حوار حصري مع المديرة الإبداعية لدار Dior: في عالم الموضة من المهم جداً أن نحلم

مي بدر Mai Badr

قدّمت دار "ديور" Dior خلال أسبوع الأزياء الراقية "هوت كوتور"  لموسم ربيع وصيف 2019 في باريس استعراضاً متكاملاً مستوحى بأزيائه وإكسسواراته وديكوره و أدائه البهلواني من عالم السيرك الساحر والمضحك الذي تربطه بالدار علاقة طويلة الأمد. وفي حدث تاريخي، أتت الدار بهذا السيرك الراقي الذي تصوّرته مديرتها الإبداعية "ماريا غراتزيا كيوري"  Maria Grazia Chiuriإلى دبي، حيث دخلنا خيمة "ديور"، واستمتعنا بمجموعة غنية تحمل روح الدار وتتمتع بأسلوب تصميم عصري يخبئ في طياته الحركة النسوية التي لا تتوقف "كيوري" عن منا صرتها.

في هذه المناسبة الاستثنائية، تحدثنا إلى المصممة الإيطالية "ماريا غراتزيا كيوري" التي تخ صصت في المعهد الأوروبي للتصميم، وعملت لدى دار "فندي"، وثم لدى دار "فالنتينو" لـ 17 سنة، قبل أن تصبح أول امر أة تترأس الإدارة الإبداعية للدار الأسطورية "ديور" سنة 2016 . وخضنا معها حديثاً مطولاً عن كواليس عالم الهوت كوتور، وعالم السيرك، والمرأة، والإبداع.

تصوير: "فرانسيسكو سكوتي" Francesco Scotti

ماذا يعني لك الهوت كوتور؟ وحين نتحدّث عن الهوت كوتور أو الأزياء الراقية، أي نوع من النساء تتخيّلين؟ من هي تلك المرأة؟ وكم تبلغ من العمر؟ وماذا تمثّل؟
أعتقد أن الهوت كوتور يرتكز أكثر حول الثقافة وليس العمر. إذا عرفنا معنى الكوتور، نستطيع تقديره. بالنسبة إليّ، أعتبر الهوت كوتور هو الحمض النووي لعلامة "ديور". وأنا أروّج للكوتور، لأنني أراه مهما جدا وجزءا من إرثنا؛ إنه جزء أساسي جوهري من علامة "ديور". حين نتحدث عن الأزياء الراقية، نتحدث عن شيء فريد من نوعه، وعن شيء محدّد جدا وخاص بكل امرأة. وهو يعني أيضا الاهتمام والاعتناء بالمرأة، فنعمل معها لإنتاج زيّ خاص بها، وهكذا تولد علاقة معينة بين الطرفين. حين تدخل المرأة إلى عالم الكوتور مهما كان سنّها - إذ لدينا زبونات من مختلف الفئات العمرية - إنها لحظة مميّزة ومهمّة جدا لهنّ. والكوتور يعني أن نعيش معهن تلك اللحظة المهمّة من حياتهن.

لماذا اخترت السيرك مصدر إلهام لمجموعة الهوت كوتور لربيع وصيف 2019 ؟ ماذا يعني لك هذا الموضوع؟

السيد "ديور" كان مبهورا جدا بالسيرك، ووجدنا في أرشيفات الدار رموزا كثيرة ومراجع عديدة تحكي عن علاقة السيد "ديور" بهذا العالم وبهذا النوع من الفنانين في باريس في مطلع القرن الماضي. في الواقع، كانت باريس حينها المدينة التي تعاون فيها فنانون مختلفون على ابتكار عرض خيالي؛ ومن أهم رموز ذلك الحدث، كان الخلفية التي صمّمها الفنان "بيكاسو" لعرض "باراد" لشركة الباليه "باليه روس". السيد "ديور" كان يعيش في تلك الأجواء في شبابه. في الوقت نفسه، لإيطاليا تاريخ كبير مع السيرك، وخاصة في عالم الأفلام مع المخرج "فيليني" وفيلمه الشهير"المهرّجون". سافر "فيليني" إلى باريس ليزور "سيرك ديفير"المبنى الوحيد المكرّس لهذا النوع من العروض، كي يتعرّف أكثر إلى عالم السيرك. لكن السيرك بلا شك جزء من الثقافة الإيطالية، لأنه جزء من فن "الكوميديا المرتجلة" Commedia dell’arte . لذلك فإنني أيضا مأخوذة بهذا العالم؛ وأتذكّر من طفولتي السيركين الكبيرين في روما "أورفاي" و"ميترانو".
السيرك أيضا قريب من عالم الموضة. حين كنت صغيرة، كانت أجواء المدينة تتغير بوصول السيرك، فلم تكن لدينا كما في هذه الأيام فرص كثيرة لمشاهدة الاستعراضات. كان شيئا مشوقا جدا، وهذا يشبه الموضة بطريقة ما. فحين يصل عالم الموضة إلى مدينة ما مثل أسبوع الموضة في باريس، نشعر بأن أجواء المدينة تغيّرت، ومن يحضر العرض يعيش لحظة خاصة جدا وفريدة جدا، بل نعيش معا كحضور لحظة فريدة ونستمتع بها.

