حوار حصري لرئيسة التحرير مي بدر مع Lady Kitty Spencer السفيرة العالمية لدار "دولتشي أند غابانا"

حوار: "مي بدر" Mai Badr

منذ أن سارت للمرة الأولى على منصة عرض "دولتشي أند غابانا" في إطلالة ملوكية عصرية عام 2017، تركت الأرستقراطية البريطانية ليدي "كيتي سبنسر" بصمتها الراقية على عالم الموضة. وبنت مع دار الأزياء الإيطالية الفاخرة صداقة حقيقية صادقة ومبنية على حب مشترك للثقافة الإيطالية، والفن، والجمال، وقبل كل شيء فرح العيش، وعلاقة تقدير متبادل توّجها إعلان ليدي "سبنسر" أول سفيرة عالمية لدار "دولتشي أند غابانا".

والدة "كيتي سبنسر" هي عارضة الأزياء البريطانية السابقة "فيكتوريا إيتكن"، ووالدها "تشارلز" الإيرل التاسع لأسرة "سبنسر" النبيلة وشقيق الأميرة الراحلة "ديانا"، التي كانت ولا تزال إحدى أيقونات الموضة الحديثة الأهم.

قبل دخولها عالم الأزياء بشكل رسمي، بدأت "كيتي سبنسر" مسيرتها المهنية بالعمل مع مؤسستين خيريتين، إحداهما منظمة "سينتربوينت" الشهيرة التي كانت "ليدي ديانا" راعية لها. وتكمل عملها الخيري اليوم إلى جانب عرض الأزياء والتعاون مع "دولتشي أند غابانا"، بعد دراسة العلوم السياسية وإدارة العلامات التجارية الفاخرة وتاريخ الفن.

بالنسبة إلى ليدي "سبنسر"، فإن جمال المرأة يفرض نفسه بشكل تلقائي، وفرادة المرأة تكمن في سحر غير ملموس يستحيل تحديده. وهذا الوصف ينطبق بالفعل عليها وعلى شخصيتها التي تشع لطفا وطيبة وشفافية.

 

أخبرينا عن تعاونك مع "دولتشي أند غابانا". كيف بدأت القصة؟

بدأت القصة في فبراير 2017، وجرى كل شيء بشكل مفاجئ. وصلت إلى الوكالة التي تمثلني رسالة إلكترونية من "دولتشي أند غابانا" تسأل عمّا إذا كنت أرغب في حضور عرضها أو السير على منصته. لم أصدق أن كلمات "دولتشي أند غابانا" و"ميلانو" كانت في بريدي الإلكتروني. كنت أعمل حينها مع المنظمة الخيرية التي ما زلت جزءا منها. العمل في المجال الخيري جميل، لكنه مختلف جدا عن قطاع الأزياء، إنما بالمعنى الإيجابي. وأنا محظوظة اليوم بأنني أجيد الموازنة بين المجالين، لكن عالم الأزياء وقتها كان مفهوما جديدا تماما بالنسبة إلي.

كان ردّي المباشر أنني سأفرح طبعا بحضور العرض. ثم أخبرت والدتي بالأمر، فاستغربت عدم قبولي بالمشاركة فيه. علمت أيضا أن أبطال العرض أشخاص "حقيقيون" من أجيال عدّة. وأتذكر كيف قلت لنفسي إنني إذا كنت سأسير يوما على منصة عرض، فهذه هي اللحظة المناسبة لأفعل ذلك، وإنه إذا كانت هناك علامة تجارية تجذبني إلى ذلك فهي "دولتشي أند غابانا"، لأنها تحتفي بكل أنواع الجمال النسائي. فتجعل كل امرأة تشعر بأنها في أوج جمالها، إذ تعرف الدار كيف تبرز أفضل ملامحها وتعززها، بغض النظر عن قوام المرأة الطبيعي.

