المهندسة ندى تريم: فرصة رائعة مشاركتي في مشروع "بيئة" المتميز الذي أؤمن بأهدافه وفكرته

بات الاهتمام ببناء معايير الاستدامة وإعادة التدوير ضرورة أساسية لحماية مستقبل البشرية، وتلعب دول الخليج دورا متميزا في هذا المجال. وفي هذا الإطار نسلط الضوء اليوم على الدور الرائد لدولة الإمارات ومؤسستها العريقة "بيئة" في إدارة البيئة وتبني استراتيجيات الاستدامة، والتي تأسست في عام 2007 وحققت إنجازات هائلة ضمن مسيرتها في تحقيق مستقبل مستدام عبر طرح منهجيات متخصصة ومبتكرة في مجالات الإدارة المتكاملة للنفايات والطاقة المتجددة ومرافق إعادة التدوير. وقد نجحت "بيئة" بقيادتها الشابة في تسجيل معدل تحويل النفايات بعيدا عن المكبات بنسبة 76 في المئة في إمارة الشارقة. ومن خلال زيارتي الميدانية للهيئة في منطقة الصجعة في الشارقة ولقائي مع مديرة إدارة المشاريع المعمارية والمدنية فيها المهندسة ندى تريم، اطلعت عن قرب على المرافق المختلفة، وآليات العمل المبتكرة نحو إعادة تدوير المخلفات إلى منتجات جديدة ذات قيمة عملية و اقتصادية..

حوار: مي بربر

 التجربة العملية عززت تفكيري في مجال التصميم من خلال جميع تحديات البناء التي نواجهها أثناء العمل.

التحدي الأكبر تغيير طريقة تفكير الناس لتشغيل الأشياء بأسلوب مختلف عما اعتادوا عليه والتفكير بطرق جديدة لأساليب البناء غير تلك الشائعة في المنطقة .

 

للحديث أكثر عن "بيئة" ودورها الرائد حاورت المهندسة ندى تريم، الصديقة وزميلة الدراسة، التي تميزت بمسيرة عملية ناجحة ومرموقة بداية بصفتها مهندسة ومن ثم مديرة مشاريع "بيئة"، والتي تشرف بدورها على إحدى أهم محطات "بيئة" المرتقبة: افتتاح المقر الجديد للمؤسسة المتوقع في مطلع 2021 ، والذي يشكل نموذجا للعمارة المستدامة من تصميم الراحلة زها حديد. و في زيارة ميدانية للمقر الجديد استرجعنا أيام الهندسة المعمارية واستعرضنا في صور حصرية هذا الصرح المعماري المستدام في الخطوات الأخيرة نحو الاكتمال بصحبة مديرة المشروع ندى تريم.

درست الهندسة المعمارية، وحصلت على درجة الماجستير من إحدى أهم الجامعات المرموقة في لندن، كيف كانت رحلة الانتقال للعمل في "بيئة"؟

أكملت دراستي في لندن في جمعية الهندسة المعمارية ضمن برنامج مختبر أبحاث التصميم الذي شارك في تأسيسه المهندس"باتريك شوماخر"، وهو حاليا مدير شركة زها حديد للهندسة المعمارية، وكان في ذلك الوقت شريك زها حديد. وعند عودتي إلى الشارقة، تحمست للغاية لمعرفتي أن شركة زها حديد للهندسة قدمت العديد من المشاريع في الشارقة، وسعدت بالانضمام إلى "بيئة" لقيادة المشروع منذ مراحله الأولية.  أنا أنتمي إلى الفكر ذاته والتصميم نفسه لهؤلاء المصممين، لذا تمكنت من ضمان تحقيق هدف التصميم، وتجسيد رؤية "بيئة" في جميع جوانب المشروع. وكانت حقا فرصة رائعة بالنسبة لي أن أشارك في مشروع متميز أؤمن بأهدافه وفكرته، والأهم أيضا أنه في مدينة الشارقة.

المهندسة ندى تريم

ما أبرز التحديات التي واجهتك على الصعيد الشخصي والعملي ضمن مسيرتك العملية؟

تصادفك العديد من التحديات عندما تقرر إنشاء مشروع فريد من نوعه، ولم يجرِ تنفيذه في المنطقة من قبل، لدمج عناصر التصميم عالية الجودة وإضافة جوانب الاستدامة، فضلا عن الأنظمة الرقمية المتقدمة. يمكن القول: إن التحدي الأكبر تمثل في تغيير طريقة تفكير الناس لتشغيل الأشياء بأسلوب مختلف عما اعتادوا عليه، والتفكير بطرق جديدة لأساليب البناء غير تلك الشائعة في المنطقة. كان علينا نقل رسالة مفهومها أن الجودة العالية للتصميم مهمة، ويجب أن تنعكس في كل جانب من جوانب المشروع. وكان من الصعب كذلك تثقيف الناس حول أهمية دمج جميع العناصر في المشروع بكفاءة عالية لتشكيل نهج شامل، والطريقة الوحيدة لفعل ذلك هي بالتخطيط للمستقبل، والتأكد من التنسيق بين جميع التخصصات كالهندسة المعمارية، وأنظمة الميكانيكا والكهرباء والسباكة، وأنظمة تكنولوجيا المعلومات والأمن.

