من "باركلي سكوير" في لندن "فواز غرويوزي" Fawaz Gruosi يطل أنيقا وبثقة

عندما تدخل عالم المجوهرات والحلي، فأنت تدخل عالما صعبا ورحبا يجدّ العاملون فيه، ويمضون الأيام الطويلة والليالي الكثيرة سعيا وراء استنباط الأجمل في هذا العالم الثري. وطالما شُبه أهل هذا العالم بالرسامين الموهوبين، مع فارق يبدو بسيطا، فالرسامون أداتهم الفرشاة والألوان، والصاغة أداتهم الأحجار الكريمة على تنوعها وألوانها وغناها.

المزج بين هذه الأحجار ومقاربتها الفنية وصياغتها تميز بين صائغ وآخر  كما يفرق التلاعب بالألوان بين رسام ومبدع آخر. من القصص النيّرة في هذا العالم قصة فواز غرويوزي Fawaz Gruosi، الذي دخل عالم المجوهرات وهو في سن السادسة عشرة، وجدّ السعي، فتعلم أسرار وخفايا صناعة المجوهرات الجميلة، بالعمل المثابر مع أرقى دور المجوهرات العالمية.

وبعد أن اشتد عوده في هذا العالم، خطا عام 1993 خطوة جريئة، فأسس دار دو غريزوغونو De Grisogono حشد لهذه الدار طاقات إبداع كثيرة أمّنت لها النجاح والتألق، فاشتهر بأسلوبه الجريء المميز وبفهمه الأصيل والعميق للمجوهرات والأحجار الكريمة. وبعد 25 عاما من الجد والجهد في هذه الدار، وتحديدا عام 2018 ، اتخذ فواز غرويوزي قرارا سيكون مفصليا في حياته.

المصمم المبتكر فواز غرويوزي

القرار كان صعبا، فقد قرر مغادرة الدار، وصمم على أن يخط خطا جديدا في مساره الإبداعي. أخذ فترة من الراحة ساعدته على التأمل قبل أن يخطو خطوته الجديدة، وهكذا أسس دار فواز غرويوزي Fawaz Gruosi للمجوهرات الفخمة، والتي ستحمل في خطوطها أسلوبه الثوري وحسه الشاعري المترف الفريد في عالم المجوهرات. يتخذ غرويوزي من لندن مقرا له، فهذه المدينة أثيرة عنده، وقد انتقل للسكن فيها منذ سنوات. أما واجهته الفنية التي يطل منها، أي البوتيك الذي يعرض إبداعاته، فهو في باركلي سكوير في منطقة مايفير الفخمة.

زرنا غرويوزي في منزله الأنيق وسط لندن، وشاهدنا تصاميم مجموعته الجديدة، واستمعنا له يروي لنا بعض أخبار سيرته الفنية، ويحدثنا عن خططه لعلامته التجارية المميزة.

مصمم ثوري

عقد من الذهب الأبيض والوردي، مرصوف بحبيبات الزمرد ومرصع بالماس والياقوت

خالف فواز غرويوزي Fawaz Gruosi منذ البداية كل القواعد والتقاليد المعروفة لدى صنّاع المجوهرات، فقد كان حريصا على تقديم الإثارة والديناميكية والحداثة في عالم المجوهرات، مع الإصرار على الدقة والأصالة والإتقان في الصياغة. كان أول من استخدم جلد الغالوشا في صناعة المجوهرات الراقية، كما كان السبّاق في الترصيع بالماس الثلجي ،Icy Diamonds واستخدام الذهب المائل إلى اللون البني Browny Brown . وهو أيضا من أعطى للماس الأسود مكانته، وكان من قبل مهملا في عالم المجوهرات، ذلك أن سعره زهيد مقارنة بالماس الأبيض. يقول غرويوزي: "أحببت الماس الأسود منذ البداية. ولم يصدق الخبراء أنني أستطيع أن أستعمله في المجوهرات الراقية بنجاح. بل إني عانيت في البداية عندما قدمت أول المجموعات المرصعة بالماس الأسود، حتى إنني كنت على شفير الإفلاس قبل أسبوعين من انبهار السوق به، والإقبال عليه بوفرة". وقد أدى استخدامه للماس الأسود إلى تضاعف سعره أضعافا عدة، وأصبح من مفردات الصاغة في مختلف أنحاء العالم. ويضيف غرويوزي قائلا: "عندما أسست دو غريزوغونو De Grisogono كان رأسمالي 16 ألف فرنك سويسري وهذا مبلغ ضئيل في عالم المجوهرات. لكنني كنت مجنونا بعض الشيء، ولم يصدق أحد أنني سأتمكن من إنجاز ما انجزته وبهذه السرعة. ولا بد من القول إننا تمكننا ببطء ومنذ أوائل عام 2008 من أن نحقق إيرادا يقارب 150 مليون فرنك سويسري. وهذا إنجاز لم يحلم به أحد في تلك الأيام وبهذه السرعة".

