كما بيروت طائر الفينيق.. يبقى الأمل للمصممين اللبنانيين

إعداد: نيكولا عازار

تصوير: فاتشي أباكليان

بيروت تبكي! ما ذنب هذه المدينة المسكينة لتعيش كل هذه المآسي؟ الانفجار المرعب الذي شهدته بيروت خلّف كثيرا من الدمار والمعاناة! وحالها حال كثير من المصممين اللبنانيين الذين فقدوا جنى عمرهم بلحظات، فحتى قطع القماش تطايرت مع عصف الانفجار الذي لحق بمرفأ بيروت. ويتفق جميع هؤلاء المصممين على أن التعاطف الإنساني الذي أظهره اللبنانيون يربطهم ببعضهم بعضا، ليس بالشفقة أو بالتسامح، بل باعتبارهم بشرا تعلموا كيفية تحويل المعاناة المشتركة إلى أمل للمستقبل.

إذا الأمل ليس حلما، بل طريقة لجعل الحلم حقيقة، وهذا ما يدفع هؤلاء المصممين إلى الاستمرار في الحلم. فهم كانوا ولا يزالون ينسجون في خيال المرأة أجمل حلمٍ ورديّ، علما أن هذه الصناعة تواجه حاليا تحديا ضخما يتمثّل في الأزمة الصحية الناتجة عن انتشار وباء كورونا حول العالم، والتدهور الاقتصادي الذي يعانيه لبنان، وأخيرا الدمار الذي ألحقه الانفجار بدور الأزياء القائمة في قلب العاصمة بيروت. وهنا بعض ما جمعته "هي" من هؤلاء خلال جولة عليهم.

قزي وأسطا.. يا فرحة ما اكتملت!

لا يزال المشهد يتكرر في مخيلة المصممين جورج قزي وأسعد أسطا، لكنه يختلف بتفاصيله يوما بعد آخر. فقد تعرضت دار Azzi & Osta لدمار كبير لحق بالمشغل وصالة العرض والمكاتب، علما أن المصممين أجريا ورشة تجديد للدار قبل أسبوعين من وقوع الانفجار.. ولكن يا فرحة ما اكتملت! لا يزال المصممان تحت وطأة الكارثة، وينقسم الأذى لديهما إلى أذى معنوي ومادي، فهما يشعران بالخوف، ومن الصعب استيعاب هذا الكم الكبير من الدمار الذي لحق بهما وبالشعب عموما. من سيعوض لهما ولكل المتضررين؟ هي فعلا مصيبة لا يستوعبها العقل. لكن لا بد للحياة من أن تستمر، وهذا ما يؤكده المصممان المبدعان، فهما يبحثان حاليا عن مكان بديل للعودة إلى مسار الحياة من جديد، على الرغم من الألم الذي يخيم على وجهيهما. لكن أهم ما في الأمر في هذه المرحلة، كما يروي المصممان، هو أن يتكاتف الجميع ويتضامنوا لإعادة إحياء بيروت، مؤكدين أن لبنان كان دائما جزءا من تراث هذه الدار، وسيبقى المنارة التي تضيء سماء تصاميمهما.

المصممين جورج قزي وأسعد أسطا

أمين جريصاتي: مستمرون على الرغم من الألم الحاد والمزمن

تعرّض المصمم أمين جريصاتي، صاحب علامة Boyfriend التجارية لدمار كبير لحق بمنزله ومتجره وسيارته في مار مخايل – بيروت. وأجرى عملية جراحية في الرأس واليد لمعالجة جروح نتجت عن تطاير الزجاج عليه من كل حدب وصوب. يحاول أمين التمسك بالأمل، لكنه يبدو في حالة إرهاق شديد يخفيها بالبسمة وشكر الخالق على بقائه حيا. ويقول أمين: إن حادثة الانفجار لا تزال تتكرر هي نفسها في رأسه، على الرغم من أنه يحاول التأقلم مع الحال الجديدة التي فرضت عليه من خلال التواجد على الأرض، ومساعدة الناس والتضامن معهم، فحاله هي حالهم، والألم هو نفسه! وهذا الوجع من الصعب محوه في القريب العاجل، وقد يدوم لسنوات لدى البعض. لكنه يؤكد أهمية الاستمرارية، فبيروت ستعود لتنبض بالحياة وأكثر من السابق، وذلك من خلال الدعم الكبير الذي تحظى به من المجتمعين المدني والعالمي، معنويا وماديا. 

