هل انتِ "ام خوافة" أو "ام شكاكة" ؟!

على الرغم من أن الجيل الحالي من الاباء والامهات اغنى واكثر تعليما ووعيا من الاجيال السابقة، الا ان تربية الابناء في هذا الزمن باتت اكثر تعقيدا من ذي قبل، وربما يعود ذلك الى ان معطيات هذا الزمن والاخطار المحدقة المحيطة باطفالنا من كل جانب هي التي اسهمت في تعقيد مسألة التربية، حيث ساهم ذلك في توليد موقفين سلبيين في تربية الابناء يقع فيه الوالدين احيانا، والام تحديدا، ويتمثل الموقف الأول في الإفراط في حماية الأطفال، والخوف عليهم من الأخطار المحدقة بهم أو التي ربما يتعرضون لها، لتتحول الام الى "ام خوافة"، والموقف الثاني هو الموقف الشكي وهو الشعور أو القلق المصاحب بأن الطفل سوف يعمل أشياء سيئة أو خاطئة لتتحول الام إلى "ام شكاكة".

الموقف الاول: "ام خوافة"


لا شك أن القلق والخوف على الأبناء أمر طبيعي، بل هو أمر محمود فهو دافع للمتابعة والتربية، إلا إذا ازداد هذا الخوف وأصبح يشكل اضطراباً نفسياً، وهماً لازماً، فإن هذا الخوف يكون مرضاً، وينعكس سلباً على حياة الطفل، فيكون الطفل محاطاً دائماً بكلمات الرفض والمنع والتقييد، وتلقي الأوامر والنواهي، فيعيش الطفل حالة من الخوف والرعب تمنعه من الإقدام والمغامرة والانطلاق في الحياة بشجاعة وجرأة، وتحقيق رغباته وطموحاته واكتشاف أخطائه بنفسه مما يؤثر ذلك في نموه التربوي والسلوكي.

وحول ذلك بين المستشار التربوي مبارك عامر، انه من أجل بناء طفل سليم قادر على مواجهة الحياة يتحتم على الام معرفة قدرات أبنائها، وإتاحة المجال لهم في مواجهة مشاكلهم بأنفسهم، وإعطائهم الفرصة لاكتشاف الحلول لها، فلن يكون الطفل قادراً على التغلب على صعوبات الحياة إلا بعد أن يكون معتمداً على الله أولاً ثم على نفسه، وإلا سيكون الطفل اتكالياً ضعيفاً غير قادر على تحمل المسؤولية، ولن يكون الطفل ناضجاً إلا إذا كان لديه رصيداً جيداً من التجارب والممارسات العملية، فالطفل يكتسب من التجربة والممارسة أكثر من التوجيه والإرشاد، اي ان الام بحاجة للتحرر من الخوف الزائد غير المنطقي، والتعامل مع الابناء بواقعية، وإعطائهم الثقة في مواجهة الحياة، حتى وإن تعارض ذلك مع مشاعرها وعواطفها.

الموقف الثاني: "ام شكاكة"


من النادر أن نربي ابناءنا دون أن يكون هناك شك تجاه سلوكهم، بل كثيراً ما نقدم الشك ونسلب الثقة من الابناء، لاننا نظن أنهم قد يكذبون علينا، وأنهم يتصرفون خلال بعدنا عنهم تصرفات غير مرغوب فيها، ولذلك نتجه لإثبات أو دحض هذه الشكوك بإلقاء الأسئلة الشكية، وقذف التهم، وإظهار عدم الثقة بالابناء، ما يؤدي إلى فقد ثقة الطفل في نفسه، ويضعف درجة المصداقية بين الام والابناء، إذ يشعر الابن أنه في نظر امه ليس كفأً، وأنه غير مؤهل لثقتها، ولا سبيل للتفاهم معها، وبالتالي يبتعد عنها ويتجه إلى الكتمان والتظاهر أمامها بأنه جدير بالثقة، وبالتالي يفقد الابن الجو الاسري المريح، والذي يستطيع فيه أن يجد ذاته ويحقق رغباته باطمئنان وسعادة. 

ويؤكد المستشار التربوي مبارك عامر، ان هنالك وسائل كثيرة لتتحقق الام من صحة شكوكها دون أن تدع هناك أثر نفسي سلبي على ابنائها، ويعتمد ذلك على الحوار الهادف والاسئلة الاكثر لباقة ووضوحاً ليتمكن الابناء من بث كل ما يبوح وما يجول في خاطرهم ومعايشة مشاكلهم وهمومهم بواقعية وبصدق، وازالة كل العقبات امامهم، حتى تكتشف الام حقيقة شكوكها لتتعامل معها التعامل الامثل، ولا يعني ذلك افتراض تجاهل الام ما يجول بنفسها من شكوك وظنون، ولكن المطالبة هو تجنب هذه الشكوك إذا لم يكن لها سند واقعي يدعمها، فالسلوك الإسلامي أن نقدم حسن الظن على الشك إذا كان سلوك الابناء سلوكاً قويماً مستقيماً.