المصممة وسيدة الأعمال والناشطة الخيرية Tory Burch في حوار حصري لـ"هي"

حوار: مي بدر Mai Badr

حين أسست المصممة الأمريكية "توري بورش" Tory Burch شركتها قبل 15 عاما، انطلقت من حلم في بناء علامة تجارية عالمية تستطيع من خلالها إنشاء مؤسسة تدعم المرأة وتمكّنها. متأثرة بقيم ورثتها عن والدها الذي كان رجل أعمال ناجحا، وعن والدتها الممثلة الجميلة والأنيقة، تولت "توري بورش" إدارة علامتها الإبداعية والتنفيذية خلال فترة عقد ونصف تسلّقت خلالها سلم النجاح سريعا في عالم الأزياء والإكسسوارات الجلدية، واندرج اسمها بشكل منتظم في لائحة “فوربس” لأقوى مئة امرأة في العالم. وقد أسست منظمة داعمة لتمكين المرأة، وأصبحت عضوا في مجالس إدارية للعديد من المنظمات والمؤسسات الخيرية والإنسانية.
في أواخر أكتوبر الفائت، أتت "توري بورش" إلى الشرق الأوسط في زيارة استقطبت اهتماما كبيرا من عالم الموضة. وقدّمت مجموعة قفاطين صممتها حصريا للمنطقة، وعرضتها في "دبي مول" داخل ركن مؤقت عكس قصّة الدار، وسلّط الضوء على روعة القفاطين الأربعة المنفّذة بحرفية دقيقة على أيدي خياطات مشغل "توري بورش" في نيويورك. بالتزامن مع عرض القفاطين الحصرية، أجرت "توري" جولة في دبي وأبوظبي، أمضت خلالها لحظات رائعة، وثّقتها على مواقع التواصل الاجتماعي. والتقينا بها في حوار حصري لتخبرنا أكثر عن مصدر إلهام القفاطين، وحياتها وعائلتها، وأهمية سوق الشرق الأوسط، وعالم الموضة اليوم في الموجة الإلكترونية الرقمية الغامرة، إضافة إلى نصيحتها إلى امرأة اليوم المتمكنة والواثقة.

 

 

ابتكرت مجموعة قفاطين حصرية في تحية إلى الشرق الأوسط. من أين استمددت إلهامك لابتكارها؟
ارتكزت المجموعة حول الفولكلور الأمريكي ونشأتي. ترعرعت في مزرعة، حيث كنت محاطة بالحيوانات الرائعة، والطيور، والفراشات في قلب ريف خلاب. بدأت الفكرة من هنا، ثم تبلورت شيئا فشيئا الألوان النابضة بالحياة. وتطلب تنفيذ كل قفطان 300 ساعة من العمل الحرفي كالتطريز والزخرفة. وخلال العملية الإبداعية، استوحيت كثيرا من نساء الشرق الأوسط اللواتي لطالما جذبنني بقوتهن، وصلابتهن، وجمالهن، وألوان إطلالاتهن، وحيويتهن عموما. بمجرّد وجودي هنا، أشعر بأنني غارقة ومنغمسة في الألوان.

هلا أخبرتنا أكثر عن الحرفية والعمل اليدوي وراء المجموعة؟

الحرفية خلف هذه التشكيلة جميلة جدا. أردت للألوان أن تكون نابضة بحيوية كبيرة، فاستعملنا لذلك عددا من الأحجار، وحمّصنا بعضها في الواقع لتركيز كثافة اللون. كل القفاطين نتيجة عمل يدوي، وما من فقطان مثل الآخر.
كيف ترين ردة فعل نساء المنطقة تجاه هذه المجموعة؟

سنتعلّم الكثير عن المنطقة من هذه التجربة، وإذا لاقت هذه القفاطين نجاحا، إن شاء الله، فسنصمم المزيد، بما في ذلك قفاطين بأسعار منخفضة، إذ سنعمل على خطط تسعير متنوعة. الحرفية أكثر ما أحبه، وأحب تقدير  نساء الشرق الأوسط للجودة.
ذكرت أن القفاطين تذكّرك بوالدتك. هلا أخبرتنا أكثر عن هذا الإلهام العزيز؟