القرار الصعب

سوار من الذهب الأبيض المرصع بالماس والياقوت والعقيق اليماني بقطع الكابوشون

رغم الإنجازات العديدة قرر غرويوزي أن يغادر شركته بعد 25 عاما من العطاء. وعند سؤاله عن سبب هذا القرار، أجاب: "تركت شركتي في يوليو 2018 ، لأنني لم أكن أشعر بالارتياح مما يجري فيها، كنت قد أدخلت بعض المستثمرين قبل عامين من ذلك التاريخ، وقد كانت الأمور جيدة في بداية الأمر. إلا أن الصعوبات بدأت تتراكم، والمشكلات بين الشركاء تضاعفت. صبرت لمدة عامين، لكنني قررت بعد ذلك أن أترك الشركة، وأن أؤسس مشروعا آخر، أقدمت على هذه الخطوة وأنا واثق بأني قادر على أن أبتكر الجديد". أما عن شعوره نحو مغادرته دار دو غريزوغونو De Grisogono ، وإن كان قد انتهز الفرصة لأخذ قسط من الراحة  وهو المعروف بإدمانه على العمل  أجاب: "يمكن أن أقول إنني عندما أغلقت الباب على شركتي، تنفست الصعداء. بالطبع كنت متخوفا بعض الشيء من الخطوة التي سأقدم عليها في اليوم التالي. قضيت نحو ستة أشهر من دون أن أفعل أي شيء مُجدٍ، وفي الحقيقة لم يكن مزاجي مواتيا للإقدام على عمل جديد. تظاهرت للناس بأنني لا أبالي، لكنني في الواقع كنت حزينا جدا. استمررت على تلك الحال نحو شهر ونصف تقريبا، بعد ذلك ابتعدت عن الماضي، وطويت صفحته، وبدأت العمل الجاد على مشروعي الجديد. وبالفعل حققنا الكثير في فترة قصيرة نسبيا، حيث أسست الدار الجديدة، ووظفت الحرفيين الماهرين في ورشة العمل في جنيف، والتي يعمل فيها حاليا نحو 13 من الصاغة والحرفيين، وجميعهم عمل معي في الماضي. كما قررت أن يكون أول بوتيك لعلامتي الجديدة في لندن، وهي المدينة التي أقطنها منذ بضعة أعوام".