كانت فرصة رائعة للمشاركة في أسبوع الموضة، وذكرى جميلة أرويها لأولادي ذات يوم. ونظمت الدار كل شيء بشكل مدهش، فلم يكن العرض عرض أزياء تقليديا، بل كان احتفالا حقيقيا بالناس الآتين من مختلف دروب الحياة. وبعد ذلك العرض، عمل "دومينيكو دولتشي" و"ستيفانو غابانا" على مشاريع كثيرة موجهة لجيل الألفية، ثم قدّما عرضا في متجر "هارودز" في لندن. فكنت أندرج في الفئات التي ركزا عليها خلال تلك الفترة التي بنينا فيها علاقة حقيقية. تبادلنا الرسائل، واستمتعت كثيرا بالاستماع إلى قصصهما الرائعة عن حياتهما المدهشة وعالمهما السحري المبني على الموهبة والأناقة والإرث الإيطالي. وتكللت صداقتنا حديثا بتعييني سفيرة عالمية للدار، وهو منصب لم يكن موجودا سابقا.

 

بعد سنوات من الصداقة، كيف تصفين "ستيفانو" و"دومينيكو"؟

جميل أن يعمل المرء إلى جانب هذين الرجلين المبدعين اللذين يريان الأمور بطريقة لا نتوقعها لكنها لهما بديهية. وهما دائما على حق، بل يعرفان كيف يجعلان كل شيء جميلا ومفرحا، من تفاصيل عرض الأزياء، إلى باقات الأزهار الزينية على طاولة الغداء.

أقدّر فيهما أيضا أنهم يبثان في نفس كل إنسان شعورا بالتقدير. ولعل المثال الأفضل على ذلك، عرض "ألتا مودا" في فلورنسا، الذي نُظم في سبتمبر، بعد أشهر من انتشار الجائحة، وبعد صيف سيئ جدا على فلورنسا وشركاتها العائلية التي تعتمد على السياحة. قدما وقتها مبادرة راقية للغاية، فألفا كتابا يخبر قصص هذه الشركات والمشاغل الحرفية العائلية، من صانعي العطور إلى صانعي المخرمات والأحذية والطوابع وغيرها من هذه الكنوز العريقة التي كانت تعاني بشدة بسبب الوباء. إضافة إلى الكتاب، كان في العرض ممثلون عن كل الشركات. "دومينيكو" و"ستيفانو" شخصان طيبان جدا، ويعرفان كيف يرفعان معنويات الآخرين. كما يتمتعان بذكاء ثاقب، ويحبان الحياة ويعيشانها بفرح.

وأقدّر أيضا قيمهما العائلية؛ "دومينيكو" يطبخ للعائلة كل يوم خلال الحجر. و"ستيفانو" دائما يضحكني، ويخبرني قصصا رائعة عن مرحلة تسبق اهتمامي بعالم الموضة، ويغير نظرتي إلى العالم ويدعمها بالتفاؤل والسلام الداخلي. ومجرد معرفة أنني أستطيع اللجوء إليهما للنصح يشعرني بالأمان.

 

برأيك ما مفتاح الصداقة المتينة التي تجمعك بدار "دولتشي أند غابانا"؟

في إحدى رسائلي إلى مصممَي الدار، أخبرتهما أنني أحتفظ بكل شيء من كل عرض في صندوق خاص، من البطاقة الصغيرة المعلقة بالزي الذي سأرتديه، إلى الصورة التي تدلني على غرفة القياس، ورسالة الترحيب التي تركاها لي في غرفة الفندق، والوردة التي زيّنت شعري... وذكرت أن العلبة تفيض بالذكريات، وقصدت من ذلك شكرهما على كل ما عشناه معا من لحظات رائعة، مثل الحملة الإعلانية في البندقية مع الأخوين "موريلي"، اللذين صارا من أصدقائي المقربين خصوصا في فترة الحجر التي كانت فترة محزنة جدا لكل المجتمع الإبداعي.

وقبل عرض "دي إن أي"، كنت في جلسة قياس، وكنا جميعا مستعجلين ومنشغلين ومتوترين بسبب هذا العرض الضخم في نهاية أسبوع الموضة. أبلغت فجأة أنه عليّ التوجّه إلى المكتب، فظننت أن "دومينيكو" و"ستيفانو" سيستغنيان عن خدماتي. لكنهما قدّما إليّ صندوقا خاصا جديدا صنعاه لي. وانهمرت الدموع من عيني، حين رأيت الصندوق مكتوبا عليه إلى "كيتي سبينسر" من "دومينيكو" و"ستيفانو"، ومرسوما عليه مشهد من الريف الإنجليزي. كانت لفتة رائعة ومؤثرة، خصوصا أن ذلك كان قبل يوم واحد من العرض.

