Godzilla vs. Kong .. بدلاً من أن تلعن الوحوش اصنع فيلماً عنهم!

كان الرومان قديماً يتسلون بعروض يشهدها جمهور كبير في المسارح المفتوحة الأقرب شبهاً بملاعب كرة القدم الحالية، وربما يذكر جمهور السينما في بدايات الألفية التجسيد الهوليوودي لهذه التسلية العنيفة، ومشاهد "راسل كرو" وهو يُصارع منافسه القوي حتى الموت في الفيلم الشهير Gladiator "المصارع". وكانت الفقرة المُفضلة لدى الجمهور الروماني هى تلك التي يقوم فيها إنسان مفتول العضلات بمصارعة أسد ومُحاولة السيطرة عليه، ولم يكن مُهما عدم تكافؤ الصراع بين الحيوان والإنسان؛ فما يُثير الجمهور هى محاولات الصراع من أجل البقاء بين طرفين قويين، والدماء الغزيرة التي تسيل على الحلبة، وهذا نفس الشىء تقريباً الذي يهتم به جمهور فيلم المغامرات والوحوش الأسطورية الأخير Godzilla vs. Kong "جودزيلا في مواجهة كونج".

حينما تُصادق السينما الوحوش!

قبل فيلم "جودزيلا في مواجهة كونج" ظهر "جودزيلا" كوحش أسطوري في منتصف الخمسينيات في السينما اليابانية، وربط البعض بينه وبين وحش العصر وقتها وهو السلاح النووي الذي عانت منه اليابان بعض ضرب الجيش الأمريكي مدينتى "هيروشيما" و"ناجازاكي" في الحرب العالمية الثانية، ولكن السينما الأمريكية حينما استلهمت شخصية هذا الوحش في عشرات الأفلام التجارية بعدها لم يكن موقفها من هذا الوحش يحمل رمزية الشر دائماً؛ فهو يظهر أحياناً كبطل وصديقاً للبشر، وهو نفس الأمر الذي حدث مع الغوريلا العملاقة "كونج"، وهى وحش حاربه البشر بكل الأسلحة العسكرية المُتاحة، رغم أن ملامحه الوحشية المُخيفة كانت تخفي خلفها قلباً رقيقاً أحب فتاة جميلة من بني البشر، وساعدها على الهرب حينما خطفتها عصابة من الأشرار.

Godzilla vs. Kong

بدأت صداقة البشر مع "كونج" منذ الفيلم الأول عام 1933، وكانت ركيزتها هو ميله العاطفي للبطلة الشقراء "فاى راى"، وبعدها "نعومي واتس" في نسخة الإعادة التي قدمها المخرج "بيتر جاكسون" عام 2005، وتطورت عواطف "كونج" حتى وصلت إلى هذا الإهتمام الخاص الذي يحظى به من شخصيات مختلفة، في الغالب تكون نسائية؛ فهو في ""جودزيلا في مواجهة كونج" يستطيع الحديث بالإشارة مع طفلة يتيمة صماء صغيرة، ولديه إعجاب خاص من المراهقة "ميلي بوبي براون" بعد إنقاذها وعائلتها في الفيلم السابق، وأيضاً يحظى بإهتمام وتعاطف العالمة الغير شقراء "إلين-ريبيكا هول" رغم كونه أسير لدى المؤسسة التي تعمل لحسابها.

بصراحة السينما حيرتنا: هل نحب هذه الوحوش أم نكرهها؟ هل تحاول أن توحي لنا بالتسامح مع من نختلف عنه حتى لو كان مُخيفاً وخطيراً؟ أم تحذرنا من خطر مجهول وفتاك قد يُهاجمنا في أى لحظة؟ أم هى فقط تغير مبادئها مع كل سيناريو لمجرد إعادة تدوير نفس القصة من زوايا مُختلفة؟

Godzilla vs. Kong

معارك ومؤثرات ولا شىء أخر!

بعد فشل محاولات البشر قتل "كونج" المخيف في فيلم Kong: Skull Island وكذلك "جودزيلا" العملاق الأسطوري في فيلم Godzilla جاء وقت المواجهة الأعنف بين الوحشين، والحقيقة أن الفيلم يضعنا في موقف لا نُحسد عليه؛ فكل أفكارنا عن الصراع مع تلك الوحوش تتداعى، ونكتشف أنها لم تكن تتصرف من تلقاء نفسها، وبدافع وحشيتها حينما هاجمت بعض المُنشآت الحيوية الأمريكية، وأن هناك بشر يتآمر ويًسيطر عليها بتكنولوجيا مُتقدمة؛ بهدف إحداث فوضى مُتعمدة، وتخريب خطط الوصول إلى مصدر جديد للطاقة يقع في باطن الأرض التي جاء منها "كونج".

في خضم هذه الملحمة البصرية العنيفة التي يُقدمها الفيلم لهجمات "جودزيلا" على "كونج" يصبح على أحد الوحشين إختيار جانب البشر، وهو ما يفعله "كونج"، وتُصبح المعركة بين البشر والتكنولوجيا و"كونج" من جانب، و"جودزيلا" ومن يقفون خلفه من جانب أخر، ولأن السينما قررت أن تُصادق الوحوش، وقامت بأنسنة معاركهم؛ فقد ذهبت حبكة الفيلم إلى أجواء المؤمرات والصراع على الطاقة، وتسخير البشر للوحوش من أجل معاركهم ومصالحهم، وتبقى كل تفاصيل الحبكة العلمية هامشية وغير جذابة لأن المُشاهد ينتظر معارك "جودزيلا وكونج" كأنه ينتظر مباراة مُصارعة رومانية مُثيرة، وتتفوق المؤثرات البصرية عن كل تفاصيل حبكة السيناريو التي يصعب مُتابعتها وهى تُقدم كثرثرة معلوماتية تُحاول بناء تاريخ مُتماسك للصراع بين الوحشين.

Godzilla vs. Kong

سينما من أجل التسلية!

الفيلم من إنتاج شركة "وارنر بروس" ومن إخراج "آدم وينجارد" المعروف بإخراج عدد من الأفلام من نوعية "الرعب"، وهو أمر يُمكن أن نرى أثره في أجواء العمل، وكثرة استخدامه اللقطات المُقربة لوجوه الممثلين في لحظات الخوف، ومشاهد حصار البشر داخل مكان ضيق، وتهديد كائن مخيف لا نراه لهم.

بدأ عرض الفيلم في نهاية شهر مارس الماضي، بعد عديد من التأجيلات بسبب جائحة كورونا، وعُرض على منصة HBO Max بالتوازي مع عرضه في دور السينما العالمية، وهو فيلم مُنتظر بالنسبة لجمهور أفلام الوحوش والخيال العلمي والمُغامرات، وتنتظر شركات الإنتاج والتوزيع التي تُعاني من إنتشار الكورونا وعزوف الجمهور عن الذهاب إلى السينما أن يحقق لها صراع الوحشين إيرادات تُعينها على الإستمرار.

الفيلم من نوعية أفلام المؤثرات البصرية المُبهرة المُسلية، التي يُمكن قضاء وقت لطيف في مُشاهدتها على شاشة السينما الكبيرة، وستنسى تفاصيلها بالتأكيد بعد كلمة النهاية.