بداية قوية

خاتم مرصع بالجمشت والفيروز

قد يبدأ البعض أي مشروع جديد بمجموعة صغيرة، إلا أن فواز غرويوزي خالف ذلك، فهو يقدم نحو 400 قطعة من المجوهرات الفاخرة في أول إصداراته. ويقدم أيضا ساعة نسائية تحمل توقيعه، وتتوفر بجلد الغالوشا، وترصع بالأحجار الكريمة، وتطل بموديلات مختلفة. يقول: "أنشأت هذه الدار، لأني شعرت بقدرتي على ابتكار جديد لم أقدمه من قبل، فمجموعاتي الحديثة التي سيكشف عنها في بوتيك لندن مختلفة، إنها وليدة عصرنا، وأنا متشوّق لأن أرى رد فعل محبي ابتكاراتي ومرافقي فني ومناصريه". تحمل المجموعة الجديدة هوية مصممها وبصمته الواضحة، يقول غرويوزي: "بالطبع الحمض النووي هو نفسه، لن أكرر ما قدمته في السابق، لكن الناس سيلاحظون لمساتي وهويتي في العمل الجديد". وبالحقيقة تشير إبداعاته الجديدة إلى ولعه بالحركة والتلاعب بالأحجام والاهتمام بالتفاصيل الدقيقة وبالحرفية المتقنة. فتنبض مجوهراته بألوان الأحجار الكريمة وبالأناقة الفخمة والمرح وبالطاقة والعفوية. يأتي بعضها مرصعا بالأحجار الكريمة على اختلاف أشكالها وأنواعها، من الماس والياقوت الموزمبيقي والزمرد الكولومبي والصفير السيلاني والكثير غيرها. وقد استخدم غرويوزي مواد غير متوقعة في حليّه الجديدة، مثل السيراميك الملون، ومرجان "بشرة الملائكة"، وعاج الماموث المتحجر. ومما يبهر أيضا استخدامه العنبر في مجموعته الجديدة، وقد اختاره لجماله وشفافيته. تتراوح أسعار قطع المجموعة الجديدة بين سبعة آلاف جنيه إسترليني تقريبا وأربعة أو خمسة ملايين جنيه للقطع المهمة المرصعة بأثمن الأحجار. وتتضمن قطعا فريدة، منها عقد من الذهب الأبيض والوردي، مرصوف بحبيبات الزمرد تتخلله حلقات مرصعة بالماس، وأخرى مرصعة بالياقوت، وتشبكه حلقة مرصعة بالماس، وأخرى مرصعة بالياقوت. تتميز المجموعة بالألوان الجريئة، ويظهر فيها حب غرويوزي للزمرد، وهو يقول في هذا الخصوص: "إن للزمرد مكانة خاصة باريس وميلانو في عشرينيات القرن الماضي وأسلوب الآرت ديكو. إذ يدخل الزبون البوتيك من خلال ردهة ذات أرضية رخامية مطعمة، تؤدي إلى مساحة دافئة تزينها المصابيح والأضواء والمرايا المشغولة في تفاصيل من البرونز والكريستال الصخري، تذكر بعالم المجوهرات. لمسات من الألوان تضفيها الكنبات ذات اللون الأحمر الداكن وهي من تصميم "متيّا بونيتي"، أما الطاولة ذات اللون البني المحروق، فهي من تصميم "فرانسيس سلتانا". ويزيد الدرج المركزي من جمال المكان الأنيق، وهو يؤدي إلى جناح خاص لاستقبال الضيوف الراغبين في المزيد من الخصوصية. ويقول غرويوزي: "لقد كوّنت فريقا يعمل في البوتيك، وفريقا آخر ممن كان يعمل معي في السابق، مهمته السفر إلى البلدان المختلفة لمقابلة عملاء الدار. وهو يؤكد بأنه يفضل السفر على إطالة البقاء في البوتيك، ويضيف: "نعم لقد اشتقت إلى السفر، وعندما تعود الأمور إلى طبيعتها، سأعود إلى السفر كما تعودت في الماضي. عندي، فأنا أعشق لونه، وهو يجلب لي الحظ دائما". مزيج الألوان المفاجئ وغير المنتظر هو من سمات تصاميم غرويوزي، فنحن نراها في قطعه الجديدة في خاتم كوكتيل مرصع بالجمشت والفيروز، وفي سوار مرصع بالزمرد والفيروز والياقوت. أما مصادر إلهامه، فمتعددة، وقد يرى غرويوزي الجمال في لوحة، أو قطعة فنية يعجبه فيها خط معين. فيستلهم منها فكرة يطورها، ويبدأ في رسم بعض التصاميم الأساسية، ثم يتوسع بالتفاصيل ليقدم الكثير من التصاميم الجديدة.

الراحة والفخامة

ديكور البوتيك، من تصميم فرانسيس سلتانا، يوحي بالراحة والفخامة

تعرض المجموعة الجديدة في بوتيك فواز غرويوزي، الواقع في ساحة باركلي وسط منطقة مايفير الفخمة في لندن. وقد دفعه اهتمامه بالعلاقة المميزة مع عملاء الدار، وتركيزه على عامل الخصوصية والراحة، إلى أن أوكل لمصمم الديكور والأثاث الشهير فرانسيس سلتانا تصميم البوتيك، راغبا أن يأتي البوتيك دافئا وفخما في الوقت نفسه، يشعر الزبون الزائر بالراحة والرضا عند دخوله. وأخذ تصميم الديكور طابعه من فأمضي نحو ثمانية أشهر في العام على الأقل مسافرا. لأنك أحيانا تبنين صداقات مع بعض الأشخاص الذين تلتقين بهم، وتحبين أن تلتقي بهم دائما. فالسفر بالنسبة لي ليس للبيع فقط، وإنما لخلق علاقات صداقة مع الناس. وأنا أعتز بصداقات بنيتها عبر السنين مع عملائي، وأعتبر نفسي محظوظا جدا إذا نظرت إلى ما حصل في حياتي منذ عام 1993 . فقد بنيت داري من الصفر، ووصلت إلى القمة تقريبا. واليوم في لندن نحن في انتظار رفع الإغلاق الوطني، وإزاحة القيود على السفر، لنفتتح البوتيك، ونبدأ بالعمل بشكل جدي لنتأكد مما سيمكننا تحقيقه، وكيف سيتجاوب السوق مع ما نقدم. وأعتقد أن الناس بعد فترة الإغلاق والقيود يتطلعون إلى منفذ، ويريدون ما هو جميل ومفرح، وما يحمل نسمة فرح وابتسامة.