بقلم عبدالله التركي المدير الإبداعي في إدج أوف ارابيا

منذ القدم أدّت مدينة البندقية دوراً فاعلاً كمركز للتبادل التجاري للعالم الإسلامي. وعند إنشاء معرض بينالي البندقية الأول في العام 1895، احتلت المدينة مكانةً أعظم، إذ اعتُبرت مركزاً للثقافة والفنون، تتحول فيه المدينة بكاملها إلى معرض فني عام على قدر لا يستهان به من الضخامة والأهمية مرةً كل عامين تتنافس من خلاله الدول للحصول على الجائزة الكبرى، الأسد الذهبي.  ولكن كانت مشاركة دول الشرق الأوسط خجولةً في معرض البندقية منذ تأسيسه، وكانت مصر هي أولى الدول العربية التي تُمنح جناحاً دائماً في هذه التظاهرة الثقافية في العام 1952. أما اليوم، وبعد حوالى ستين عاماً، يشهد بينالي البندقية أكبر مشاركة لدول الشرق الأوسط منذ تأسيسه . سيتيح المعرض فرصةً مثلى لإلقاء الضوء على ما يجري في مجال الفنون في جهتنا من الكرة الأرضية وسيوفّر نافذةً للعالم لأكتشاف الأيجابية و التفاؤل في ظلّ هذه الفترات المظلمة التي نشهدها.

وإنني أفتخر هذه السنة بأن أُعلن أن المملكة العربية السعودية تستعد لأول مشاركة لها في فعاليات المعرض، فقد وقع الاختيار على فنانتين من مواليد مكة المكرمة لتقديم عمل مشترك يحمل اسم السعودية تحت رعاية شركة ارامكو السعودية و الهيئة العامة للاسثمار. لقد ابتكرت الفنانتان شادية ورجاء عالم عملاً فنياً مميزاً يحمل اسم القوس الأسود، وهو يندرج ضمن الموضوع العام الذي اتخذه معرض بينالي شعاراً له هذا العام: الاستنارة. وقد وصفت الفنانتان العمل باعتباره نقطة التقاء بين المدينتين، مكة والبندقية. يتعلق العمل بقسمه الأول بالتمثيل المادي للون الأسود، وفيه إشارة إلى الماضي. أما عناصر القصة فهي غنية بحكايات الخالات والعمّات والجدّات، وهي ذات جذور مترسّخة في مكة، حيث عاشت الفنانتان الشقيقتان في السبعينات. في المقابل، يحاكي القسم الثاني للعمل صورة مرآة تمثل الاستنارة، وتعكس الزمن الحاضر. الرحلة أيضاً هي موضوع أساسي للعمل، أو عالم الانتقال المتأثر برحلات المستكشف ماركو بولو ومستكشف آخر في القرن الثالث عشر هو ابن بطوطة- المستكشفان اللذان أقاما جسوراً بين الثقافات المختلفة عبر أسفارهما.

وأيضاً، في خطوةٍ تكميلية لمشروعه الداعم للفنانين السعوديين، يفتخر "إدج أوف أرابيا" بأن يضمّ أربعةً من كبار الفنانين المعاصرين إلى قائمة الفنانين المشاركين في المعرض المقبل، والذي من المقرر أن يحمل عنوان مستقبل وعد، وهو الأضخم من نوعه للفنون المعاصرة على صعيد العالم العربي. يحتضن هذا المعرض أكثر من خمسة وعشرين عملاً فنياً ابتكرها أو كلّف بتنفيذها أهم فناني العالم العربي. يبحث معرض مستقبل وعد في الوسائل التي تتجسّد فيها فكرة معينة في سياق بصري وعلى نحو رسمي، ويعالج كيف تفتح الوعود آفاقاً من إمكانيات المستقبل، سواء كانت جماليةً أم سياسيةً أم تاريخيةً أم اجتماعيةً، أو حتى راهنة وحاسمة. ففي ظل الأحداث التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط حالياً، عادت مسألة المستقبل والوعود التي لطالما شكلت جزءاً لا يتجزأ من الثقافة، لترتدي طابعاً أكثر أهمية وإلحاحاً. انطلاقاً من هذا الموضوع، يعالج المعرض وعود الثقافة البصرية في عصرٍ متمرد أكثر فأكثر على السياسة كوسيلة من وسائل الإشراك الاجتماعي. وفي وقتٍ لا يمثّل فيه الفنانون المشاركون في معرض مستقبل وعد أي حركة معينة بالمعنى المعروف للكلمة، إلا أنهم يسعون إلى المساهمة في قضية واحدة تثير اهتمام الشرق الأوسط حالياً: من يمثل الوقائع التي نشهدها في عالمنا اليوم والآفاق التي تطمح إلى تحقيقها؟

في البندقية هذه السنة، سأفتخر بكوني عربي عامة و سعودي خاصة، و على امل ان تبهر المملكة الحضور و تعود بالأسد الذهبي!