مجموعة "الامبرا" من Van Cleef & Arpels رفقة مستمرة منذ نصف قرن

قليلة هي مجموعات المجوهرات التي إذا نظرت إليها عرفت فورا الدار التي تنتجها. وأندر من ذلك أن تحقق مجموعة النجاح العالمي وتحافظ عليه بعد مرور نصف قرن من الزمن على ولادتها. قد تكون مجموعة" ألامبرا" Alhambra من دار "فان كليف أند أربلز" Van Cleef & Arpels فريدة في أنها تجمع الأمرين.

ولدت المجموعة عام 1968 بقلادة بسيطة. ثم صيغ من هذه المجموعة العقود الطويلة والقطع الأخرى التي زينت أجمل نساء العالم، من "جاكلين أوناسيس" والأميرة "غرايس أوف موناكو" إلى سيدات المجتمع المخملي في بلدان كثيرة في العالم. ومازالت حتى اليوم عنوان الأناقة للسيدة الأنيقة. تطورت المجموعة عبر السنين، لكنها حافظت على روحها ورونقها وشكلها. ذلك الشكل الرباعي الأوراق، الذي يتفاءل به الكثيرون، وهو توأم الحظ بالنسبة للدار فقد ترافقا لنصف قرن، والرفقة مستمرة كما هو ثابت.

الاميرة غرايس أوف موناكو  المغنية فرانسواز هاردي  كلود وبيير وجاك أربلز

بمناسبة مرور خمسين عاما على بداية قصة هذه المجموعة الأيقونية، ألف الكاتب والمؤرخ البريطاني "نيكولاس فولكس" كتابا عنها، حمل عنوان "ألامبرا"  Alhambra.  يصف فيه "فولكس" المجموعة بأنها كونٌ من الجمال متعدد الألوان. ويقول: "قلادة اسمها ألامبرا استبقت ما أصبح من القطع الأكثر شهرة وتعريفا، من المجوهرات تحمل توقيع أحد الدور، في العالم بعد نصف قرن. ألامبرا: ليست مجرد قطعة واحدة من المجوهرات، ولكن اسم ست مجموعات، تضم 226 قطعة من المجوهرات. ألامبرا: عقود قصيرة وعقود طويلة، أساور، قلادات وأقراط أذن وساعات، وحتى وصلات الأكمام. ألامبرا: عالم كامل من الألوان والملامس، صيغ بالذهب الوردي والأصفر والأبيض، وزين بكل أنواع المواد الطبيعية من الأخشاب الثمينة إلى الماس المرصوف. هي باختصار، عالم جمال ثري وتعبير فني متعدد الألوان، مختزل في اسم واحد: ألامبرا. وهو محكم داخل شكل واحد بسيط "رباعي الأوراق". اسم وشكل تزاوجا للمرة الأولى على رسمة ولدت في ذهن الفنان ذات يوم ثلاثاء عام 1968 ". التقينا بالمؤلف وجهدنا أن نسبر معه تاريخ وعالم "ألامبرا"، وقرأنا كتابه فلفتنا أنه لا يتناول المجموعة فقط، بل يتناول المجتمع والتاريخ في نهاية الستينات، وما بعد هذا التاريخ. فهو يشير الى أن تاريخ المجموعة ليس تاريخا جامدا، فما زال مستمرا وهو أراد أن يتبعه. وكان من المهم بالنسبة له أن يعرّف بالفترة التي ولدت أثناءها المجموعة، لأنها تعكس أسلوب الحياة والمجتمع في ذلك الزمن.

يرى "فولكس" أن ما يميز مجموعة "ألامبرا" ويجعلها فريدة هو نجاحها بشكل استثنائي، وهو ما ضمن ديمومتها. ويضيف: "أما ما يجعلها مختلفة، فهو أنها كانت جريئة في وقتها وزمنها. فقد كان )بيير أربلز(  رجلا مبدعا حقا ومجددا ورائدا في مجاله.