ظهر موضوع السيرك مرات عديدة عبر تاريخ "ديور". كيف استطعت الجمع بين إرث الدار وأسلوبك العصري في التصميم؟
أعتقد أن ذلك ممكن، لأنني أحب حقا قواعد الدار ورموزها، لكنني في الوقت نفسه أعتقد أنها كانت مثالية في الخمسينيات. نمط العيش اليوم مختلف، وأحاول ترجمة رموز الدار لنساء اليوم اللواتي يعشن نمط عيش مختلفا، فيقدن السيارات، ويسافرن حول العالم، ويعشن في مناخات مختلفة، ونحن أيضا صرنا علامة عالمية. فأحاول حقا أن أحوّل رموز الدار بطريقة يسهل ارتداؤها أكثر على نساء اليوم وطريقة العيش الحديثة.

 ه

هل ترين أوجه شبه بين السيرك وعالم الموضة؟
هناك الكثير! في السيرك، يرتدي الفنانون أزياءهم للتعبير عن أنفسهم، فلا نعرف من هو خلف الزي، بل نتعرف إلى الشخصية التي يؤدّيها. وفي الموضة، الأمر نفسه: يستعمل الناس الأزياء للتعبير عن أنفسهم وعن شخصياتهم. فأعتقد أن بين الأزياء في السيرك والأزياء في عالم الموضة شيئا مشتركا، وهو مساعدة الناس في التعريف عن أنفسهم.

رأينا العارضات يعتمرن قبعات تشبه القلنسوات أو الخوذات. ما رسالتك خلف هذه الإكسسوارات الفريدة التصميم؟

استعملت القلنسوات، لأننا في السيرك لا نعرف من خلف الشخصية المؤداة، مثل المهرّج: هل هو رجل؟ هل هي امرأة؟ هل الشخص شاب أم ناضج؟ لا نعرف، بل كل ما نعرفه هو أنه مهرّج. فقلت لنفسي: إنني أريد أن يكون التركيز على الشخصية، على الفستان؛ فبطريقة أو بأخرى، لا يتعرف الحضور إلى الفتاة بل يتعرف إلى الفستان أكثر. وهذا مهم جدا، خصوصا في مجموعة "هوت كوتور"، لأن الكوتور يتحدث عن الحرفية وعن البراعة وعن اللمسة البشرية. لذلك حين نعرض أزياء راقية، من الجيد أن يكون التركيز على صناعة الفستان بدلا ممن يرتديه.
كان العمل على الفساتين التي رأيناها يدويا. هلا أطلعتنا أكثر إلى البراعة والخبرة التقنية خلف تنفيذ تلك التصاميم؟

تداخلت مهارات حرفية كثيرة في هذه المجموعة. لكل فستان تاريخ محدد. وقد استعملنا تقنيات مذهلة مثل أداة مميزة للملابس المحبوكة. كما مزجنا عناصر كثيرة يدويا، مثل الشراريب التي استعملنا لها مادة خاصة لصناعتها باليد. يمكننا أن نفهم حقا ما يجري في كواليس عالم الهوت كوتور فقط إذا نظرنا إلى البراعة التقنية والخبرة الحرفية داخل المشاغل. لهذا السبب، أعمل على ترويج الفيديوهات التي تعرض العمل على الفساتين عبر منابر التواصل الجديدة. فقط بهذه الطريقة، يمكن فهم القيم التي نعمل بها. تنفيذ فستان راقٍ يتطلب ساعات كثيرة من العمل الدقيق المتخصص.

لاحظنا أنك للمرة الأولى استعملت الكثير من الترترة، لكن بطريقة خفيفة جدا. هلا أخبرتنا أكثر عن هذا الخيار؟
نعم، استعملنا الترترة بطريقة خفيفة. السيد "ديور" استعملها أيضا في بعض أشهر فساتينه الأيقونية، مثل فستان "جونون" وهو أحد أشهر فساتينه المسائية. وحاولت أن أستعمل التقنية نفسها في شكل مختلف. الاستثنائي في هذه المجموعة أننا وجدنا أيضا طريقة للطي. فعادة، من المستحيل أن نثني القماش حين نطرّز أو نزخرف بالترترة، لأن التقنيتين لا تتماشيان معا بشكل جيد. وجدنا حلا لتطريز الترترة والطي في الوقت نفسه. وأنا سعيدة جدا لأن الترترة والثنيات عنصران من عناصر هوية الدار، لكن لم يُستعملا معا بهذه الطريقة من قبل.

