خاص .. اشتباه في وجود قنبلة وفيلم تونسي.. أبرز لحظات اليوم الرابع لمهرجان كان

إذا كانت عطلة نهاية الأسبوع الأولى (السبت والأحد) في كان هي دائماً أكثر أيام المهرجان زحاماً وصعوبة في التحرك سواء داخل القاعات أو خارجها، فإن ما جرى خلال رابع أيام المهرجان (السبت 20 مايو/آذار) يؤكد أن التخوف والاستنفار الأمنى قد بلغ بالمهرجان حد البارانويا. بعدما تم تأجيل عرض فيلم لما يقترب من 50 دقيقة بسبب شكوك بوجود قنبلة داخل قاعة العرض.

كل شيء في كان يذكرك بوجود خطر: أصص نباتات حجرية بأوزان هائلة في الطرقات منعاً لتكرار حادث الدهس الجماعي في نيس، الطرقات نفسها مغلقة بحواجز معندية لا تسمح بعبور السيارات أو حتى المشاة، وعلى من يريد التحرك أن يسير ملتصقاً بالمئات من حوله في مساحة الرصيف التي لا تتجاوز المتر الواحد. اجراءات دخول قصر المهرجان وقاعاته صارت مشابهة لبوابات المطارات، فليس مسموحاً بالدخول حتى بزجاجة مياة بلاستيكية صغيرة!

قنبلة في مسرح ديبوسيه

غير أن المشهد الأكثر بروزاً وقع خلال انتظار الصحفيين لعرض الفيلم الفرنسي "الرهيب" للمخرج ميشيل أزانافيسوس. صفوف المنتظرين امتدت قبل ساعة ونصف من موعد العرض، فهو فيلم فرنسي يُعرض في يوم العطلة مخرجه معروف وشخصيته الرئيسية هي المخرج الأشهر جان لوك جودار. أي باختصار هو فيلم لديه كل أسباب التدافع لمشاهدته.

بعد مرور فترة النصف ساعة التي يفترض أن يبدأ فيها دخول الصحفيين تباعاً للعروض، ومرور الدقائق حتى تجاوزت الساعة السابعة الموعد المحدد لبدء الفيلم، يخرج فجأة مسؤولو الأمن بشكل متعجل من داخل صالة ديبوسيه، وينتشرون باتجاه الصفوف المنتظرة لأكثر من ساعة ونصف ليطلبوا ممن فيها الابتعاد فوراً عن مبنى الصالة.

الطلب نشر حالة من الخوف والقلق بطبيعة الحال، خاصة مع التأكد من أن التأجيل سبب الشك في وجود قنبلة داخل الصالة، ليبتعد البعض ويبقى غالبية الصحفيين على الرصيف المقابل في انتظار ما سيسفر عنه الأمر، ويظهر تيري فريمو مدير المهرجان مسرعاً لداخل الصالة قبل أن تُفتح الأبواب ويسمح للجميع بالدخول كي يبدأ الفيلم بعد 50 دقيقة من موعده المقرر.

بعد موقف كهذا كان من الطبيعي أن يتفاعل حضور الصحفيين بالضحك على الفيلم المشغول بخفة ظل مستلهمة من شخصية جودار الذي يرصد الفيلم مرحلة من أهم وأحرج مراحل حياته (فشل فيلمه "الصينية" عام 1967 الذي أحب بطلته آن ويازيمسكي وتزوجها، ثم اندلاع ثورة 1968 الشبابية وانخراطه فيها).

لكن رغم خفة الظل جاء العمل سطحياً في تعامله مع شخصية بمثل هذا الحضور والتأثير. المخرج حاول محاكاة أسلوب جودار في الكثير من مشاهد الفيلم، لكنها ظلت محاكاة أشبه باللعبة منها للشكل السردي، وبقى الهيكل العام للفيلم أمريكياً بحتاً جعل "الرهيب" مجرد فيلم آخر اعتيادي عن شخصية واقعية، وهو وضع قد يلائم أي شخصية أخرى غير الرجل الذي غيّر الكثير في فكرة اللغة السينمائية.

على كف عفريت

وإذا كان اليوم الرابع هو بالتأكيد يوم القنبلة المزعومة، فإن اليوم الثالث شهد حدثين أحدهما ساخن شغل الجميع وهو إيقاف عرض فيلم "أوكجا" بعد اعتراض الصحفيين ضد شبكة "نتفليكس" المنتجة له في البداية، ثم لتنبيه المهرجان بأن الفيلم معروض بأبعاد خاطئة لاحقاً، فيحدث غير مسبوق رآه الكثيرون متعمداً من قبل المهرجان المهووس بالجودة التقنية في جميع عروضه، كشكل من العقاب للشبكة التي رفضت وساطة المهرجان لعرض فيلميها الموجودين بالمهرجان في القاعات الفرنسية قبل عرضه على شاشات الشبكة لمشتركيها.

أما الحدث الثاني والذي شغل الحضور العربي بالأساس فكان عرض الفيلم التونسي "على كف عفريت" للمخرج كوثر بن هنية، والمشارك في مسابقة نظرة ما، ثاني مسابقات المهرجان أهمية وأكثرها اهتماماً بالتجارب الشابة والمغايرة.

بن هنية التي عرفناها من فيلم مثير للجدل هو "شلاط تونس" ثم توّجت بالتانيت الذهبي لأيام قرطاج السينمائية الماضية عن فيلمها التسجيلي "زينب تكره الثلج"، تشارك في كان للمرة الأولى بفيلمها الروائي الطويل الأول الذي سيثير المزيد من الجدل خلال الأشهر المقبلة وبالتحديد عند عرضه في الدول العربية وعلى رأسها تونس، بالتأكيد نظراً للمضمون الشائك لحكايته.

الحكاية عن فتاة جامعية (مريم الفرجاني) تسهر في حفل مع أصدقائها وخلال وجودها على البحر مع شاب تعرفت عليه يهاجمها رجال أمن تابعين للشرطة ويقومون باغتصابها، لتحاول مريم على ليلة واحدة هي كل زمن الفيلم الذي صورته المخرجة في تسعة فصول كل منها مكوّن من لقطة واحدة طويلة، تحاول أن تثبت حالتها طبياً وأن تتقدم ببلاغ عما حدث لسلطات الأمن التي يبدو العاملين فيها مشغولين باتهام مريم في شرفها، ومحاولة إثنائها بشتى الطرق عن استكمال شكايتها لما قد تسببه من ضرر للشرطة التونسية.

موضوع الفيلم المأخوذ عن واقعة حقيقية سيفرض بالتأكيد جدلاً لن يتوقف حول الحكاية الأصلية وكيفية معالجة المخرجة لها، والفيلم نفسه يحتمل الكثير من الجدل الفني حول الشكل الذي اختارته كوثر بن هنية ومدى الفائدة من فكرة التسع لقطات، وتشابهها مع أفلام أخرى على رأسها "موت السيد لازاريسكو" للروماني كريستي بويو. كذلك عن فريق التمثيل وعلى رأسها بطلة الفيلم التي تتراوح الآراء بين منبهر بها وبين متحفظ بوضوح علي مستواها.

أسئلة كثيرة سيحركها "على كف عفريت" خلال الأيام والأشهر المقبلة، لكن ما يهمنا إنه كان بالتأكيد ـ على الأقل بالنسبة للحضور العربي ـ واحداً من أهم أحداث مهرجان كان حتى الآن.