اخترع فكرة البوتيك، ثم قدم )ألامبرا(، وصنع أول ساعات الدار في الأربعينيات، وأطلقها في السبعينات. كما أطلق عطر  فيرست( First عام 1976 ليصبح أول عطر تطلقه دار مجوهرات. فكرة بوتيك المجوهرات الذي تباع فيه مجوهرات النهار، وليس المجوهرات الراقية، كانت خطوة جريئة بالنسبة لزمنها، وقد ميزت الدار. افتتح بوتيكا صديقا، حيث يمكن أن تشتري منه الهدايا الصغيرة مثل الولاعات ووصلات الأكمام وبروشات الحيوانات اللطيفة، ومجوهرات النهار التي لم تكن موجودة من قبل، فأصبحت المجوهرات كإكسسوار، وليست زينة تقليدية تامة".

الجرأة في تصاميم تضم الخشب في حملة "المس الخشب" حوالي عام 1916

شهدت فترة الستينيات من القرن الماضي تغيرات ملحوظة في أسلوب الحياة. يقول "فولكس" في كتابه:" كان التذوق ينشطر، لم تعد الموضة يمليها عدد قليل من المصممين في باريس، المظاهر كانت تتغير، وبدأت تظهر أناقة متخففة )كاجوال( تعامل المجوهرات كالإكسسوار". ولذلك أصبحت المجوهرات تلبس بطريقة جديدة. ويلفت "فولكس" إلى أن فان كليف أند أربلز تمكنت من النظر إلى عالم تسوده حرية التعبير، وبدأت تلمح ظهور أسلوب جديد. وهي بمجموعة "ألامبرا" أتت بطريقة جديدة للتزين بالمجوهرات تعكس الحياة في ذلك الوقت. يؤكد "فولكس" بذل مصمميها جهدا كبيرا للابداع، استمدوا بعضه من تأثيرات حضارية تأتي من حضارات مختلفة. ويقول: "كان )كلود أربلز( كثير الأسفار، فنرى في الدار تأثيرات من الهند والمكسيك واليونان. ينسى الناس أن قدوم عصر الطائرات سهل الترحال وفتح الأبواب على الحضارات الأخرى. ولو نظرت إلى المجلات الملونة من تلك الفترة لرأيت أنه كلما كان الشيء غير عادي في أوروبا، لاقى قبولا أفضل. إن ألامبرا ابتكار وليد ذلك الزمن، وهي في الوقت نفسه نتاج ذلك الزمن. الكثير من الأشياء تواجدت معا في الوقت الصحيح، بيير أربلز، وحركة الهيبي وحب كلود للأماكن البعيدة والغريبة. كل هذه العوامل اجتمعت معا في هذا التصميم البسيط جدا، ولكن المتغير بلا حدود".

 

اسم غامض

حب الدار للعالم الآخر البعيد يظهر بأسماء قطع مختلفة مثل مشابك "كشمير" وقلادة "أيبيزا" وسوار "باهاماس". أما اسم "ألامبرا"، فلا نعرف يقينا أصله أو نسبه. وقد يكون ربما اختير ليعبر عن حب الدار للبلدان البعيدة، أو ليضفي على المجموعة مسحة من الغموض. لكنه أيضا قد يلفت إلى حدائق قصر الحمراء في الأندلس. "فولكس" يرى في شكل قطع المجموعة المميز ما يذكره بالفن الغوثي في البندقية. لكن تبين له فيما بعد أن "جورج مارسيه"، وهو باحث في تاريخ المغرب العربي، قد أكد أن أصول هذا الشكل يعود الى مدينة سمراء في القرن التاسع بعد الميلاد.

 

البداية مع القلادة

غاص "فولكس" في أرشيف الدار، ليدرس المجموعة وتاريخها. كما استخدم الكثير من المصادر الأخرى من صحف ومجلات وكتب، وأجرى المقابلات مع شخصيات عملت مع الدار منذ نحو ثلاثين عاما. يشير "فولكس" إلى أن فرصة الاطلاع على وثائق الأرشيف الغني كانت متعة لا توصف. تتبع من خلالها تاريخ "ألامبرا"، ووجد أن أول قطعة منها أنتجت في عام 1968 لتباع في البوتيك. يقول: "لم تكن مجموعة كبيرة في البداية، إذ إن المجموعات لم تكن كبيرة في ذلك الزمن. الكثير من القطع صنعت حسب الطلب. وإذا نظرت إلى كتب الأرشيف لوجدتِ أن شخصيات كثيرة كانت تطلب قطعا تعشق بأحجار معينة، وبعضهم كان يشتريها من البوتيك".

