الطفل المندفع: نشاطه زائد بلا هدف

هي – أسماء وهبة "إنه يتسبب بقلق وتوتر المحيطين به". بهذه الكلمات يختصر الكثيرون حال الطفل الذي يعكس ذكاؤه سلوكا مشاغبا. وقد يضيف البعض أنه يعاني من حالة مرضية يحاول الإختصاصيون علاجها، فتتوالى التوصيفات بأنه فوضوي، مندفع، عدواني، وغير مبال. لهذا فهو موضع شكوى كل من حوله سواء في المدرسة أو المنزل. لكنه في الحقيقة يعاني نشاطا حركيا زائدا. لا يستطيع معه أن يسيطر على سلوكه واندفاعه وانتباهه، فلا يقدر على البقاء هادئا في مكانه، بل يرغب في الجري والقفز باستمرار. وفي هذا السياق يقول اختصاصي الطب النفسي د. نبيل ميقاتي أن الطفل المندفع "ليس مريضا لكن اندفاعه صفة تدل على نشاط حركي زائدة عن الحد الطبيعي، ما يؤثر سلبا في سلوكه وتحصيله الدراسي، حيث لديه رغبة في اكتشاف ما يحيط به، وأن يغامر ويجرب أشياء قد يخشى فعلها الكبار. من هنا يجب التمييز بين ثلاثة أنواع من الأطفال المندفعين: النوع الأول الشائع الذي يعاني معه الولد نشاطا حركيا زائدا عن حده الطبيعي المقبول، والذي يحتاج ضبطه إلى توجيه من الأهل فقط. النوع الثاني النادر الذي يعاني فيه الأطفال المندفعين من تخلفا عقليا، فلا يستوعبون البيئة المحيطة بهم، كما يعانون بطءاً في التعلم، ويفتقرون إلى السرعة المطلوبة للقيام بأي عمل. النوع الثالث يعانون اضطرابا سلوكيا نتيجة نشأتهم في بيئة تشجعهم على السلوك العنيف". ما هي عوارض النشاط الحركي الزائد؟ الشرود الذهني، ضعف التركيز، كثرة التململ والتذمر، النسيان، القيام بحركات عدوانية، سرعة الإندفاع والإنفعال من دون هدف محدد. ويلاحظ عليه سرعة التحول من نشاط إلى آخر، مع عدم التزامه بإنجاز المهمة التي بين يديه حتى نهايتها. عدم قدرته على البقاء ساكنا، يحرك يداه وقدماه ما يزعج زملاءه في الصف، دائم التدخل في شؤون الآخرين، ويثور لأتفه الأسباب. هل سلوك الطفل المندفع ناتج عن عوامل وراثية؟ أثبتت معظم الأبحاث أن سلوك الطفل المندفع يرجع في معظمه إلى عوامل وراثية، من دون أن ننسى وجود عوامل إجتماعية ونفسية تلعب أيضا دورا كبيرا في تنمية سلوكه، مثل عدم استقرار الأسرة، أو انتقال الطفل إلى بيئة جديدة من دون تمهيد. من ناحية أخرى، يميل أغلب الأطفال بطبيعتهم إلى اللعب من دون ضوابط. وللأسف قد يتركهم ذووهم على هواهم دون رقابة، فتبرز مشكلة "من يضع حدا لسلوك الطفل وليس من يؤدبه"! وهو ما يحفز على ظهور الجين الإندفاعي الوراثي عند الطفل. هل الطفل المندفع عنيف؟ لا، لأن بعض الأطفال المندفعين لديهم روادع داخلية تمنعهم من التمادي في أفعالهم التي يعتقدون أنها نوع من المداعبة وليست سلوكا غير لائق. إلا أن إهمال الطفل المندفع قد يحوله إلى طفل عنيف. من هنا على الوالدين أن يعرفا من خلال المعالج النفسي أسباب اندفاع ولدهما. ما هي أهم المشاكل التي تواجهها الأم في هذه الحالة؟ تكون المشاكل على مستويين: أولها في البيت وثانيها في المدرسة. وتختصر بتسمية الطفل بالـ "مزعج". مثلا قد يمسك المنفضة، يلعب بأزرار التلفزيون، يقفز فوق الكراسي، ولديه رغبة كبيرة في لمس كل شيء يراه. لا تستطيع والدته أن تتركه بمفرده في المنزل لأنه قد يؤذي نفسه. عرضة للحوادث أكثر من غيره من الأطفال. لا يتمّ أي مهمة تطلب منه. كما يستحيل عليه التركيز في موضوع معين أو متابعة برنامج تلفزيوني إلى نهايته. أما على الصعيد الدراسي فتكتشف الأم الصعوبات التي يواجهها طفلها أثناء تحصيل واجباته المدرسية، خصوصا في المحفوظات والعمليات الحسابية، لأنه يفتقر إلى التركيز، ويعاني من التسرع في الإجابات. لذلك يجب على الأم مع تراكم تلك الأخطاء أن تراقب سلوك طفلها جيدا، لأنه لا يستوعب تعليماتها بسبب ذاكرته التي لا تسعفه دائما. وينفع هنا العلاج النفسي الذي يعلم الطفل كيفية التعامل مع البيئة المحيطة به. ومع تكرار الجلسات يختبره الطبيب في التعليمات التي لقنه إياها. أما في المراحل المتقدمة من عدم التركيز والإندفاع التي قد تصل إلى العنف فقد ينفع إلى جانب التأهيل النفسي العلاج الدوائي، الذي ينشط القشرة الدماغية المسؤولة عن التركيز لحل المشاكل التي يواجهها الطفل في البيت والمدرسة. وهنا يجب التعامل مع الطفل بحرص وصبر حتى بلوغه سن السادسة عشرة، حيث يبدأ بتحمل مسؤولية أعماله، وحتى هذا الوقت يجب على والديه حمايته من الأعمال ذات العواقب الوخيمة التي قد يقوم بها بدلا من فقدان الأمل في علاجه. ولا يجب أن يعتمدوا سياسة الإهمال أو العقوبة الجسدية عند تكرار الخطأ عينه من قبل الطفل. وآسف عندما أسمع بعض الأمهات يطلقن صفة "شيطان" على طفلها الذي يعاني من نشاطا حركيا زائدة. وهذا خطأ فادح، لأنهن بذلك يرسخن في ذهنه الطفل هذا السلوك عبر ارتباطه بتلك الصفة السيئة، فيكون رد فعله سلبيا، خصوصا عندما يتناقل الناس هذه الصفة لتصبح لقب الطفل الإجتماعي!