تذكّرني بوالدتي وبجدّتي. لم أكن مهتمة بالموضة خلال طفولتي وحتى في المدرسة الثانوية، إلى أن وصلت إلى الدراسة الجامعية. لكنني أتذكر كيف كانت والدتي تبدو رائعة الجمال لدى استقبال الضيوف في بيتنا، وفي بالي دائما صورتها على درج البيت الضخم، وهي تبدو فائقة الأناقة في قفطان جميل من دون ماكياج وبتسريحة شعر مشدود إلى الخلف.

      

ماذا عن مجموعة الإكسسوارات الحصرية؟
استمعنا أيضا إلى ما تبحث عنه زبوناتنا. أردنا بعض القصات الكلاسيكية، لكننا أردنا أيضا العمل على الحرفية والجودة. فاخترنا العمل بتقنية نافرة على جلد التمساح، وعملنا على صقل الجلد باللكّ ثم بالرمل وبعد ذلك باللكّ من جديد. وبذلك تتميز القطعة بالعمق وبكثافة وقوة تشعرين بهما لدى حملها. كما رغبنا في تنفيذ القطع بألوان الجواهر لأنها تجذب زبوناتنا في الشرق الأوسط اللواتي يعشقن هذه الألوان الغنية الداكنة. من بين القطع، تصميم يحمل اسم "روبنسون"، وهو اسم عائلتي قبل الزواج. صحيح أن والدتي تدخل في الكثير من أفكاري ومصادر إلهامي، لكن والدي أيضا يؤثر فيّ. أشتاق إليه كثيرا. كان معنا في السنوات الأولى من حياة شركتي، ورحل قبل عشر سنوات في سن الخامسة والثمانين. تسربت شخصيته في كل نواحي الشركة؛ حتى إن قيم شركتنا Buddy Values على اسم والدي "بادي روبنسون"، وثقافة شركتنا ترتكز على العائلة والنزاهة والفكاهة، وكلها قيم مستمدّة منه.

ماذا تعلّمت من والدك؟
الفكاهة والدعابة وخفة الظل بلا شك. علّمني والدي ووالدتي أن أعامل كل الناس بالطريقة ذاتها، سواء كنت أتعامل مع سائق تاكسي أو مع ملكة إنجلترا. وأعتقد أن حسن المعاملة جزء حقيقي من حمض شركتنا النووي. سافرا حول العالم. لدي صورة لوالدي مأخوذة في مصر في ثلاثينيات القرن الماضي، وهو
فيها فتى صغير يركب جملا. لدي الكثير من صور أسفاره التي أثرت فيّ. وقد أخبرني عن جمال كل الثقافات، وعلّمني كيف نختبر ونعيش تجربة السفر والفن ونتشرّبها، وأتمنى أن تكون مجموعاتي خير تمثيل لذلك.
هل من مشاريع جديدة لعطور "توري بورش" ؟
وقّعنا على عقد جديد مع “شيسيدو” لقسم الجمال والعطور. سنعيد التفكير في عطورنا، ونعمل على تشكيلة مستحضرات جمالية أيضا. أردنا في الماضي أن نبتكر عطرا خاصا بالشرق الأوسط، وأعتقد أننا الآن سنستطيع تنفيذ كل مشاريعنا. أنا متحمسة جدا لهذا التعاون الجديد.

افتتحت أول بوتيك لك في دبي سنة 2011 ، والآن لديك 22 متجرا في الشرق الأوسط، حيث تحققين نجاحا بارزا.  كيف تنظرين إلى سوق الشرق الأوسط؟

إنني أعشق الشرق الأوسط. أحب هذه السوق حقا، ولطالما أحببتها. وأحبها أكثر الآن بعد أن رأيت التقدم الذي أحرزته النساء هنا. المرة الأولى التي أتيت بها إلى المنطقة كانت قبل نحو 15 عاما مع أولادي لتمضية عطلة الربيع في دبي وأبوظبي، واندهشت بريادة الأعمال وقتها، والآن أعود وأجد فرقا هائلا. أستمتع كثيرا بالسفر حول الشرق الأوسط، وأعتقد أنني سأعود إليها في مارس، وأزور الكويت. الأنسجة والألوان وأناقة النساء وأسلوبهن الشخصي، كلها أمور أتفاعل معها كثيرا. نساء المنطقة شغوفات بالألوان والزخرفات، ولديهن طريقة رائعة بالتعبير عن أناقتهن الفطرية الفردية.