قطعة واحدة لا تكفي

الكثير من الأميرات والشهيرات ظهرن بقطع "ألامبرا"، مثل "رومي شنايدر" التي ظهرت متزينة به في فيلم "لو مون أنراجيه"، والمغنية "فرانسواز هاردي" و"جاكلين أوناسيس". وكانت "ألامبرا" من القطع الأثيرة عند الأميرة "غرايس أوف موناكو" التي امتلكت نماذج عدة من العقد الطويل. ويقول "فولكس": لو نظرت إلى قطع "ألامبرا" التي كانت في مصاغ "إليزابيث تايلور" لوجدت أن بعضه اشتُري من البوتيك، والبعض صنع بناء على الطلب. وهذا ما أجده مثيرا في مجموعة "ألامبرا" في أنك ترين أن "ألامبرا" لها ميزة أنها قطع يجمعها الهواة، مثل هواية جمع الساعات، أنت إذا أعجبت بها، فلن تكتفي بقطعة واحدة، بل قد يكون ذلك بداية دخولك في عالم كامل من الجمال، من أقراط الأذن والقلادات والعقود الطويلة والأساور والساعات، ثم كل أنواع معالجة والأحجار التي ترصعها. إنها فعلا لافتة استثنائية غير عادية. عندما تفكرين بها، لأنك عادة لا ترين الكثير منها مجتمعة معا في الوقت نفسه، لكن كل منها مختلفة ولها ميزتها ورهجتها، ويمكن التزين بها بطرق مختلفة. مثلا الكثيرات يتزينّ بالعقد الطويل

كسوار يلتف حول المعصم بضع مرات".

مثال لأسلوب فني متطور

يصف "فولكس" المجموعة في الكتاب بأنها "مثال فني رائع لأسلوب دار متطور للغاية، وتقطير لجوهر ما كانت عليه الدار قبل عام 1968، وما أصبحت عليه وما ستصبح عليه في السنوات المقبلة. لقد تطورت إلى لوح ممسوح يكتب كل جيل بعد جيل قصته عليه".