هنا يكمن سر نجاح علاقتنا، في تفاهمنا وفي القيم الجوهرية التي نتشاركها، مثل تقدير هذه اللحظات الجميلة، وتقدير إيطاليا، والجمال، وفرح العيش. أشعر بأن علاقتنا عائلية وليست مهنية، وأن ما يجمعنا هو انسجام طبيعي، عفوي، حقيقي.

 

كيف كانت تجربة التصوير مع "هي" و"دولتشي أند غابانا"؟

كانت تجربة ممتعة جدا ومليئة بالمرح، وأول عمل لي بعد الإغلاق. بعد البقاء في خمول لمدة طويلة، لم أدرك ما الأشياء التي افتقدتها.

فريق العمل رائع حقا، واستطعنا أن نلمس أن الجميع كان متحمسا للعمل وسعيدا بوجوده هناك وبفعل ما يحبّه ضمن فريق. فخلال الحجر، كان كلامنا محصورا بأفراد من العائلة والمقربين، ولم تكن هناك دردشات مع أشخاص جدد. وما جمّل تجربة التصوير أكثر أن معظم المشاركين تلقوا لقاحا، ولذا كان الضغط النفسي على الجميع أقل وطأة. محررة الموضة "روبيرتا ريستا" كانت رائعة، وأعدت الغرفة بطريقة جميلة جدا غنية بالألوان. وسررت أيضا بالتعاون مرة جديدة مع المصور "جون بول بيتروس" الذي يستعمل كاميرا تقليدية.

كنا في متجر "دولتشي أند غابانا" على شارع "بوند ستريت" وحدنا، فاكتشفنا غرفا لم نكن نعلم بوجودها، من غرف الزبائن الخاصة إلى غرفة المجوهرات وقسم الأزياء الرجالية. كل جزء من المتجر أنيق للغاية، وكل قطعة أثاث مختارة بدقة. والملابس كانت مشرقة وزاهية وغنية بالألوان والطاقة. فتذوقنا طعم نمط عيشنا السابق، وتذكرنا كيف كانت الأمور، وكيف نأمل أن تكون قريبا.

 

هل جعلتك دراسة تاريخ الفن في فلورنسا والفترة التي أمضيتها في إيطاليا تميلين إلى الماركات الإيطالية؟

نعم طبعا. نشأتي في كيب تاون كانت جميلة جدا، فترعرعت في أحضان الطبيعة. لكنني لاحقا في إيطاليا، كوّنت فهما حقيقيا للرفاهية والترف والحرفية والتراث والجمال. وحين درست الفن وتلك الحقب الماضية، استوعبت كل ذلك أكثر. ولذا فقد جذبني بلا شك وجودي في إيطاليا إلى الماركات الإيطالية.

 

كيف ينعكس الإرث الإيطالي على مجموعات "دولتشي أند غابانا"؟

إيطاليا غنية بجمالها الطبيعي المتنوع، من الجبال المكسوة بالثلج إلى الجزر والكروم والبحيرات. والحقيقة أن فيها الأجمل من كل شيء. تنجح دار "دولتشي أند غابانا" في احتضان كل جوانب الجمال الإيطالي، وتحتفل من خلال مجموعاتها بمناطق مختلفة من البلاد، بالمحافظة دائما على روح البهجة. فلا تتعامل الدار مع الإرث بصرامة، بل بمرح وفرح. الأزياء موجودة لترتقي بتجربة حياتنا، ولتحسن نظرتنا إلى العالم.