المصمم أمين جريصاتي

سارة بيضون: نريد العدالة ونحن أمام مفترق طرق

يدفعها شغفها بتأهيل المرأة وتشجيعها على الإبداع، وتمكينها إلى السعي لتحقيق هذا الهدف. وهذا ما فعلته طوال انطلاق علامتها التجارية Sarah’s Bag التي تزينت بها ملكات ونجمات من العالم أجمع. هي مصممة الحقائب سارة بيضون التي لم يسلم محلّها ومشغلها الواقعان في الأشرفية - بيروت من أضرار الانفجار، علما أن الله رفق بحياتها وحياة أفراد فريق عملها، فالجميع غادروا المكان قبل نصف ساعة من وقوع الانفجار. حال سارة مثل حال زملائها المصممين، فالمشهد لا يزال يتكرر في ذهنها، ومن الصعب استيعاب ما حصل، على رغم أنها ترعرعت في زمن الحرب الأهلية، وعانت الحروب المتكررة على لبنان والانفجارات الكثيرة. فمتى يتوقف هذا الدمار؟! تقول: "تعرضت صالة العرض والمشغل لدمار كبير، فالواجهة كلّها طارت والخشبيات كذلك. ونحاول اليوم إنقاذ ما تبقى! لكننا لا نستطيع أن نستمر على أرض هشّة. نحن بحاجة إلى ركيزة ثابتة تنهض بهذا الوطن من جديد، والإجابة عن أسئلة كثيرة، وأكثر ما نريد هو العدالة من خلال تحقيق دولي". وتضيف: "نحن أمام مفترق طرق، فإما نغرق في مآسينا، أو ننهض كمحاربين حبا بهذا الوطن. ما حدث هو جريمة بحق الإنسانية، وتجب محاسبة المسؤولين عن هذه الفظائع التي ارتكبت بحق الضحايا والمتضررين".

المصممة سارة بيضون صاحبة علامة  Sarah’s Bag

ساندرا منصور: بيروت هي طائر الفينيق

لحقت بمتجر المصممة ساندرا منصور ومنزلها ومكتبها أضرار جسيمة، وهي كلها تقع في قلب منطقة الجميزة - بيروت. المصممة الموجودة حالياً في جنيف – سويسرا، ذهلت من الدمار الذي لحق بممتلكاتها والشارع الذي تعيش فيه، وشعرت بأنها في منطقة حرب، وكأن قلبها انتزع من مكانه. لا تعلم ساندرا متى ستعود الحال إلى ما كانت عليه في السابق، على رغم إيمانها الكبير بأن لبنان سينهض من جديد بقوة وعزم كبيرين، لكنها تعمل حاليا وفريق عملها على خطة بديلة للنهوض والعمل من جديد، لكن مع الأخذ في الاعتبار الحالة الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، وهذا ما يزيد الأمر تعقيدا. غير أن التضامن الكبير الذي شهدته المصممة من الأصدقاء تحديدا، والشعب اللبناني عموما هو ما يدفعها إلى الاستمرار في مسيرتها، على الرغم من أن الخسائر كبيرة، والتعويضات لا تبدو مبشرة بالخير حتى هذه اللحظة. هذا إن حصلوا عليها! وتأمل ساندرا من الجمعيات والمنظمات الإنسانية دعم المتضررين، علما أن لا شيء يعوض عائلات الضحايا.

ساندرا هي المصممة العربية الأولى التي تتعاون حاليا مع العلامة التجارية السويدية العالمية H&M، من خلال مجموعة جديدة تحمل عنوان Fleur Du Soleil، وتبصر النور عالميا في 27 أغسطس. وفي هذا السياق، لفتت المصممة إلى أن القيمين على العلامة التجارية اتصلوا بها، للاطمئنان على حالها وفريق عملها، كما أجلوا صدور هذا التعاون الذي كان مقررا في بداية أغسطس. وهي ترى في هذه الخطوة إلى جانب التضامن الكبير الذي تلمسه من الشعب اللبناني الأمل للاستمرار، على الرغم من أنها فخورة جداً بتمثيل بلدها عالميا بأفضل وأبهى صورة. وفي الختام أكدت ساندرا أن بيروت هي طائر الفينيق، فكلما مات طائر الفينيق، انبعث مجدّدا من رماده.

ياسمين صالح: علينا أن نكون أقوياء ولن يهدموا عزيمتنا

تعمل المصممة ياسمين صالح يدا بيد مع شقيقتها فرح التي تهتم بالأمور الإدارية في العلامة التجارية. وعلى الرغم من الخسارة الكبيرة التي لحقت بمتجرهما في منطقة الجميزة، فإنها تشكر الله على عودتها وشقيقتها إلى منزلهما قبل نصف ساعة من وقوع الانفجار والنجاة بحياتيهما. تحاول ياسمين في المرحلة الحالية تحديد حجم الخسائر وما تبقى صالحا للاستعمال. ولا شك في أنها تشعر بالخوف والقلق والغضب جراء ما حدث، لكنها لن تفقد الأمل، فهي ترفض الاستسلام، قائلة: "علينا أن نكون أقوياء، لن يهدموا عزيمتنا".

لدعم هؤلاء المصممين وغيرهم الرجاء الدخول إلى هذه الصفحة: "لنكن جميعنا يد واحدة"

https://slowfactory.foundation/superfund