المدربة السعودية الدكتورة سمية الناصر لـ"هي": سارقو الطاقة موجودون حولنا بكثرة

دبي ــ "لمى الشثري"  Lama AlShethry

الدكتورة سمية الناصر أول سعودية متخصصة في علم تطوير الذات وتحسين الحياة الشخصية والمهنية؛ حاصلة على شهادة الاتحاد العالمي للمدربين من الولايات المتحدة الأمريكية ومقيمة في لوس أنجلوس. ألفت كتاب "حدثني فقال"، كما أن لها مقالات كثيرة تلهم القراء لأسلوب حياة واعٍ وإيجابي. كان لنا معها هذا الحديث الشائق حول العلاقة مع الذات والآخرين وتحقيق الأهداف.

 

حدثينا عن بداية دخولك إلى عالم التنمية البشرية، ولماذا اخترت هذا المجال؟

الحقيقة هي أن مجال التنمية البشرية هو الذي اختارني وليس العكس. ولدت بمشكلة صحية، وقد مررت خلال مراحل بمشاعر ألم وخوف بسبب وضعي الصحي، وهو ما جعلني أميل نحو قراءة كتب التنمية والتطوير، ومع الوقت انجذبت بشكل أكبر إلى الدورات التدريبية التي تعنى بهذا المجال. حين وصلت إلى المرحلة الجامعية، وجدت أن الكثير من الجهات تطلب مدربات سعوديات متخصصات. في ذلك الوقت، لم يكن هناك الكثير منهن في الساحة العملية .. واكتشفت أني جاهزة لهذه المهمة.

ما أهمية علاقة الإنسان بذاته وتأثير ذلك في حياته بشكل عام؟

علاقة الإنسان بذاته هي التي تجعله إما في موضع ضعف أو موضع قوة. إذا كان الإنسان يعيش حياة ضعيفة سواء من الناحية المادية أو العملية أو الفكرية فذلك يعني أنه لم يكتشف نقاط القوة الكامنة في نفسه، والعكس صحيح.

ما التعريف الأوضح لمفهوم الوعي العاطفي؟ وكيف يمكن أن نحققه؟

الوعي العاطفي يعني أن يتفهم كل شخص المرحلة المشاعرية التي يعيشها، ومعرفة الطرق التي تجعله يتعامل معها. أما كيفية تحقيق الوعي العاطفي، فهي تبدأ بالاعتراف بالمشكلة، أي أن نعترف بأننا نشعر بالخوف أو الحزن أو الغضب، ومن ثم نلجأ إلى عملية "تنظيف" قد تستغرق أياما أو شهورا وأحيانا سنوات في بعض الحالات. التنظيف هو أن تتخلص من كل الماضي الذي تسبب لك بتلك المشاعر، وتتعامل مع نفسك حين تتفاقم هذه المشاعر وتصل إلى قمتها. 

برأيك ما تأثير الطفولة في حياتنا؟ وكيف يمكن للإنسان أن يتصالح مع ماضيه؟

أؤمن بأن تأثير الطفولة يبقى فينا طوال العمر وهو أكبر مما نتخيل، والواقع الذي أشاهده لدي في الاستشارات يؤكد ذلك. التصالح مع الماضي نقطة جوهرية في حياة الإنسان، حين يصل إليها أو يقرر الاتفاق معها، فإن كل حياته سوف تتغير تبعا لذلك. التصالح مع الماضي ليس بأمر سهل، وهو يأتي على مراحل، حيث علينا أولا أن نعترف بصعوبة التجربة التي مررنا بها في الماضي وبتأثيرها المستمر فينا. قد يختلط الأمر على كثير من الأشخاص في وضعهم الحالي، حيث يربطونه بالحاضر أو بالقلق من المستقبل، بينما ليس كل ما نحن عليه حاليا هو نتاج الماضي وكيفية تعاطينا معه. يعيش بعضنا في وهم بأن آثار الطفولة انتهت بمرور السنوات وبأنها لا تمسهم وهم الآن سعداء بما هم عليه، بينما فعليا تعبث الطفولة فينا داخليا بشكل كبير.