 

ما رأيك بمشهد الموضة اليوم؟ وكيف سيكون بعد زوال جائحة "كوفيد-19"؟

قد اضطرت العلامات التجارية إلى إيجاد طرق جديدة لعرض تصاميمها وللتفاعل مع بقية العالم على الرغم من الصعوبات الاقتصادية والتدابير المفروضة. وكان من المثير للاهتمام رؤية ما ابتكره الناس لتجاوز المشكلة، وإيجاد أساليب تواصل جديدة لسرد قصصهم للمستهلكين. أقول ذلك لكنني أعلم أن المصممين طبعا متشوقون للعودة إلى التفاعل الحقيقي وإلى الطاقة التي كان ينبض بها قطاع الموضة.

حين التقيت بـ"دومينيكو" و"ستيفانو" منذ فترة قصيرة، كانا قد صنعا للتو روبوتات لعرضهما. كانت فكرة رائعة عادت بنا إلى التسعينيات، وتجربة بصرية رائعة عشناها في بيوتنا. ووضعا مرايا حيث يجلس الحضور عادة، حتى لا نتمكن من أن نلاحظ المقاعد الفارغة. قد تكيفا حقا مع الواقع الحالي، لكنني أعرف أنهما متلهفان جدا للعودة إلى التفاعل مع الناس مباشرة في عرض الأزياء التقليدي الذي لا بديل له.

الإنسان يتكيف بسهولة ويصمد ويبتكر ويفكر خارج الحدود، لكننا بطبيعتنا نريد أن نكون معا ونجتمع ونلتقي ونحتفل. أتمنى أن يعود كل شيء إلى طبيعته وأن نستطيع من جديد الاحتفال معا بالإبداع.

 

ما الذي جذبك إلى عالم الأزياء؟ وكيف بدأت مسيرتك فيه؟

كنت أعمل مع مؤسستين خيريتين، وأدركت أنني سأضطر بسبب فعاليات جمع التبرعات وحملات التوعية، إلى إجراء المقابلات وإلقاء الخطابات والتحدث إلى المجلات والصحف من أجل الترويج لمختلف المبادرات الخيرية. فانضممت إلى وكالة "ستورم" التي ساعدتني في كل ما يتعلق بعملي الخيري. علمتني انتقاء الملابس المناسبة، وضبطت كلامي بشكل لا يخرج عن السياق المطلوب، وساعدتني في إيصال رسالتي بالطريقة الصحيحة.

من خلال "ستورم"، اجتمعت بدار "دولتشي أند غابانا"، وكانت تجربتي الأساسية في عالم الموضة من خلال هذه الدار ورؤيتها الشمولية والاحتفالية بكل امرأة، والتي قد تختلف عن الرؤية النمطية في عالم الموضة. كان من الممكن أن أتردد في دخول مجال الموضة لو كانت علامة أخرى.

واستمتعت طبعا بنمط العيش الذي سمحت لي باختباره، مثل السفر، والتعرف إلى الكثير من المبدعين والموهوبين، وعيش هذه التجارب، ورؤية الموضة من عيني علامة فاخرة.

لو أني امتهنت أي عمل آخر، لكنت استخدمت مدخولي وأوقات فراغي لأعيش التجارب التي أعيشها كعارضة أزياء. يضاف إلى ذلك عنصر إيجابي آخر، يتمثل في الناس المثيرين للاهتمام الذين أعمل بينهم. ولا ننسى أن هؤلاء جميعا تبعوا شغفهم ومواهبهم وتغلبوا على الصعاب، خصوصا أن أحدا منهم لم ينل مراده بسهولة. فتح عالم الموضة آفاق مخيلتي، وجمعني بأصدقاء رائعين، وأنا ممتنة جدا لذلك.

 

هل تغيرت إطلالتك بعد دخولك عالم الموضة؟ وكيف تصفين أسلوب أناقتك اليوم؟
تغير أسلوبي بكل تأكيد منذ أن بدأت العمل في عرض الأزياء. كنت أرتدي سابقا الكثير من الملابس السوداء والتصاميم البسيطة. إن انتمائي إلى عائلة "دولتشي أند غابانا" شجعني بلا شك على أن أكون أكثر ثقة، وأن أغامر وأمرح بأزيائي وأستمتع بتنسيقها. أحب أن تكون إطلالتي مريحة، لكن مفعمة بالأنوثة وببعض التألق في الوقت نفسه.