من المعروف أن للمرأة قدرات استثنائية لتبني أعلى المناصب وتحقيق إنجازات عالية، كيف تصفين فرص المرأة اليوم في القطاعات الهندسية؟

لقد أثبتت المرأة قدرتها على الريادة والتميز في جميع المجالات. وقادت المرأة أيضا أجندة التصميم والقطاع الثقافي في دولة الإمارات وحول العالم وأنا فخورة برؤية الإنجازات العظيمة التي حققتها المرأة في الإمارات في مجالات التصميم الفني والثقافة ودورها في تعزيز هذه القطاعات على مستوى العالم أيضا، وآمل أن يستمر هذا التميز، وتحظى المزيد من النساء بفرصة تولي مناصب قيادية. فالمرأة تقدم منظورا فريدا لأي مجال عمل وتقدم نظرة جديدة لم يسبق أن استكشفها أو تطرق إليها أحد من قبل.

تحرصين على جانبك الفني والإبداعي من خلال أعمالك الإبداعية، كيف تجدين التوازن بين المشاريع العملية والإبداعية؟

برأيي من الرائع أن أتمكن من تحقيق التوازن بين توفير منفذ أتمكن من خلاله من تصميم وتوظيف الجانب الإبداعي والاستفادة منه. وهنالك جانب آخر مهم بالنسبة لي، باعتباري مصممة، وهو أن أبتكر وأمتلك القدرة على تطوير تفكيري التصميمي والعمل في مشاريع خاصة بي. وما يدعم هذا الجانب هو امتلاك الخبرة العملية بفضل المشاركة في مشاريع بناء ضخمة، والتعلم منها، وإثراء الخبرات الميدانية. أعتقد أن الجانبين يتكاملان فيما بينهما. لقد عززت التجربة العملية تفكيري في مجال التصميم من خلال جميع تحديات البناء التي نواجهها أثناء العمل، كما أنها أثرت في نقدي الفكري أثناء التصميم، وساعدتني في أن أصبح مصممة أفضل.

ما أبرز المحطات أو الإنجازات التي حققتموها في "بيئة"؟

من أهم الإنجازات التي حققتها "بيئة" تسجيل معدل تحويل النفايات بعيدا عن المكبات بنسبة 76 في المئة في الشارقة عبر نهجنا المتكامل لإدارة النفايات، وحلولنا البيئية المبتكرة.

خلال عام 2020 أيضا، وقّعنا مجموعة عقود بارزة في جمهورية مصر العربية، والمملكة العربية السعودية، للعمل والتعاون مع القطاع العام، وتعزيز جودة حياة أكثر استدامة للمواطنين والمقيمين. نحن نطرح مبادرات جديدة في المنطقة، بما في ذلك شركة "أيون" للنقل المستدام، والتي تعمل في دولة الإمارات العربية المتحدة، وهو مشروع مشترك بين "بيئة" و"الهلال للمشاريع". كما أسست "بيئة" ومصدر "مشروع شركة الإمارات لتحويل النفايات إلى طاقة" في عام2017 ، لتأسيس العديد من مشاريع تحويل النفايات إلى طاقة في جميع أنحاء المنطقة، ويجري حاليا العمل على بناء مشروعها الأول في الشارقة.

ومن أهم اللحظات التي لا يمكنني نسيانها في "بيئة" تعييني من قبل الشركة للمساعدة في تنفيذ مشروع المقر الرئيس. فقد كانت تجربة قيادة هذا المشروع، والتغلب على التحديات، ومشاهدته يتحول إلى حقيقة من أروع التجارب التي سأظل أتحدث عنها لفترة طويلة.

أخبرينا عن المقر الرئيس لشركة "بيئة" والذي سيفتتح العام القادم. ماذا يمثل المقر؟ وكيف كانت تجربة العمل على إدارة المشروع؟

يعد المقر الرئيس الجديد لشركة "بيئة" والذي صممته شركة المهندسة المعمارية العراقية البريطانية الرائدة زها حديد ومقرها لندن، والذي من المقرر أن يكتمل في أوائل العام المقبل، صرحا معماريا مميزا يتوسط المناظر الطبيعية الصحراوية، ويندمج بسلاسة مع ملامح بيئتها الطبيعية. وللمحافظة على الانسجام مع الطبيعة المحيطة بالمقر، صُمم على شكل سلسلة من الكثبان الرملية المتداخلة، والموجهة بزاوية تتيح لها مقاومة الرياح الشمالية القوية المعروفة في المنطقة. كما أن التصميم يتيح تزويد المساحات الداخلية في المقر بضوء ذي جودة عالية وإطلالات مميزة مع الحد من كمية الزجاج المعرض لأشعة الشمس الشديدة. ونسعى أن يكون المقر الجديد مجهزا بالطاقة الشمسية بنسبة 100 في المئة، ولن يستهلك أي طاقة من مصادر أخرى. ومن المتوقع أن يحصل المبنى على شهادة LEED البلاتينية من المجلس الأمريكي للمباني المستدامة.