العادات التي نمارسها يوميا وخاصة قبل النوم وعند الاستيقاظ لها دور كبير في حياتنا، هل لك أن تحدثينا عن هذا الأمر؟

نقول دائما إن الدقائق الثلاث الأخيرة قبل الخلود إلى النوم تصنع نومك .. ونومك يصنع يومك. بمعنى أنه إذا كنا نفكر بطريقة سلبية أو كانت مشاعرنا تتضمن ألما أو حزنا أو بكاء خلال آخر ثلاث دقائق قبل النوم، فإن خلودنا إلى النوم وانتقالنا إلى العالم الأثيري سوف تنتج عنه أحلام مزعجة وكوابيس قد نتذكرها وقد تنطوي في عقلنا الباطن. في كلا الحالتين، سوف تؤثر فينا في اليوم التالي. الأفكار والمشاعر التي ترد إلينا خلال الثواني الأولى بعد استيقاظنا من النوم لها تأثير كبير في بقية اليوم، سواء كانت امتنانا أو راحة أو قلقا أو حزنا. من الجيد أن يضع الإنسان أمامه عبارة أو لافتة أو صورة تذكره بالأشياء الجميلة في الحياة فور استيقاظه، وأن يفكر بوعي في أشياء مفرحة قبل النوم.

هناك الكثير من الوساوس والمخاوف التي قد تهاجم الإنسان أحيانا بشأن المستقبل .. كيف نسيطر على هذه الأفكار السلبية؟

قبل محاولة السيطرة على الأفكار السلبية، يجب أن نسيطر على برامجنا العقلية السلبية المتمثلة في سلوكياتنا وخياراتنا. بمعنى أن هناك الكثير من الأشخاص قد يجرّون أنفسهم إلى مستقبل سيئ، ولذا عليهم أن يتخذوا خطوات جيدة بشأن مستقبلهم. إذا كان الخوف من المستقبل بسبب عدم اتخاذ خطوات جادة تجاهه فهذا شيء جيد، لأن الخوف يدفعنا نحو العمل. ولكن إذا كان الخوف مستمرا حتى بعد العمل والاجتهاد وبذل قصارى جهدنا في الوقت المناسب لتحقيق واقع جيد، فحينها علينا أن نعيد برمجة عقولنا لكي نفهم الخيارات في الحياة. كلما كان الإنسان يعيش في برنامج "الخيارات" داخل عقله، كان أكثر تخفيفا للمخاوف تجاه المستقبل، لأنه يعرف بأن هناك دائما خيارات. إذا حصلت حرب في البلد التي يعيش فيها، فهناك خيارات جيدة. لو تعرض لمرض ما، فهناك خيارات جيدة له. لو فقد أحد الأشخاص الأعزاء فهناك خيارات جيدة. برنامج "الخيارات" برنامج عقلي يجب أن نضعه داخل أنفسنا وعقولنا حتى نعيش دون مخاوف أو قلق من المستقبل.  

ما نصيحتك للمحافظة على طاقة إيجابية ومواجهة التحديات بصلابة وتفاؤل؟

لا أؤمن بمواجهة التحديات! أرى بأن لكل إنسان طريقا جيدا في الحياة .. بمعنى لو واجه الإنسان بابا مغلقا، واستعصى عليه فتحه لأسباب مختلفة، ورافقته الكثير من التحديات والصعوبات، فإن هناك الكثير من الأبواب المفتوحة والميسرة. أما المحافظة على الطاقة الإيجابية، فهو عبر التأكد من حصولنا على صحة جيدة ونوم جيد وعلاقات جيدة، وأن نحتفظ دائما بمشاعر عالية. الحفاظ على المشاعر العالية يجعل الكون يسهم في حصولنا على نتائج عالية مقابلة لها متمثلة في الأمور الإيجابية التي نعيشها وتحقيق أهدافنا.

ما أهمية العلاقات الإنسانية في حياتنا؟ وكيف نحافظ عليها؟

العلاقات الإنسانية المهمة هي العلاقات الإيجابية، أما العلاقات السلبية فهي تدمرنا وتأخذنا إلى أصعب الطرق في تجربة الحياة. علينا أن نجتهد فقط في الحفاظ على العلاقات الإيجابية، أما العلاقات السلبية فالمفترض أن نتنازل عنها أو نحذفها أو نتخلص منها سريعا بشكل أو بآخر. تكمن أهمية العلاقات الإنسانية التي حولنا في أنها انعكاس لنا، وهي تجعلنا دائما ملتزمين بقانون التوسع. بمعنى أن علاقاتنا بالأشخاص المحيطين بنا من أقارب أو أصحاب أو زملاء ممن نتبادل معهم الأحاديث والأفكار والمشاعر تؤدي دور المعلم والمذكر لنا. لا يكون ذلك بشكل مقصود أو متعمد، بل هو انعكاس تلقائي لتجربتنا معهم، حيث نستفيد منهم ونستلهم من خلالهم ما يطور حياتنا ويوضح أخطاءنا لكي نصححها.