عند سؤاله عن ذلك الوصف يجيب: "إذا تغير شيء يفقد عادة شخصيته، لكن التغير في هذه المجموعة يزيدها رسوخا وقوة. وأحد أهم اختبارات أي تصميم ممتاز، هو كم تستطيع التلاعب به قبل أن يفقد معناه وأسلوبه. الشيء الوحيد في هذه المجموعة الذي يجب الحفاظ عليه هو الشكل الرباعي. لكن يمكن التلاعب بحجمه وترصيعه بأي نوع من الأحجار الكريمة أو شبه الكريمة أو حتى الخشب. يمكن وضع القطرات أو الحبيبات على حوافه أو إزالتها كما يمكن التلاعب بلون الذهب وشكله، فيكون لامعا أو )مات(. يمكن أن يصاغ كإسوار أو عقد وخلافه. الشكل يؤكد روح المجموعة ومرساتها. وهذا ما عنيته عندما قلت: إنه مثل اللوح الممسوح، فيمكن أخذ هذا التصميم الأساسي والعمل عليه بطريقة مناسبة للزمن". أما عن كونه ملخصا لأسلوب الدار، فذلك لأنه ارتبط باسمها، ولأنه جمع بين الذهب والأحجار شبه الكريمة. فهي استخدمت الأخشاب في أوائل القرن الماضي، واستعمل شعر الفيل في العشرينيات والكثير من المواد الغريبة في الثلاثينات، إلى جانب صياغة المجوهرات التي ترتبط بدار مجوهرات راقية، كانت تصنع مجوهرات لكل يوم. يقول "فولكس": "كانت الدار دائما جريئة، وإنها حقا لمجازفة كبيرة أن يفعلوا كل ذلك". هذا المزيج بين المجوهرات الراقية والمجوهرات الرفيعة يميز الدار، وهي تعاملها بالطريقة نفسها. تصوغ قطعة بالترصيع الغامض وفي الوقت نفسه تصوغ عقدا طويلا بسعر بمتناول اليد، تصممه بروح الابتكار والاهتمام بالتفاصيل نفسها، معتمدة على العين واليد الحرفية نفسهما. يشير "فولكس" إلى أن الدار كانت تصنع مجوهرات التاج لشاه إيران في العام الذي سبق إنتاج أول قطع "ألامبرا"، ويقول: "لو نظرت إلى ذلك التاج، ونظرت إلى )ألامبرا( لرأيت إحساس العمل والحس الفني نفسهما. هنالك جرأة فيما يصنعون وإحساس بالحرية في هذه القطع تشعرين بها عند رؤيتها ". مع مرور السنين تتغير توجهات الموضة والأذواق. عند سؤاله عن ذلك الأمر، يجيب فولكس" قائلاً: "عندما بدأت الكتاب، سألت الدار إن كان لألامبرا قصة، فلم أرد أن أكتب كتالوغا. فأجابوني بأنها لم تصدر الكثير من القطع في فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي. لكنني عندما غصت في الأرشيف وجدت الكثير منها في الوثائق، ولكن غاب عنها العقد الطويل. فالعقود التي درجت الثمانينيات كانت أقصر وأقل ليونة، ووجدت )موتيف الأربع ورقات( كثيرا في أساور صغيرة وعقود ضيقة وأقراط أذن. كما أنها كانت مطلوبة جدا في اليابان، لأنها تشبه (كيمون(، وهو مثل الشعار الذي يمثل أسرة. وهي بالطبع في القرن الحادي والعشرين ما زالت ناجحة وما زال الطلب عليها ملحّا".

عقد من الذهب الأصفر مرصع باللازورد من عام 1968  قلادة "فينتاج الامبرا"، بالذهب الأصفر مرصع بالماس وعرق اللؤلؤ الذهبي، إصدار محدود  

 

توليفات جديدة

تقدم الدار في احتفالية مجموعة "الامبرا" Alhambra الخمسين توليفات جديدة مرصعة بمواد جميلة منها حجر العقيق اليماني والعقيق الأزرق وتقنية الحفر المتكرر المعروفة باسم "غيوشاج" )مثل اشعة الشمس( واللازورد وعرق اللؤلؤ الأسود وعرق اللؤلؤ الذهبي. يذكر أن حفر "غيوشاج" كانت الدار قد خصصته حتى الآن لصياغة الساعات والتحف الثمينة. لكنها للمرة الأولى تقدمه ضمن مجموعة "الامبرا". زينت به الدار الساعات منذ ثلاثينيات في القرن الماضي، وظهر على علب البودرة ومحفظة "مينودييه" التي مزجت بين الذهب والأحجار الكريمة.

عقد قصير "فينتاج الامبرا"، بالذهب الأصفر محفور بتقنية "غيوشاج"

خمس عشرة خطوة

كما أشار "فولكس" فإن دار "فان كليف اند اربلز" Van Cleef & Arpels تعير صناعة المجوهرات الرفيعة نفس الاهتمام الذي تعيره صياغة المجوهرات الراقية. وتجتمع في "الامبرا" المهارات المتنوعة للصاغة وخبراء الجواهر ومرصعي الأحجار الكريمة وخبراء الصقل والتلميع لصياغة كل قطعة من المجموعة. تختار كل حجر ترصع به بدقة وفق معايير جودة صارمة لتكون كل منها متناغمة مع المجموعة. تتطلب صياغة كل منها الخضوع لخمس عشرة خطوة متتالية من الاختيار والحرفة ومراقبة الجودة قبل أن تجاز للبيع.

خمس عشرة خطوة