"Cruella" .. "ديزني" تُفسد أعمالها القديمة بأفكار سيناريوهاتها الحديثة!

"لماذا أصبحت "ستيلا" الفتاة البريئة "كوريلا" الشريرة؟" هذا السؤال يتفرغ للإجابة عليه سيناريو فيلم "كوريلا" Cruella الذي طرحته مؤخراً شركة ديزني بدور العرض كجزء يقدم مرحلة ما قبل One Hundred and One Dalmatians "101 كلب مُرقش"، وهذا يطرح سؤال أخر: هل كان الأمر يستحق تخصيص فيلم مدته أكثر من ساعتين لحكاية التاريخ القاتم لنشأة "كوريللا" عدوة الكلاب المُرقشة؟

"ديزني" أقل بهجة وأكثر قتامة!

في رواية "101 كلب مرقش" التي كتبها "دودي سميث" عام 1956 نتعرف على خبيرة الموضة غريبة الأطوار "كوريلا دي فيل"، التي تُدبر عمليات خطف حوالي مائة من الجراء الصغيرة من نوعية كلاب الدلماس المُرقشة الصغيرة لتسلخها وتصنع من فرائها معاطف تتميز بالنعومة الشديدة على عكس الكلاب الكبيرة من نفس النوع، وقد حولت ديزني الرواية إلى فيلم أنيمشن لطيف، محوره سعى الكلاب المخطوفة للهرب من أسر "كوريللا" الشريرة، ومحاولة بعض أصحاب تلك الكلاب معرفة مكانهم، ويتضمن الفيلم بعض قصص الحب بين ثنائي من الكلاب المرقشة، وبين ثنائي من البشر أصحاب تلك الكلاب.

محور الأفلام التي أنتجتها ديزني عن نفس القصة هى الكلاب اللطيفة التي تقع أسيرة مجنونة الموضة  Cruella "كورلا" وإسمها بالإنجليزية تحوير لكلمة cruel التي تعني القسوة والوحشية، والأفلام التي قدمت حكايتها، سواء الرسوم المتحركة أو الواقعية مُفعمة بالألوان والبهجة والموسيقى، ولكن الفيلم الأخير الذي تدور أحداثه في لندن الستينيات يُقدم رواية قاتمة وغير ممتعة عن نشأة "ستيلا-إيما ستون" الطفلة التي شهدت قتل أمها في طفولتها، وتربت مع عصابة من الأطفال تخصصت في النشل والسرقة.

ينحصر طموح "ستيلا" في أمرين؛ إحداث ثورة في عالم تصميم الأزياء، والقضاء على أهم مصممة أزياء وهى "البارونة-إيما طومسون"، وخلال تلك الرحلة نسمع في الخلفية قائمة مُنتقاة من أغاني مطربي الستينيات أمثال "دوريس داى" و"نانسي سيناترا" و"بي جيز" و"نينا سيمون" و"رولينج ستونز" وغيرهم؛ إذ لا تتوقف الأغاني الشهيرة في تلك الفترة في الخلفية حتى أصبحت جزء من حالة الفيلم الذي يمزج صخب "ستيلا" وعبثها والمواقف الإستعراضية التي تضع فيها عدوتها "البارونة"، وأغاني تتدفق بتناقض العواطف الحالمة والغضب من روح حقبة الستينيات.

شر "كوريلا" و شر "البارونة"!

طوال مشاهدتي لفيلم فيلم "كوريلا" Cruella كان شر "البارونة-إيما طومسون" أكثر جاذبية وتماسكاً؛ فهى شخصية قاسية القلب بالفطرة، وترى البشر حولها مجرد أشياء تمتلكها، وحتى حينما تكتشف موهبة "ستيلا" تعتبر إبداعها ملكاً لها، وهى لا تُمانع في التخلص من أعدائها بالقتل، وهذا يجعلها شريرة نموذجية تلائم قصة مكتوبة أصلاً للأطفال، ويجعل شر "ستيلا" أو "كوريلا دي فيل" كما أطلقت على نفسها لاحقاً شراً رمادياً غامضاً؛ فهى تسعى للإنتقام من البارونة على خلفية تسبب كلابها في وفاة أمها في حادث شهدته وهى طفلة، وهذا يمنح قدراً من التعاطف معها، ولكنها تبدو في غضبها وإنتقامها أقل شراً من البارونة، ورغم أن الفيلم عن تاريخ تطور نزعة الشر داخل المراهقة الشابة "ستيلا/كوريلا" لكن لا يمكن مقاومة الشعور أن "إيما طومسون" بأدائها وهيئتها ولغة جسدها المعبرة للغاية تستحق أن تكون "كوريلا" أكثر من "إيما ستون" التي تبدو نُسخة صغيرة ومرحة من "كوريلا" في الرواية وأفلام "ديزني" السابقة.

هذا التشوش في رسم "كوريلا" أنقذه أداء "إيما ستون" الجذاب؛ فهى لم تكتفي بالشكل الإستعراضي الذي قدم الفيلم به شخصية "كوريلا"، ومنحها مساحات إنسانية قليلة للتعبير عن عواطف فتاة يتيمة تتنازعها موهبة استثنائية في تصميم الأزياء، ورغبة لا تهدأ في الإنتقام لمقتل أمها، ومقابل "كوريلا" كانت "البارونة" بتجسيد "إيما طومسون" بملامح مُتغطرسة، وسلوك عدواني شديد البرود، وكان صراع الشر البارد والشر الملتهب أكثر عناصر تماسك فيلم إثارة ومغامرات لا يوجد فيه شىء مثير أو مُغامرات مُبتكرة.

خيانة القصة الأصلية!

يمكن تصنيف الفيلم مجازاً بأنه يندرج تحت لافتة موجة سينمائية جديدة تًحاول إعادة صياغة حكايات هوليوودية قديمة بميلودرامية أشد قتامة وأقل بهجة من الأعمال القديمة، وفيلم "جوكر" Joker للمخرج "تود فيليبس" نموذج لهذا التوجه؛ وفيه يرسم الفيلم ملامح تكون الشر في شخصية الجوكر منذ طفولته، والأزمات التي جعلته شخصية غاضبة وميالة إلى تدمير الأخرين، وكما في "كوريلا" تبدأ الأزمة بمأساة عائلية تجعل الشر حالة ثورة على كل القيم والمبادىء ومفاهيم التعاطف والتراحم.

سيناريو فيلم "كوريلا" من كتابة كلا من "دانا فوكس" و"توني ماكنمارا"، وقد انحرف كثيراً عن النص الأصلي للقصة وكلاسيكيات "ديزني" التي عالجت نفس القصة؛ فبينما صراع القصة حول الحب والكراهية، نجد الفيلم منافسة الكراهية بين "كوريلا" و"البارونة"، في حين نجد وجود الكلاب المُرقشة هامشي، وربما يكون هذا مفهوماً لأن الفيلم عن "كوريلا" بالأساس، ولكن علاقتها العدائية بهذه الكلاب يبدأ من الطفولة؛ فكلاب البارونة هى التي هاجمت أم "كوريلا" في بداية الأحداث، ودفعتها عن جرف عالى، ولا يكتشف الفيلم أهمية جراء الكلاب المُرقشة إلا في مشهد يظهر بعد تترات الفيلم يُمهد للجزء التالي من الفيلم الذي ربما يتنبه إلى القصة الأصلية ويعود إلى المسار الأصلي للأحداث.