سررنا كثيرا باستقبال عرض "ديور" هنا في دبي.
كيف اختلف هذا الحدث عن عرض باريس؟

العرض مختلف، لأن المكان يغيّر المزاج. لا يمكنك الذهاب إلى مكان متوسطي صيفي مع مجموعة قاتمة أو سوداء، لأن المزاج غير متناغم. فحين تصلين إلى مكان كهذا، تتخيلين الضوء الذي يلهم ألوانا جديدة. أضفت 15 قطعة جديدة إلى المجموعة، وحاولت استعمال ألوان جديدة مع الموادّ، لكنني لم أضف درجات جريئة صارخة، بل هي ألوان في الواقع غير محددة، لأنني مزجت البلكسي مع المعادن. في أجواء السيرك نفسها، حاولت أن أقدّم القصات الجديدة مع الألوان الجديدة والتفاصيل الحرفية الجديدة. فكرتي كانت تقديم فكرة ألوان مشكالية، وهذا برأيي قريب جدا من مزاج المنطقة.

المجموعة غنية ومتنوّعة جدا مع الفساتين المستوحاة من الخمسينيات، والبذلات، والفساتين القصيرة، والتنانير المثنية، والتنانير الصارمة البنية، والقمصان شبه الشفافة. هل من تصميم بينها يبرز كمحور المجموعة وقلبها؟
يصعب كثيرا عليّ تحديد عملي، فكل أعمالي مهمة بالنسبة إليّ. ما من قطعة واحدة؛ كل القطع جزء من شغفي. ربما على الزبائن أن يقرروا ما هو التصميم المفضل لديهم.

كيف ترى النساء الخليجيات دار "ديور"، وبرأيك ما توقعاتهن من مجموعة الهوت كوتور لربيع وصيف 2019 ؟

من المهم جدا لي أن يستمتعن بحضور ما تقدّمه "ديور"، وبتجريب فساتيننا، ويهمّني أن يشعرن بأنهن وجدن في هذه العلامة من يهتم بهن. هذه أول نقطة تهمّني. أعتقد أن الموضة تساعدك على الحلم وعلى الاستمتاع. فأتمنى أن يستمتعن بهذه اللحظة وبلحظة عيش عالم الكوتور.

رأينا في عرض باريس استعراضا بهلوانيا قدّمته فقط نساء. فتحدّيت بذلك الصورة النمطية التي نرى فيها رجالا أقوياء يحملون النساء النحيلات. ما رسالة هذا الاحتفال بالمرأة القوية والمتمكنة؟
لطالما رأيت أن النساء قويات جدا، وهو أمر لاحظته حين التقيت بنساء المنطقة هنا أيضا. في عرض باريس مع البهلوانات الإناث، أردت التحدث أيضا عن نقطة أخرى، وهي فكرة الأختية. ففي الأداء البهلواني، وضعت نساء قويات حياتهن في أيدي نساء أخريات. وهكذا دعمن بعضهن البعض، ما يعني أنهن يثقن ببعضهن البعض. وهذا برأيي مهم جدا للنساء؛ من المهم أن تؤمن المرأة بأنها تستطيع إيجاد امرأة أخرى تدعمها. لدينا تاريخ مشترك. وأعتقد حقا أنه يمكن للنساء أن يدعمن بعضهن البعض.

أتيت بالحركة النسوية إلى "ديور" وإلى عالم الموضة. كيف تدمج هذه المجموعة مفهوم النسوية في تصاميمها؟
في فكرة الأختية التي تحدثت عنها، يكمن مفهوم النسوية. فأعتقد أنه يمكن للنساء فقط الاعتناء بالمستقبل. وإذا حافظن على المستقبل للجيل الجديد، فمن المهم جدا أن يفعلن ذلك بعمل جماعي. ذلك مهم جدا للجيل الجديد. وأعتقد أنه يمكن للنساء فعل ذلك، لأنهن يعرفن ما أعنيه بالمحافظة على المستقبل. 