الكثير يحصل في الشرق الأوسط الآن، حيث تحقق المرأة ما تريده. ما نصيحتك لنساء المنطقة، كونك امرأة عملت بجهد لتحقيق أحلامها؟

نعم، ما يحدث رائع. أولا، إذا أنا استطعت النجاح، فبإمكان أي شخص أن ينجح. أسست شركتي بحلم بناء علامة "لايفستايل" عالمية لأستطيع إنشاء مؤسسة للنساء. لم أكن أدرك كيف سيتبلور المشوار، وكمية العمل والجهد الذي سأبذله، لكنني أقول لهؤلاء النساء: إن الأمر يستحق العناء. وإذا وجدت شغفك، فاستعدّي للعمل بجهد وبكد ومثابرة، ولن تشعري بأنك تعملين حين تقومين بشيء تحبينه. وقد لاحظت مع الوقت أنه يمكنني العمل لساعات طويلة دون المساومة على الحياة الخاصة. كما ذكرت، عائلتي هي كل شيء بالنسبة إلي، فمن المهم إيجاد التوازن بين العمل والحياة الخاصة، وهو أمر غير مستحيل. إذا كانت لديك فكرة فريدة، وكنت مستعدة للعمل بمثابرة وجهد، فلا حدود لطموحك! مؤسستي الداعمة للنساء في الولايات المتحدة، والتي نريد لها أن تنتشر على صعيد العالم، تدعم رائدات الأعمال إيمانا منها بتمكين المرأة ومساعدتها على عيش طموحها. وما يميز مؤسستنا عن المؤسسات النسائية الأخرى هو أن الرجال جزء منها، فالرجال جزء أساسي من قضية حقوق المرأة. من الضروري أن يلعب الرجال دورا مهما في حديث المساواة مع المرأة، لأننا بحاجة إليهم. لو جلسنا وتحدثنا مع أنفسنا من دون التحاور مع الرجال، فلن نصل إلى أي مكان فعلي.

هل يمكننا القول إنك حققت ما كنت تحلمين به؟
سأقول: إننا في رحلة. لا أعتبر يوما أننا وصلنا إلى الهدف الأخير، على الرغم من أنني أريد الاحتفال بإنجازاتنا. لكنني أتمنى أن أكون متعلمة مدى الحياة. نحن الآن في رحلة، وأشعر في نواحٍ كثيرة أننا نبدأ من جديد. وبعد أن صار زوجي "بيير- إيف" رئيس الشركة التنفيذي - كان علي أن أتزوجه ليقبل أن يصبح الرئيس التنفيذي - غيّر حياتي في تسعة أشهر. بعد أن كنت المديرة الإبداعية والرئيسة التنفيذية لخمسة عشر عاما، كان قد حان الوقت للحصول على مساعدة. وجود زوجي وخبرته ووجهة نظره العالمية لا تقدّر بثمن. وقد أتى إلى الشرق الأوسط قبلي، وذهب إلى قطر والكويت والسعودية، فرأى فرصا استثنائية هنا، وأعجب بطريقة العمل والطاقة الموجودة.

تخططون لإطلاق منبر تجارة إلكترونية في الشرق الأوسط. ما نظرتك إلى التجارة الإلكترونية مقابل التجارة التقليدية؟
في الواقع، الشرق الأوسط بالنسبة إلينا سوق كبيرة، لدرجة أننا نشعر بأن بعض متاجرنا فيها صغيرة، لذلك سندرس فكرة تعزيز حضورنا في قطاع التجزئة. الأمر مثير للاهتمام، خاصة حين نفكر في القنوات المتعددة الموجودة مثل قناة التجارة الإلكترونية التي أطلقتها في الولايات المتحدة قبل 15 سنة، وسأطلقها في الشرق الأوسط في العام الآتي.