 

والدتك عارضة سابقة. هل قدّمت إليك نصائح مهنية؟

أمي لا تفرض عليّ آراءها يوما، ولا تحاول أبدا أن تقول لي ما يجب أن أفعله، خصوصا أن معظم الناس يدركون أن ذلك سيكون أمرا سخيفا إذا حاولوه معي. إلا أن ذلك لا يلغي كونها جاهزة دائما لإعطائي أفضل نصيحة عندما أطلب منها ذلك.

قد أرسل إليها صورا من الكواليس أو خشبة العرض أو موقع تصوير حملة إعلانية، وتقول لي أي صور أحبت، وفي النهاية يتبين أن خيارها صائب، لأنه يكون مطابقا لخيار فريق العمل.

ومن الجيد أن تكون إلى جانبي. فهي تؤمن بأن الأقل أكثر، وأنا أؤمن بأن الأكثر أكثر. إذا كنت أساعدها في إعداد إطلالتها مثلا، سأقول لها إنه يجب أن تضيف بعض القطع، وهي على العكس تنصحني بأن أنزع بعض عناصر إطلالتي؛ وخير الأمور أوسطها!

لدينا ذوقان مختلفان تماما، لكن إحدانا تفهم الأخرى، وتعرف ما يلائمها. لم تحاول أمي يوما أن تقولبني، لأصبح نسخة صغيرة عنها، بل تعرف كيف تساعدني على أن أكون أفضل نسخة من نفسي.

 

ظهرت شقيقتاك على غلاف مجلة "تاتلر". هلا أخبرتنا عن علاقتك بهما؟ وهل تسيران على خطاك وخطى والدتك؟

لطالما فكرنا في أنهما ستدخلان مجال العرض بدلا مني، لأنهما توأمتان ومبدعتان جدا وجميلتان للغاية. بقيتا في جنوب إفريقيا لفترة أطول مني، والآن انتقلتا إلى لندن، وانضمتا أيضا إلى وكالة "ستورم"، وأنا سعيدة للغاية وفخورة جدا بهما. "إميليا" تعمل في مجال تصميم الحفلات وتنسيق الأعراس، و"إليزا" تعمل في تصميم الديكور. مدينة لندن مركز إبداع، وستكون لهما منفذا رائعا على الموضة والدور الفاخرة، على أمل أن تكون هذه الخطوة بداية فصل مشوق لهما. أتمنى أن تعيشا قريبا تجارب رائعة مثل التي عشتها، وأن نعمل معا أيضا.

 

لو لم تعملي في مهنة عرض الأزياء، ماذا كنت لتمتهني اليوم؟

أحلامي المهنية تغيرت كثيرا مع الوقت. حين كنت طفلة، حلمت بالعمل في السيرك. وفي فترة المراهقة، أردت أن أكون محامية، وأردت أن أيضا أن أصبح ممثلة. وحين تخصصت في العلوم السياسية، تمنيت أن أعمل في الصحافة السياسية. وفي فلورنسا، أردت العمل في صالة عرض فنية. الجميل اليوم أنه لم يعد علينا الالتزام بحدود معينة وخطة صارمة، بل تجري الأمور بشكل طبيعي.

لم أكن لأتصور خلال أيام المدرسة أنني سأصبح يوما راعية لمؤسسة خيرية وسفيرة لمؤسسة خيرية أخرى، وسفيرة عالمية لدار أزياء فاخرة. لم أصل إلى حيث أنا اليوم باتباع خطة مهنية صارمة. السر يكمن في الموافقة على الأشياء الصحيحة ورفض الأشياء غير الملائمة، والتركيز دائما على العمل دون أن نسمح لأمور ثانوية بأن تلهينا. هكذا نصل إلى حيث يجب أن نكون.

 

أنت اليوم سفيرة لمؤسسة "سينتربوينت". لماذا اخترت هذه المؤسسة تحديدا؟ أخبرينا أكثر عن عملك معها.

