مسلسل "Lupin - لوبين".. ثغرات درامية فى سرقات فرنسية نبيلة!

هناك عناصر مُشتركة بين شخصيتى "البرفيسور" من المسلسل الإسباني La casa de papel "بيت الورق"، و"أرسين لوبين" العصر من مسلسل "نتفليكس" الفرنسي Lupin "لوبين"، وأبرزها الأداء، والوازع الأخلاقي، والدافع للجريمة؛ فكلاهما يتمتع بذكاء خارق للعادة وقدرة على التخطيط وتنفيذ السرقة بأسلوب مُحكم يُثير الإعجاب؛ وأخلاقياً تتحاشى خططهما العنف وإيذاء الأخرين؛ والدافع خلف جرائمهما إنتقام لجريمة قديمة، ويتصادف في القصتين أن موت الأب هو الدافع خلف التحول الكبير في سلوك الشخصيتين. 

دراما بنكهة الثقافة الفرنسية!

الإختلاف الأبرز بين "لوبين" و"البروفيسور" هو أن اللص الفرنسي يعمل وحيداً تقريباً، ولا يستعين بعصابة مُنظمة لتنفيذ عملياته مثل "البروفيسور" الإسباني. ربما تكون تلك العناصر بعض عوامل النجاح الساحق للمسلسل الفرنسي، ولكن ليست كلها.  

أول أمر نُلاحظه في مسلسل "لوبين" أنه يحمل ملامح إجتماعية وثقافية مُعاصرة للغاية؛ ففكرته الدرامية مبنية على التعدد العرقي والإمتزاج الثقافي داخل المُجتمع الفرنسي؛ وهو يضم بعض الممثلين من جذور غير فرنسية، ومنهم الممثلة "شيرين بوتلة" و"سفيان غُراب"، وكلاهما من جذور عربية وهما من فريق تحقيقات الشرطة الذي يُحقق في جريمة سرقة عقد ماري أنطوانيت الأثري المملوك لعائلة ثرية خلال عرضه في مزاد بمتحف اللوفر.

شخصية البطل "أسان" تعود لعائلة مُهاجرة سنغالية، ومثله الأعلى ومٌلهمه هو شخصية "أرسين لوبين"، اللص النبيل، وهو شخصية ابتدعها الكاتب الفرنسي "موريس لوبلان" عام 1905، وتُعد جزء أصيل من الثقافة الشعبية الفرنسية، وهذه التركيبة يُمكن أن تكون جزء من مبررات النجاح الجماهيري الكبير للمسلسل؛ فهو يحمل عناصر عالمية تصلح للنوعية التي تسعى إليها "نتفليكس" وهى استهداف مشاهدين من مختلف الجنسيات والأعراق.

الرجل النبيل هى الصفة التي التصقت بوالد البطل، وهو السائق الشهم الطيب الذي يُمثل للبطل عائلته وقدوته، وحينما فقده وهو طفل فقد عالمه وأمانه، وأصبح طفل ترعاه الحكومة، ويُعاني من التنمر كأى غريب يعيش في بلد لا ينتمي لثقافتها، وهو يجد في روايات "أرسين لوبين" التى أهداها له والده خطة الإنتقام للأب، وهى استلهام ذكاء "أرسين لوبين" ومهاراته في السرقة والتنكر.

اشتهر "أرسين لوبين" بلقب "اللص الشريف" في النسخ المُترجمة للعربية، وهو لقب مُترجم بتصرف عن اللقب الفرنسي الأدق "اللص النبيل"، والمعنى خلف الترجمتين يُشير إلى الصفات الأخلاقية للبطلين؛ فكلاهما يبحث عن العدالة ويُحارب الحرية والفساد، رغم وسائله المشبوهة في الوصول إلى غاياته.

Lupin

على خُطى أرسين لوبين!