لكنني ما زلت طبعا أؤمن بالمتاجر التقليدية وقطاع البيع بالتجزئة. فما زالت النساء هنا وفي الولايات المتحدة يستمتعن بالذهاب مع صديقاتهن للتسوق. وأعتقد أن متاجرنا تشعرك بأنك في بيتك، فهي تعكس نمط عيش معيّنا، ونرى الكثير من زبوناتنا يزرن متاجرنا مع صديقاتهن، ويجلسن على الأرائك ويشربن القهوة. وهذا هو في الواقع ما كان يفترض للتسوق دوما أن يكونه: تجربة اجتماعية.
كيف تحققين التوازن بين العمل والاهتمام بعائلتك؟
لدينا أنا وزوجي ستة أولاد، تتراوح أعمارهم بين 14 و 23 سنة. الصبيان الفرنسيون يختلفون عن الأمريكيين، وهذا يجعل الأمر أسهل بعض الشيء. والجميل أنهم كلهم مقربون جدا من بعضهم البعض.
هل يملك أحد منهم موهبة مميزة قد تسير في خطواتك وتتولى قيادة الشركة في المستقبل؟
ما زالوا يكبرون وينمون، لكن توأمي وابني الصغير يعملون على مشروع فنّي أدهشني. سنرى ماذا يحمل المستقبل، لكنهم الآن ما زالوا في المدرسة، وعليهم إنهاء دراستهم. يملكون حسا رياديا تجاريا، وأعتقد أنهم يتمنون البدء بالعمل منذ الآن. أراهم يسيرون في الاتجاه الذي سلكناه، لكن ليس في شركتنا.

ما موقفك من عالم التواصل الاجتماعي؟ وكيف تقيّمين وجودكم في منصاته؟
تجمعني علاقة مميزة وخاصة بالتواصل الاجتماعي، لأننا كنا من الشركات الأولى التي تبنته، وقد ساعدنا ذلك كثيرا في بناء علامتنا وشركتنا عبر السنين. التكنولوجيا والابتكار والتواصل الاجتماعي جزء مهم جدا من شركتنا. تمنحنا هذه الوسائط فرصة الحصول على ردود فعل حقيقية من زبائننا.
وقد ساعدنا زبوننا في بناء شركتنا بطرق عديدة، منها التواصل الاجتماعي، لأننا نستعين بجزء التسويق والعلامات العامة والتواصل الاجتماعي لبناء علامتنا. إنها ضرورة أساسية بالنسبة إلينا.
كيف يختلف مشهد الموضة الآن عن الماضي؟ هل تغير قطاع الأزياء برأيك؟
أعتقد أن كل شيء يتغير. كنت أقول لوالدتي حديثا: إننا نعمل على مجموعة لسنة كاملة، ثم يجري العرض وفي تسع دقائق ينتهي كل شيء. قطاع الموضة فوري. كان علينا انتظار التعليقات المقيّمة والنقد في الماضي. أعتقد أن النساء يحتضنّ أناقتهن وأسلوبهن كما لم يفعلن من قبل. وأمامهن اليوم فرص كبيرة، فبنقرة زر يمكننا أن نرى كل شيء. الأمر ملموس ومشوق. الصناعة نفسها تتطور وتنمو، وتعطي الكثيرين فرصة لم يملكوها سابقا.
هل ترين أن النساء يتغيرن أيضا؟
المرأة تثبت نفسها اليوم، وتسلك درب نجاحها الخاص. لا ينعكس التغيير فقط على أزيائهن، بل أيضا نرى ازديادا في ثقتهن بالنفس. تشعر المرأة اليوم بأنها واثقة بنفسها، ويساعدها الرجل كثيرا في بناء ثقتها أيضا. يسعدني أن الرجال يدعمون النساء بهذه الطريقة اليوم.