مؤسسة "سينتربوينت" منظمة كبيرة جدا ذات تاريخ عريق. كانت عمّتي الأميرة "ديانا" راعية لها، و"ويليام" ابن عمتي راعٍ لها اليوم. تساعد هذه المنظمة المشردين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين أواخر سن المراهقة وأوائل العشرينات، وتمرنهم وتعدّهم للحصول على وظيفة. فتعلّمهم مثلا حسن التصرف في مقابلات العمل واختيار الملابس المناسبة لها، وتعتني بأولادهم لدى ذهابهم إلى العمل. فلا تعمل فقط على توفير مأوى لهم. وتعلمهم أيضا وضع الميزانية، وتكسبهم مهارات عديدة تساعدهم على إعادة الانخراط في المجتمع كأعضاء فاعلين.

أنا أعمل معهم اليوم ضمن برنامج العيش المستقل، وهو مشروع سكني جديد نبعت فكرته من الصعوبات التي يواجهها الشباب في إيجاد مساكن في المدن الكبيرة مثل مانشستر ولندن. فمعظم فرص العمل موجودة في هذه المدن، لكن تكاليف العيش فيها باهظة. وقد أتينا بفكرة بناء بيوت جاهزة، لأنها سهلة النقل وسريعة البناء وأقل ضررا بالبيئة. نتعاون مع مطورين عقاريين لإيجاد خيارات سكنية معقولة الأسعار للشباب الذين يحصلون على فرصة عمل، لكن لا يقدرون على الصمود في وجه تكاليف العيش في المدن الكبيرة، ولا تتقاضى المؤسسة منهم سوى ثلث مدخولهم بدل الإيجار.

حين بدأت العمل مع "سينتربوينت"، كنت في الفئة العمرية التي تركز عليها. وما يحصل مع هؤلاء الشباب قد يحصل مع أي شخص ولأي سبب، مثل مشكلات الإدمان أو العنف المنزلي أو التصادم مع الآباء بسبب الخيار المهني. "سينتربوينت" تسمح لهؤلاء الشباب بأن يختاروا المهنة التي يريدونها، ولقد لامست لمس اليد كيف تخرجهم المنظمة من بيئات خطرة وتساعدهم على العودة إلى المسار الصحيح.

أقدّر عاليا الشباب الذين يصمدون ويناضلون ويتغلبون على الصعاب. قد لا تكون "سينتربوينت" الخيار الأسرع والأسهل، لكنها الخيار الأكثر أمانا واستدامة. وقد عشت معهم قصص نجاح ملهمة، ساعدناهم فيها على تحقيق إمكاناتهم في مرحلة حاسمة من حياتهم. فأعدنا كتابة قصصهم وقصص أولادهم والأجيال الآتية. هذه المؤسسة تقدم الكثير، وتستمر في التوسع والنمو لمساعدة المزيد من الناس.

 

وماذا عن المنظمة الخيرية العسكرية التي ترعينها اليوم؟

درست السياسة وعلم النفس لأنني كنت مهتمة بالمجالين. ومن خلال أحد أصدقائي، تعرفت إلى شخص يدير منظمة خيرية تقدّم رعاية نفسية للجنود. هكذا بدأ مشواري مع "غيف أس تايم"Give Us Time ، التي تقدّم إلى الجنود إجازات للاستراحة وتمضية بعض الوقت مع عائلاتهم بعد مهمة عسكرية.

أسسها الدكتور "ليام فوكس" وزير الدفاع البريطاني السابق، ويسمح عملها لعائلة الجندي بالحفاظ على تماسكها. العائلة هي للجندي الدعامة التي سيلجأ إليها لاحقا، لذلك نحاول أن نحرص على أن تبقى الروابط العائلية متينة، وألا تحطمها مشكلات مثل الإدمان، واضطراب ما بعد الصدمة، وكل الأعراض النفسية الناتجة عن الخدمة العسكرية. فتصمد الزيجات، وينمو الأطفال ليصبحوا أعضاء فاعلين في المجتمع.