رموز السيرك وأشكاله مثل حلقات النار، والحيوانات البرية، وشخصيات الاستعراضات الجانبية، والشرائط المرتخية كانت موجودة في هذه المجموعة، وأضفت أجواء استعراضية رائعة. ماذا تمثل بالنسبة إليك هذه الأشكال والرموز؟
كل هذه الرسوم والرموز تمثل شيئا قريبا منّي وحميما بالنسبة إلي، لأنني بالفعل أحب كل هذه العناصر. هناك أشياء كثيرة تشكّل جزءا من ذكرياتي. أحب مثلا من تاريخ "ديور" ذلك الهوس بأوراق التاروت؛ تجذب اهتمامي أوراق التاروت والأبراج الفلكية، لأنها أشبه بعالم سحري. لكنني أحب أيضا أي شيء لا أعرفه، وأريد أن أكتشف أشياء جديدة. في عالم الموضة، لا نعرف من أين يأتي الإلهام. أعشق حقا السفر حول العالم، ورؤية أشياء مختلفة والاستلهام منها، وقراءة الكتب، وإيجاد المعارض، واستكشاف الأعمال الفنية التي تجعلني أحلم. من المهم جدا أن نحلم في عالم الموضة.

"يمكننا أن نفهم حقا ما يجري في كواليس عالم الهوت كوتور"

أتمنى أن تملكي الوقت الكافي للتجول حول دبي، حيث تجري الآن فعالية "آرت دبي" الفنّية، وربما إيجاد مصادر إلهام لك في المدينة.

هذا ما أخطط له لفترة الظهيرة اليوم. وجدت أيضا كتابا جميلا ومثيرا للاهتمام أريد أخذه معي ودراسته. أريد اكتشاف فن الخط، لأنني لا أعرف شيئا عنه. ذهلت به، وأريد أن أفهم معانيه. إنه شيء مجهول تماما بالنسبة إلي، لكنني أعرف أن فنانين كثيرين يستعملون هذه التقنية. لذلك أريد معرفة المزيد، وصرت الآن مأخوذة بفهم تاريخ هذا الفن. علمت أن دورة "آرت دبي" تقام الآن أيضا. وقلت: إنني أريد الذهاب والاكتشاف.
كيف ترين مشهد الموضة اليوم؟ هل تغير منذ أن بدأت مسيرتك المهنية؟
نعم طبعا. إنه عالم ثانٍ، عالم مختلف تماما. حين بدأت، كنا نقدّم مجموعتين، واحدة في الشتاء وواحدة في الصيف، وكان جمهور الموضة صغيرا جدا. قطاع الموضة الآن عالمي. حين تعيش باريس فصل الشتاء، في دبي يحلّ صيف. لذلك صارت مقاربتنا في تصميم المجموعات مختلفة كليا. الناس يسافرون دائما، لذلك صارت لديهم خزانة؛ أي لم تعد هناك خزانة شتوية وخزانة صيفية، بل هناك خزانة. مع الإعلام الجديد، الكل يعرف في ثانية ما تفعلينه، والأمور تجري بسرعة فائقة. ومع وسائل التواصل الجديدة، أصبح الحديث مع الجمهور مختلفا جدا، فيمكنهم انتقادك أو تقديرك، ويجب أن تصغي إلى سبب انتقادهم أو إعجابهم. الأمر أشبه بالعيش في عصر آخر. إذا فكرت في الفترة التي انطلقت فيها، أشعر بأنها عصر ما قبل التاريخ في الموضة، وأننا الآن وصلنا إلى القمر.
هل تستعملين مواقع التواصل الاجتماعي؟
على الصعيد الشخصي لا، لأنني لا أملك الوقت الكافي لذلك. بصراحة، ذلك مستحيل، لكن الدار نشيطة على هذه المنابر طبعا. أعمل على حسابات الدار لكن ليس لحساباتي الخاصة. من غير الممكن العمل على الاثنين معا. عليّ العمل على المجموعات، وعلى الترويج لها، والتحدث إلى الزبائن. وسائل التواصل الاجتماعي على الأرجح شيء طبيعي جدا للجيل الجديد، لكنها بالنسبة إلي ليست طبيعية إلى هذا الحد. من الطبيعي أكثر لي العمل على المجموعات واختيار المواد والتعاون مع المشاغل، وأحب هذا الجزء من عملي كثيرا. فأفضّل التركيز على هذا الجزء، وترك التواصل الاجتماعي لحسابات الشركة التي أشارك أيضا في العمل عليها. أسعد كثيرا مثلا بالعمل على الفيديوهات التي تظهر حرفيتنا الكامنة خلف التصاميم. وأعمل كثيرا في منابر التواصل الاجتماعي لكن للشركة، لأن ذلك هو ما أحبه.