ويستخدم المقر أيضا المواد المعاد تدويرها في عمليات البناء. كما يعاد تدوير مياه الصرف المستخدمة في تنسيق المساحات الخضراء، ويحقق كفاءة بنسبة 90 في المئة لجميع أنظمة الميكانيكا والكهرباء والسباكة. ويحتوي المخطط الرئيس للمشروع على مرافق مائية، وكثبان رملية خارجية، بعضها يتميز بمناظر طبيعية، ومناطق للجلوس. صُممت المساحات الطبيعية لتقليل الحاجة لاستهلاك المياه بكفاءة، إلى جانب استخدام النباتات الإقليمية. وستُزوّد أجزاء من المبنى بالطاقة من محطة لإنتاج الطاقة الشمسية الكهروضوئية، وستُخزن الطاقة الفائضة في بطاريات تسلا. ويعد المقر الرئيس لشركة "بيئة" مكتب المستقبل المتكامل مع تقنيات الذكاء الاصطناعي، والتي طورتها ونفذتها شركتا و"جونسون كونترولز". يوفر المقر استخدامات عدة للذكاء الاصطناعي الذي سيساعد في تعزيز الموارد، وتوفير الطاقة، واستخدام مسارات التنقل من دون تلامس، وزيادة رضى الموظفين. يلعب الفرد وطريقة استهلاكه دورا مهما في قطاع الاستدامة، ولكن ومن خلال النتائج نجد أننا نحن الأفراد متأخرون في تبني مفهوم الاستدامة، وإعادة التدوير.

برأيك لماذا وكيف يمكننا زيادة التوعية لدى الأفراد لتبني ممارسات أفضل؟

إطارات السيارات يتم معالجتها وإعادة تدويرها إلى مادة المطاط ذات الأغراض الصناعية المتعددة المرأة تقدم منظورا فريدا لأي مجال عمل وتقدم نظرة جديدة لم يسبق أن استكشفها أو تطرق إليها أحد من قبل. أكملت دراستي في لندن في جمعية الهندسة المعمارية ضمن برنامج مختبر أبحاث التصميم الذي شارك في تأسيسه المهندس باتريك شوماخر مدير شركة زها حديد للهندسة المعمارية. أعتقد أن أحد الأسباب قد يكون نقص الوعي لدى الناس حول الخيارات المتاحة لهم لإعادة التدوير، أو كيف يمكنهم إظهار مسؤوليتهم، قد لا يدرك الأفراد أيضا أنه من مسؤوليتهم تبني سلوكيات ومواقف مستدامة. لكنّ شركة “بيئة” تكثف جهودها لمعالجة هذه المشكلة من خلال برنامج تثقيفي بيئي شامل ضمن "مدرسة بيئة للتثقيف البيئي".

ومن خلال الدورات التعليمية والأنشطة الفعالة، نعتمد نهجا استباقيا لتشجيع الأطفال والأهل والمعلمين على الاهتمام بشكل أكبر بالبيئة، وإيجاد طرق جديدة ومبتكرة لحماية مواردنا. إن التفاعل مع المجتمع من قبل الشركات والمنظمات المشاركة في العمل البيئي، والاستدامة هو من أهم المقومات والطرق الفعالة والمؤثرة لتثقيف أفراد المجتمع.

كيف تصفين تطور دولة الإمارات في السنوات الأخيرة في مجال الاستدامة من خلال عملك؟

تمتلك دولة الإمارات رؤية واضحة لبناء مستقبل مستدام، وقد قطعت خلال السنوات الأخيرة خطوات ملموسة للوصول إلى أهدافها. على سبيل المثال، من الأهداف التي وضعتها الدولة الوصول إلى معدل تحويل للنفايات بعيدا عن المكبات بنسبة 75 في المئة، وهو المعدل الذي نجحت “بيئة” بالفعل في تحقيقه في الشارقة. كما سعت الدولة إلى توظيف فرص توليد الطاقة النظيفة من خلال إنشاء محطات الطاقة الشمسية، وتحويل النفايات إلى طاقة. وأخيرا شهدنا وتيرة نمو هائلة على صعيد الابتكارات والتقنيات المستدامة الجديدة، بما في ذلك المباني الذكية والنقل الخالي من الانبعاثات ومركبات التنظيف ذاتية القيادة وغيرها.

ما رؤيتك لمستقبل الاستدامة في دولة الامارات؟ وأين تكمن الفرص نحو التغيير الإيجابي؟

تكمن الفرص الواعدة في تبني نهج التفكيرالمستدام والتقنيات الجديدة. وكما بيّنا من خلال مقرنا الرئيس، فإننا من خلال العناية والاهتمام ببيئتنا والاستفادة من الابتكارات المتاحة، يمكننا تنفيذ مشاريع هادفة كتلك المباني التي تغير منظورنا وتوجهنا تجاه الاستدامة.