ما الطرق السليمة للوصول إلى أهدافنا المهنية وتحقيق التوازن بينها وبين الحياة العائلية أو الاجتماعية؟

جرى تكريس طاقة مبالغ فيها للحياة الاجتماعية في مجتمعاتنا. أرى أنه من المهم تخفيف هذه الطاقة حتى تتوازن الحياة. الحياة العائلية مهمة، وكذلك الحياة الشخصية التي نحقق من خلالها أحلامنا وأهدافنا المهنية، أما الحياة الاجتماعية فتأتي في درجة ثانية. إذا توفر لدينا وقت فائض للاستمتاع بحياة اجتماعية، فهذا أمر جيد، أما إذا لم يتوفر لدينا، فليس من المفترض أن نعطيها هذه القيمة العالية. أما التوازن ما بين الحياة العائلية والحياة المهنية، فعندما نصل إلى النجاح والتفوق نكون غالبا قد فهمنا كيفية تحقيق هذا التوازن كل حسب حياته، حيث ندرك أن الحفاظ على علاقاتنا العائلية سليمة وإيجابية، وإن لم تشمل جميع أفراد العائلة، هو الذي يدعمنا في تحقيق أهدافنا المهنية.

هل هناك فعلا أشخاص يطلق عليهم "سارقوا الطاقة" أي أنهم يرمون بأحمالهم السلبية على غيرهم لتسقط عنهم ويتحملها من حولهم؟ وكيف نتعامل معهم؟

الحقيقة أن "سارقي الطاقة" موجودون حولنا بكثرة. هم الأشخاص الغاضبون الخائفون الحزينون، هم الأشخاص الذين لا يكفون عن الشكوى، هم الأشخاص الذي نراهم يعيشون حالة من الدراما. لديهم دائما قصة تراجيدية يحبون أن يتقمصوها ويمثلوها أمامنا. قد يكونون على وعي بما يفعلونه، وهذا ما يجعلهم مجرمين من الدرجة الأولى، وقد يكون ذلك بلا وعي منهم، وهو حال معظم الناس لأن درجة وعيهم منخفضة. نتعامل معهم بالتخلص منهم وألا نتيح لهم فرصة تدمير أجوائنا الإيجابية.

كيف نجعل بيئتنا المحيطة أكثر إيجابية وتحفيزا على الإنتاج سواء في المنزل أو مكان العمل؟

أؤمن بأن كل شخص يجب أن يركز على نفسه، وأن يتحمل مسؤولياته. كلما تحمل الإنسان مسؤولياته بشكل جدي وكان مسؤولا بشكل تام عن نفسه جعله ذلك أكثر قابلية لمساعدة الآخرين. تنقلب المعادلة في كثير من الأحيان، وننشغل بأن نتحمل عن الآخرين مسؤولياتهم، وهو ما يدفعنا إلى التخلي عن مسؤولياتنا! وهذا سبب خلاف في كثير من المنازل وأماكن العمل، حيث يجرنا هذا الأمر إلى دائرة من إلقاء المسؤوليات. البداية الصحيحة هي أن يتحمل كل شخص مسؤوليته، والأهم هو أن ندرك أن المسؤولية لا تقتصر على "العمل"، بحيث يمكن تحميل هذه المسؤولية إلى شخص آخر لتنتهي بتأدية هذا العمل. المسؤولية بمفهومها الصحيح هي أن تؤدي هذا العمل بشكل صحيح. أي أن حفاظنا على الإيجابية يأتي من تحمل مسؤولياتنا وأدائها بشكل سليم.

هل من كلمة أخيرة توجهينها إلى قراء مجلة "هي"؟

نعم، أود أن أقول لقراء مجلة "هي" انتبهوا لاختياراتكم في هذه الحياة لكي تكون مطابقة لإرادتكم ورغباتكم. بعد مضي الزمن وسنوات العمر، يتوقف الإنسان لكي يسأل نفسه: هل اخترت حياتي بهذا الشكل لذاتي أو لإرضاء من حولي؟ كثير من الأشخاص يتأخرون في اكتشاف أنهم أضاعوا سنوات كثيرة من حياتهم من دون تحقيق ذاتهم وما ترغبه أنفسهم.