رؤية نقدية ـ‎ ‎‏ ‏Glass‏..هل يحقق شياملان الحلم ويصنع عالمه السينمائي؟!‏

على مدار عامين متتاليين احتل المخرج ذو الأصول الهندية م. نايت شياملان مكانة متقدمة عند عشاق أفلام الإثارة والغموض بعد عرض فيلمى The Sixth Sense عام 1999 وUnbreakable عام 2000 ، استمر نجمه فى الصعود وصولاً إلى فيلم Split عام 2016 ومن الثاني والأخير تحديدًا حقق حلمه وخرج أحدث أفلامه Glass بعد أن استغل فيلم عام 2000 الذى يحكى عن ناجى من حادث قطار يدعى ديفيد دن (بروس ويلز) مات كل من يركبون القطار معه ليكتشف بعد ذلك أنه بطل خارق، يأتمن ابنه جوزيف (سبنسر تريت كلارك) على سره ويبدأ فى استكشاف قوته بمساعدته،  حتى يعرف أن السبب فى حادث القطار هو إليجا برايس (صامويل ل. جاكسون) فقط لإثبات نظريته بوجود الأبطال الخارقين.

فيلم 2016 صنع شياملان من خلاله شر من نوع آخر، شاب يعانى من إنفصام الشخصية يدعى كيفين (جيمس ماكفوى) صاحب 23 شخصية حبيسة داخله والذى اختطف كاسى (آنيا تايلور جوى) مع صديقتيه، وهن مجبرات على التعامل مع هذا المريض النفسى، من الفيلمين نخرج بـ 6 شخصيات ديفيد وجوزيف، إليجا ووالدته، كيفين وكيسى، ينتقلون وننتقل معهم لفيلم 2019 Glass ومعه تكتمل ثلاثية شياملان التى بدأت بـ Unbreakable .

حسب تصريحات شياملان الموضوع لم يكن وليد الصدفة وشخصية كيفين كانت محددة التفاصيل كتابة مع بعض جملها الحوارية منذ فترة بعيدة ولم تتحول لصورة قبل أن يشعر المخرج أنه قد آن الأوان لذلك، وربطها مع فيلمه الناجح عام 2000 بعد 16 عام لينهي الفيلم وقد ظهرت شخصية ديفيد تتحدث عن إليجا أو "مستر جلاس" واكتملت الدائرة بالفيلم الثالث الذى يعد البذرة الأولى لتكوين عالم سينمائى سيتحدد مصيره بناء على إيرادات Glass ونجاحه، والأفلام الثلاثة وقف وراءهم كمنتج ومؤلف ومخرج شياملان وعليه يكون هذا العالم من إبتكاره البحت.

المخرج الذى بدأ قويًا وتألق منذ عرض ثالث أفلامه عام 1999 ومثلت رؤيته فى أفلام مثل Signs وThe Village محاولة للمزج بين الإثارة والغموض وتعميق ما تتناوله هذه الأفلام من تساؤلات فلسفية ووجودية مع ميزانيات إنتاج منخفضة أو متوسطة فى معظمها، إلا أنه لم يستمر على نفس القوة والتمكن وخرجت بعض أفلامه بمستوى أقل حتى Split نفسه حيث يمكن التعامل معه على أنه واحد من أقل أفلامه جودة.

فيلم Glass‏

Split يعانى من الكثير من المشاكل الفنية ذكرها الآن ليس موضعه، لكن تجدر الإشارة لأداء ماكفوى التمثيلى المميز الذى يعد أهم ما فى الفيلم، وعلى الرغم من التقديم الجيد والوافي لشخصيات إليجا وديفيد وجوزيف صغيرًا فيما أاعتبر الجزء الأول المستقل عن باقى الثلاثية Unbreakable ، ثم كيفين وكاسى فى الجزء الثانى Split الذى ربط بين الأول والثالث بمشهد مفتعل وبشكل مبالغ، الأ أن هذه التقديمات المتعددة لم تمنع شياملان أن يجعل النصف الأول من Glass مساحة يعيد فيها تقديم الشخصيات فى مشاهد طويلة تجمع بين جوزيف وديفيد. الأول بعد أن أصبح شابًا يساعد والده فى المتجر ونشاطه فى مكافحة الجريمة مع لقطات مقربة على وجه سبنسر ليذكر المشاهدين عنوة انه نفس الطفل الذى ظهر فى فيلمه قبل 19 عام ونفس الحال مع تشارلاين وودارد التي فضحت الكاميرا القريبة من وجهها المكياج المضحك الذى يحاول أن يظهرها متقدمة فى العمر بالحد الكافى لتكون والدة إليجا وليبدو ظهورها منطقيًا حيث لم تمنحها السنوات الـ 19 الشكل العمري الذى يجعلها أم لصامويل جاكسون.

مشهد من Glass‏

حتى المعركة التى تصدرت الفيلم بين ديفيد وكيفين بعد أن تملكته شخصية الوحش، جاءت ضعيفة وتنفيذها وتصويرها أقل من المتوقع، بمعنى مختصر وأدق النصف الأول من الفيلم كان شياملان تائهًا بين الشخصيات والرسم الدرامى لها بدا مترهلا، والفيلم وأصبح مملاً، أحداثه متوقعة وأقل من المساحة الزمنية حتى مع دخول شخصية كايسي التى دُفعت دفعًا للأحداث عنوة وكانت بلا تأثير سوى فى المشاهد النهائية مع افتعال علاقة حب بينها وبين كيفين لم يمهد لها جيدًا من البداية حتى فى الجزء الثاني الذي كان مخصصًا لها ولكيفين، ثم شخصية الطبيبة النفسية إيلي (سارة بولسون) التى عمد شياملان لوضعها فى المنطقة الرمادية طوال الفيلم تقريبًا بلا إنفعال واضح أو صراع حقيقي فقط ليحتفظ بها إلى النهاية مع الشكل الذى يفضله وهو كشف غموض الحبكة بشكل مركب يحمل مستويات متعددة للمعرفة والرؤية، وبالتالي هو لم يستغل الأحداث الجديدة الناتجة عن ظهور نوع جديد من الأعداء وقتل إيقاع فيلمه ليحتفظ بها فى الـ "تويست" النهائي.

Glass‏

إجمالا، فالنصف الثانى من الفيلم أفضل فنيًا من النصف الأول وUnbreakable هو أفضل أفلام الثلاثية المجمعة عبر السنوات، ولو كان شياملان يدفع فى اتجاه خلق عالم سينمائى يضم أبطال خارقين ستكون المنافسة شبة مستحيلة مع سيطرة شركة "مارفل" بعالمها السينمائى المتفوق ومحاولات صعود "دى سي" بعالمها الجديد نسبيًا وبالتالى وجود أي أفلام أبطال خارقين بميزانية متوسطة هو أمر محكوم بالفشل خاصة مع محاولات شياملان المستميتة لصنع عالم من أفلام مستقلة عن بعضها البعض.