في علم الجريمة يتحدث الخبراء عن "المُقلد" أو ما يُسمى Copycat وهو المُجرم الذي يقوم بإرتكاب جرائمه مُتبعاً أساليب مُجرم أخر، وهذا ما يفعله المسلسل من خلال شخصية الشاب الفرنسي "أسان ديوب"؛ فهو يُخطط لجرائمه مُتبعاً أساليب شخصية "أرسين لوبين" كما كتبها "موريس لوبلان" في رواياته، والتحدي الأكبر في سيناريو المسلسل هو نقل حبكات جرائم ذكية تنتمي تفاصيلها إلى بدايات القرن العشرين إلى الزمن المعاصر حيث يصعب إرتكاب نفس الجرائم بنفس الطريقة.

رغم استخدام "أسان" لتقنيات الكمبيوتر والتنكر لحل بعض تلك المشاكل، لكن السيناريو لجأ لبعض الحلول الضعيفة للحفاظ على نفس شكل الحبكات القديمة، ومن أضعف تلك الحلول رسم غالبية الشخصيات المُحيطة بالبطل بصورة أقل ذكاء منه، والإفراط في استخدام الحظ كحل للخروج من أزمات مُعقدة، وربما جزء من ذلك يعود إلى حبكات "موريس لوبلان" نفسها؛ فبطله مُغامر مرح وساخر يخرج من أشد الأزمات بخطط شديدة الذكاء، ويُساعده كثير من الحظ والمُصادفات؛ ولهذا قد تبدو بعض تفاصيل خطط الجرائم ساذجة لمن لم يقرأ الروايات، وتختلف حبكات مُغامرات "أرسين لوبين" بطبيعتها الساخرة عن رصانة تحقيقات وشخصية "شرلوك هولمز" مثلاً.

Lupin

العبقرية على حساب غباء الأخرين!

لعبة القط والفأر تدور بين "أسان" والشرطة، ولكن ماضي قائد الشرطة الفاسد يصب في صالح البطل؛ فهو بحكم منصبه يُشتت مرؤوسيه من المحققين، ويُعطل فرض القبض على "أسان"، ولكن هذا لا يبرر سذاجة تحريات الشرطة، وكذلك ضعف أساليب تأمين متحف اللوفر، وحماقة أعضاء العصابة التي تشارك "أسان" عملية سرقة العقد الأثري، وفكرة ظهور الجميع أغبياء تجعل ذكاء "أسان" عبقرياً، ويُغلف السيناريو ذلك بلمحات كوميدية تجعل الحل الدرامي المتواضع مقبولاً للمُشاهد الذي لا يبحث كثيراً عن المنطق، ولديه استعداد عاطفي مُسبق لقبول إنتصارات البطل ضد الظلم الذي تعرض له في طفولته.

 شخصية "أسان" مهمومة بمُقاومة الظلم، وهذا يؤثر على علاقته بزوجته السابقة وابنه "راؤول-إتان سيمون"، ورغم انفصاله عن زوجته وحب حياته "كلير- لوديفين ساجنير"، إلا أن الرابط العاطفي بينهما لا زال مستمراً، وهناك خيط عاطفي أخر قديم بين "أسان" و"جولييت-كولتيلد هسمي"، وهى ابنة الرجل الذي تسبب في وفاة والده في السجن، وبسبب تأثير هذا الحادث أصبح "أسان" شخصاً مسكون بروح الإنتقام، ولا يستطيع الإستقرار العائلي، وكان سيناريو "جورج كاى" و"فرانسوا أوزان" ناجحاً في تقديم جذور شخصية "أسان" ومعاناته في طفولته ومراهقته مُنذ الحلقة الأولى، وهذا تأسيس جيد للشخصية التي يتمحور عليها العمل. 

الحلقات الخمس التي عرضتها "نتفليكس" هى الجزء الأول من الموسم الأول، والنهاية المفتوحة ربما تكون مُحبطة للبعض، ولكنها لم تقف أمام المُشاهدات القياسية التى حققها المسلسل، وسيكون إنتظار الجزء المتبقي من الحلقات مُشوقاً، وغالباً ضمن صُناع العمل تقديم موسم ثان وربما مواسم أُخرى.