 

حصلت على شهادة ماجستير في إدارة العلامات التجارية الفاخرة. كيف ساعدتك دراستك في مسيرتك المهنية؟

جعلتني بكل تأكيد مهتمة أكثر بالشق الإداري. وعلمتني أن عليّ أن أجيد ليس متى أقول نعم فحسب، بل متى أقول لا أيضا. يجب التفكير في العلامات التجارية التي نريد العمل معها في المستقبل، والمكان الذي نريد أن نصل إليه، ومن ثم العمل نحو هذا الهدف. هدفي كان العمل مع أفضل العلامات التجارية في العالم، والماجستير في إدارة العلامات التجارية الفاخرة منحني الاستراتيجية التي يجب أن أتبعها وعلّمني أهمية حسن الاختيار.

عالجنا خلال الدراسة كل جوانب الرفاهية من منظور المستهلك، ودرسنا سلوك المستهلك ومبادئ علم النفس، وركّزنا على أهمية الإرث والحرفية والسحر غير الملموس الذي يجعل الأشياء فاخرة، ويجذب المستهلك إليها.

 

هل لديك سر جمالي يمكنك مشاركتنا إياه؟

الشيء المفضل لدي في العالم هو حمام الفقاعات. بالنسبة إلي، ما من شيء أفضل من الاسترخاء في حمام رغوي مع رقائق المغنيسيوم، وقناع على وجهي، وأنا أشاهد مسلسلي المفضل قبل أن أخلد إلى النوم باكرا. هكذا يتحسن مزاجي، وأشعر براحة أكبر تنعكس على مظهري الخارجي.

أنا أؤمن حقا بأهمية تخصيص بعض الوقت للاهتمام بالذات والاسترخاء. واللحظات التي ندلل بها أنفسنا لها فائدة مزدوجة، فلا تريحنا وتهدئنا وتحسن مظهرنا فحسب، بل تعزز أيضا ثقتنا بالنفس واحترامنا لها. ففي اهتمام المرأة بنفسها نوع من تقدير الذات. وهو أمر نلاحظه في الشرق الأوسط، حيث النساء دائما أنيقات للغاية، ويملكن اعتدادا بالنفس.

 

ما الذي يجعل المرأة جميلة وفريدة؟

يعكس مظهر المرأة حتما طريقة معاملتها للآخرين القادرة على جعل أجمل امرأة قبيحة في ثوانٍ إذا لم تكن تعامل الناس بمحبة ولطف واحترام. وهناك أيضا عامل مرتبط بالثقة بالنفس واحترام الذات، لأن ذلك سيؤثر بدوره في معاملتك للآخر، وبالتالي نظرته إليك. ويحدد شعورك حيال نفسك كل شيء، من طريقة وقفتك، إلى ثقتك بأزيائك وإطلالتك.

 

كيف تنظرين إلى التنوع في عالم الموضة اليوم؟

أعتقد أنه أمر رائع يشير إلى تقدم المجتمع ككل. نراه في كل مكان الآن، فتتحمل شركات كثيرة مسؤوليتها الاجتماعية، وتحتفل بالتنوع.

 

هل زرت الشرق الأوسط؟ وما كان انطباعك عن نساء المنطقة؟

زرت دبي مرة واحدة. لكنني أتمنى أن أسافر إلى مناطق كثيرة من الشرق الأوسط للاستجمام وللعمل أيضا، بعد عودة حرية تحركاتنا.

بين نساء الشرق الأوسط والماركات الفاخرة تقدير متبادل. وقد لامست تقديرا كبيرا لديهن للأناقة والجودة والأزياء الراقية والحرفية. فكلما سألت عن أجمل قطع الأزياء الراقية لدى "دولتشي أند غابانا"، يأتيني الجواب أنها بيعت إلى شخص ما في الشرق الأوسط دون ذكر الاسم.

يزداد الوعي العالمي لتقاليد الشرق الأوسط وثقافة المنطقة. ويستمد الكثير من المصممين اليافعين إلهامهم اليوم من ثقافة الشرق الأوسط بسبب احتضان المرأة العربية للأنوثة والرقي وتقديرها للملابس والإكسسوارات والمجوهرات المصنوعة بحرفية عالية. وهذا أحد أسباب اعتزازي بالتعاون مع مجلة "هي" الرائدة في هذه المنطقة التي أتشوق إلى اكتشافها وتعلم المزيد عن ثقافتها وخصوصا نسائها.