حية وثلاثية الأبعاد مع الاهتمام بالتنوع العرقي والجندري، فالجنية الزرقاء أصبحت سمراء من أصول أفريقية ترتدي فستان ازرق، وهناك محركة العرائس الماريونت المراهقة فابيانا صاحبة البشرة الملونة والتى تعبر بصورة شديدة النمطية والاصطناع عن معاناة الشابات مع رؤسائهم الذكور فى العمل، بل وتعكس صورة سلبية لا تدعم القضية حتى، بظهورها وتصرفها السلبي مع رئيسها فى العمل القاسي المتعجرف حتى يتدخل عنصر خارجي يؤدي لسجن هذا الرئيس ويمنحها الفرصة لتمارس فنها، فى عدد قليل من المشاهد كان الممكن ببساطة الاستغناء عنه دون أن يتأثر الفيلم، فالشخصية فى الأصل غير موجودة، وفى النسخة الحديثة لم تتخذ حدودا أو تضيف أي قيمة للعمل، سوي أنها لشابة فى مقتبل عمرها ملونة البشرة ومستقلة، أي أن وجودها فى الفيلم فقط لتمنع الجماعات النسوية المتطرفة من الهجوم عليه وانتقاده لعدم وجود نموذج لفتاة شابة ملونة مستقلة في أحداثه كما يحدث فى غيره من الأفلام والتى تتدخل أكثر من مجموعة عرقية وجندرية لاضافة شخصيات فى الاعمال الفنية بالضغط والترهيب مما يتسبب فى ضعفها الفني. 

ب

"جييرمو ديل تورو: بينوكيو" هو الفيلم الأنجح للشخصية هذا العام، وربما هو المعادل العصري لفيلم ديزني عنها نسخة 1940، بداية من تصدير مخرجه لحقيقة أنها رؤيته الخالصة بأن نسب الشخصية لاسمه فى إشارة أنها نسخته الخاصة، والتى اختار من أحداثها الأصلية أن تدور فى نفس المكان وهو إيطاليا لكن فى زمن آخر، حيث نقلها للقرن العشرين أثناء وبعد الحرب العالمية الأولي، واختار أن يعبر عن الشخصيات بـ"ستوب موشن" أى أننا نشاهد مجسمات للشخصيات يتم تصوير حركتها المتتابعة، وهو ما يمنح تدخل بشرى أكبر من الرقمي في أفلام الرسوم المتحركة، مما ينعكس على شعور المشاهد فى إثراء الشكل الفني للفيلم، والذى يعد مناسبا لشخصية وطبيعة جييرمو ديل تورو التى تميل للأفلام التى تغلب الصبغة الفنية عن التجارية، بالإضافة لكون المخرج مكسيكي الأصل مما منحه حرية أكبر فى التعامل مع القضايا الجندرية والعرقية التى أصبحت فى الوقت الحالى تؤثر على الأعمال الفنية لدرجة توقف عمل أو نبذ أحد أبطاله واقتلاعه من التواجد فى العمل واستبداله بغيره لمجرد الادعاء فقط.

فى الفيلم الأفضل لبينوكيو هذا العام، يضعنا المخرج أمام الفاشية وجها لوجه، ممثلة فى عمدة القرية الفاشى وصولا لأعلى الهرم الإداري لها والممثل فى بينيتو موسولينى، هذا مع الإشارة إلى عبثية الحرب فى المقام الأول وتأثيرها السلبى على الأطفال والبشر عمومًا، فغارة جوية أثناء الحرب العالمية الأولى هي من اودت بحياة أبن جيبتو وتركته للحزن، والحرب العالمية الثانية هى التى دفعت بهم إلى أتون الحرب كجنود مقاتلين، دون أن يغفل طبقة النبلاء المتنطعين والممثلة فى صاحب ومدير السيرك الذى يحمل لقب (كونت) ويؤيد الفاشية لمجرد انها تخدم مصالحه، بعد أن فقد لقبه قيمته ومعناه مع صعود الفاشية وانتهاء الحرب العالمية الأولى.

حرفيا السيناريو فى الفيلم الأخير مصاغ بمهارة شديدة، لينسج بشكل متقن كل الأفكار الايجابية المناصرة للإنسانية والتى عادة تكون الأساس في هذا النوع من الأفلام الموجهة للأطفال والعائلة، دون إدعاء أو اصطناع كما فى نسخة ديزنى الحديثة، أو الرتابة والتكرار فى نسخة الفيلم الروسى الناطقة بالإنجليزية، بالإضافة إلى الأصالة فى العمل الذى يحمل بصمة مخرج بحجم جييرمو ديل تورو ومن عالمه الذى دائما ما ينحاز لقضايا إنسانية عابرة للعرق والايدلوجية، الأمر الذى يجعل الفيلم هو المستحق أن يرتبط أسمه بالعام، مثله مثل "بينوكيو 1940" الذى يعد حتى الآن أيقونة  فى السينما العالمية، الأن نسخة "جييرمو ديل تورو: بينوكيو" تنضم للتراث الانسانى مضافا لها 2022 كنوع من أنواع التميز عن النسخ الأخرى لنفس الشخصية والتى تتشابه مع بعضها البعض فى كل شيء.